كيف ضيعت إنتل فرصة الريادة في سوق المعالجات الذكية

استبعاد الشركة طفرة الرقائق قبل سنوات جعلها تسير عكس تيار المنافسة.
الاثنين 2024/09/02
فخامة الاسم أحيانا لا تكفي

تعطي الضجة التي أثارتها العيوب في معالجات إنتل، التي كانت مع مايكروسوفت أساس ثورة الكمبيوتر الشخصي العالمية، لمحة عن التحديات أمام أحد عمالقة تصنيع الرقائق لتطوير نموذج أعماله بعدما ضيع فرصة التفوق في السوق التي باتت تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

لندن - خرجت شركة ألديرون غيمز، أحد مطوري الألعاب الإلكترونية، عن المألوف الشهر الماضي حينما انتقدت إنتل لبيعها معالجات معيبة تتسبب في تعطيل الأجهزة التي تستخدمها، ما سلط الضوء على رهان أحد أبرز اللاعبين في مجال الرقائق.

وتتسبب معالجات “كور” من الجيل الثالث عشر والرابع عشر من إنتل في تعطل أجهزة الكمبيوتر وخوادم الألعاب بشكل متكرر، وفقا للشركة الأسترالية، التي سارعت إلى استبدال كافة خوادمها بوحدات شركة أي.أم.دي التايوانية لتجنب أي مفاجأة قد تجلب لها الخسائر.

ويقول خبراء إنه رغم توسع سوق المعالجات، سواء في عالم الهواتف الذكية أو الأجهزة التي تشغل برامج الذكاء الاصطناعي، فإن معالجات إنتل ضخمة وغير معدة لمواجهة مهمات تتغير مثل تلك المطلوبة مع ثورة الإلكترونيات المتقدمة.

وتقسم هذه السوق أساسا حسب نوع المنتج، كوحدة المعالجة المركزية في الكمبيوترات، ووحدة المعالجة المسرعة كالموجودة في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والتلفزيون الذكي ومكبرات الصوت الذكية وغيرها.

وتقدر شركة أبحاث السوق موردر أنتليجنس أن يبلغ حجم سوق المعالجات 126.2 مليار دولار هذا العام. ومن المتوقع أن يصل إلى 155.8 مليار دولار بحلول 2029، بمعدل نمو سنوي قدره 4.3 في المئة.

ديلان باتيل: إنتