كيف نخاطب النساء في العالم العربي

مخاطبة المرأة في اللغة العربية الفصحى لا تتطلب تعقيدات ومجاملات، ففي الإمكان مخاطبتها بكلمة آنستي أو سيدتي حسب وضعها الاجتماعي، كما تمكن مخاطبتها باسمها حسب مستوى الصلة بين المتكلم والمخاطبة، لكن مشكلة الخطاب تكمن في اللهجات العربية العامية. وهنا قد تكون فروق الجندر سببا لسوء تفاهم كبير يفسر على أنه تحرش.
الأحد 2017/01/29
أختي مع المودة والحذر

بكل رشاقة، تنقذ اللغة العربية بجزالتها أيّ موقف بين رجل وامرأة وتعفيهما من سوء الفهم والحرج، فقول الإنسان "هل يمكن يا آنسة أن أرى بطاقتكِ؟" قد يأتي جوابه "بل أنا سيدة، وهذه بطاقتي"، لكن ماذا إذا لم تفهم المخاطبة هذا الكلام، وظنت أن الرجل يروم بها تحرشا؟ نحن نتحدث عن عشرات اللهجات العربية والقريبة من العربية، وعن نسبة عالية من الأميّة في صفوف النساء العربيات وجيرانهن، فليس غريبا أن تتصور إحداهن هذا الخطاب تحرشا. ومن هنا نمت في اللغة العربية ألقاب في لغة الخطاب، يراد بها تمهيد الطريق وإزالة سوء الفهم أو الإفصاح عن النية بوضوح.

وبسبب تداول ثقافة الجندر والتركيز على إزالة الفوارق بين الأجناس المتباينة، زالت في اللغات الغربية الألقاب التي تكشف عن كون المخاطبة سيدة أو آنسة، وبات الخطاب موحدا بكلمات تدل على أنّ المخاطبة هي أنثى بغض النظر عن وضعها الجندري.

هذا الأمر لم يتضح بعد في اللغة العربية، وما زال الرجل يشعر بحرج كبير في مخاطبة المرأة في اللغة اليومية، والغالب أن يقول لها "يا أختي"، وهي تجيبه "يا أخي"، وتستخدم بعض الشعوب مرادفات لهاتين المفردتين مثل "يا حاجة، يا عمة، يا خالة…"، لكنها تدور غالبا في نفس المفهوم. هذا الاستخدام يراد به استهلال الخطاب مع المرأة دون إشعارها أنّ للمتحدث طمعا في أنوثتها، أو يراد بالكلمة مستهل يمهد للغة الخطاب بين ذكر وأنثى دون حرج وبشكل شبه رسمي. بعض النساء يرين في كلمات من قبيل "حاجة وخالة وعمة" إهانة وانتقاصا من كرامتهن وخاصة المهنية (حين يكنّ حاملات للقبٍ علمي أو وظيفي كبير). فيما يعتبر بعضهن لقب أختي، تجاهلا مسيئا لأنوثتهن، خاصة حين يصدر عن شخص غريب عنهن تماما.

في اللغات الغربية زالت الألقاب التي تكشف عن كون المخاطبة سيدة أو آنسة، وبات الخطاب موحدا بكلمات تدل على أن المخاطبة هي أنثى، هذا الأمر لم يتضح بعد في اللغة العربية

المشكلة في العالم العربي أنّ الفاصلة بين اللهجات المحلية واللغة العامية من جانب وبين اللغة العربية الفصحى من جانب آخر، فاصلة كبيرة تتعاظم كل يوم. لذا يشعر أغلب الناس بغربة شديدة مع لقبي "آنسة، سيدة" ولا يهضمون استخدامها. اللبنانيون والمصريون وبعض شعوب شمال أفريقيا يستخدمون لفظة "مدام" ويطلقونها بشكل عام، فيما تعترض عليها بعض النسوة ويعرضن أنهنّ "مدموزيل" وهذه إشكالية أخرى.

للخروج بحل من هذه الإشكاليات، وضعتُ على فيسبوك سؤالا بهذه الصيغة: ما شعور المرأة حين يخاطبها الرجل بلقب "أختي"؟ هل هو تكريم بمعنى أنه يتعفف عن أنوثتها، أم إهانة بمعنى أنه يراها مجرّد أنثى؟

الصديقات أولى بالإجابة من موضعهن، كما أنّ مساحة الإجابة مفتوحة لتعليقات الأصدقاء. فأدلى كثير من الإعلاميين والصحافيين والكتاب والأكاديميين والناشطين نساء ورجالا بآراء هامة أغنت الموضوع وفيما يلي غيض من فيضها:

الصحافي والكاتب حسين محمد عجيل: في الحالات العادية لا أظن أنّ الآنسات والسيدات يرتحن لمثل هذه المناداة، لكن في ظروف أخرى حين تكون المرأة في ظرف عصيب، فإنّ هذه المناداة بالتحديد تكون عنصر اطمئنان لها. وأظن أنّ الرجال اللبقين في العراق يعرفون ذلك، ويعرفون متى يستخدمون هذه اللفظة. أما الأجلاف فأخشى أنهم يقولون لهن "خالة وعمّة وحجيّة، وربما جدّة…". فتخيّل.. وهو ما سيدفع النساء، بتزايد الشعبوية والرثاثة في المدن فضلا عن القرى، للانزواء أو تفضيل خيار الهجرة.

بعض النساء يعتبرن لقب أختي تجاهلا مسيئا لأنوثتهن

الإعلامية المهاجرة زينب بيرس: لا أرى أيّ إهانة عندما يخاطبني أحدهم بأختي على العكس، أراها احتراما وتقديرا واعتزازا. هناك أيضا من يخاطبني بصديقتي، سيدتي أو باسمي ومصغّره.

أما المغتربة جنان الهاشمي فكتبت: بالتأكيد حسب الموقف وحسب الشخص، ولأننا مجتمع محافظ يصعب استعمال بعض الألقاب كصديقتي، لأنها تأخذ مجريات أخرى. البديل أختي أنسب. وبالتالي هي طمأنَةٌ للفتاة المتلقية، كما يعتمد أيضا على شخصيه المتلقية، وقد تعتبره إهانة أو نوعا من التقليل، أو بالعكس زيادة في الاحترام.

الكاتبة والإعلامية سلوى جراح كتبت: أنا شخصيا أفضّل صديقتي ففيها ميزة الاختيار، نحن لا نختار الأخ والأخت، أما الأصدقاء فخيارٌ حرٌّ مبني على المودة ولقاء الأفكار.

التربوي والمدرس محسن كريكط كتب يقول: لا أعتقد أنّها إهانة، على العكس هو تكريم واحترام لأنّ مجتمعنا يتقبل ذلك، خاصة عندما لا تعرف اسمها وفي المواقف التي تحتاج إلى إقناع.

فيما كتب الصحافي ضياء رسن: ربما اعتزاز الرجل الشرقي بالفتاة واحترام العادات والتقاليد.

أما الناشطة النسوية خلود جادر فكتبت: أعتقد أنّ استخدام لقب أختي فيه الكثير من الودّ والتقدير بجعل من تخاطبها ترتفع لمستوى الأخت، ولكن إذا كانت في مجالات العمل أو العلاقات الرسمية يفضّل استخدام اللقب الوظيفي مدام أو آنسة، وإذا كانت العلاقة الأخوية والصداقة قويّة وعمرها طويل تذوب كل الألقاب هذه بمناداة الشخص باسمه فقط.

أما المغترب حامد المختار فكتب: لكل مقام مقال. بعضهن يطمئن لمن يناديها بأختي وهو دليل احترام لها وخوف عليها. وهنا في تركيا يستخدم البعض كلمة "أبله"و لا أعرف إن كان إسلاميا أم لا. أما الباحثة العلمية بتول سليم فكتبت: في العراق إذا خاطب شابٌ فتاةً واستفتح خطابه لها بكلمة أختي، فهذا دليل على احترام الشاب للفتاة ويدلّ أيضا على أنّه لا ينظر إليها من منظور جنسي.

وجهات نظر متباينة
1- في الحالات العادية لا أظن أن الآنسات والسيدات يرتحن لمثل هذه المناداة.. لا أرى أي إهانة عندما يخاطبني أحدهم بأختي على العكس، أراها احتراما وتقديرا واعتزازا.

2 - لأننا مجتمع محافظ يصعب استعمال بعض الألقاب كصديقتي، لأنها تأخذ مجريات أخرى. البديل أختي أنسب وبالتالي هي طمأنة للفتاة المتلقية.

3 - أعتقد أن استخدام لقب أختي فيه الكثير من الود والتقدير بجعل من تخاطبها ترتفع لمستوى الأخت.. أتحسس من هذه الكلمة لأنني لست أخته.

4 - الرجل يهين نفسه حين ينادي المرأة أختي قبل أن يهينها هي، ويعترف بأنه ضعيف ويتستر تحت هذه التسمية وهو بالأصل يؤمن بـ"ما اجتمع رجل وامرأة إلا والشيطان ثالثهما".

الصحافية والإعلامية سهى عودة كتبت: أتحسس من هذه الكلمة لأنني لست أخته وعادة تقال هذه الكلمة لكن لا يُقصد بها الأخوّة. أفضّل صديقتي أو عزيزتي أو لقب ست إذا كان غريبا ولا يعرفني.

الناشطة المتخصصة في شؤون الاندماج بألمانيا أمل الواسطي كتبت: حسب شخصية الرجل والمرأة. الرجل الجريء لا يخاف من مناداتها بصديقتي العزيزة أو باسمها إذا كانت المرأة أيضا تفكّر بنفس العقلية المتطورة والجريئة. أما من ينادي المرأة بأختي فهو الحذر الذي يحترس به من تفكير المرأة.

الباحث في الشؤون العسكرية هشام العلي كتب: نُضطر أحيانا إلى استخدام هذا المصطلح مع المرأة الشرقية لنزرع الثقة في قلبها قبل أن نباغتها بالهجوم الخاطف! أما المغترب زيد رجاء فكتب: أعتقد بأنّ عبارات أختي وبنت عمّي وغيرها من الألقاب، أتت نتيجة الهجرة من الريف إلى المدينة، وسبب استخدامها هو ازدواجية التفكير بالنسبة إلى المرأة الأجنبية في كثير من الأحيان.

الأكاديمية إشراق سامي كتبت: أفضّل الألقاب الرسمية عليها، مثل ست فكلمة أختي تشعرني أنّ ثمة أمرا مخيفا أو مريبا لا بد من استباقه بتلويحة الأخوّة. الناشط المغترب رياض البغدادي كتب: أتصور أنّ كلمة أختي تعبّر عن أرفع حالات الحب والمودة والارتباط الحميم الذي لا نهاية له، فكم من حبيبة صارت بغيضة، وكم من صديقة صارت عدوّة، وكم من زوجة صارت طليقة، لكن لم نسمع عن أخت صارت غير أخت، فهي تبقى أختا لأنها رابطة لا يمكن أن تنتهي وإن أقدم عشائري صحراوي بدوي على قتلها بدواعي الشرف والغيرة، لكنها أيضاً تبقى أخته.

الأكاديمية غيداء الفيصل كتبت: أعتقد أنّه تحييد للخطاب، وهو أمرٌ يسهّل تبادل الحوار خصوصا في ظروفنا ومجتمعنا. وأظن أنّ الكلمة تستعمل غالبا بين الغرباء. على كلّ هي أهون من خالة وعمة التي تذكرنا بشيبتنا!

فيما أكد الأكاديمي والباحث والمؤلف أحمد خالص الشعلان: أنتَ تسأل عن شعور المرأة! لمَ لا تسأل الرجل ذاته، فتعبير أختي فيه من المداهنة والمخاتلة الشيء الكثير. أنا لا أستعمله بل أميل إلى استعمال مصطلحات من قبيل مدام وست وآنسة عند مخاطبة الإناث.

الكاتبة والناشطة المغتربة سرفراز النقشبندي كتبت: أعتقد أنّ الرجل يهين نفسه بهذه التسمية قبل أن يهينها هي، ويعترف بأنّه ضعيف ويتستر تحت هذه التسمية وهو في الأصل يُؤْمِن بـ"ما اجتمع رجلٌ وامرأة إلا والشيطان ثالثهما" ووفق هذا التراث فهو يقول لها “أنتِ لستِ سوى امرأة، أي جسد فقط” وهذه النظرة الدونية هي المفاد.

كاتب عراقي

20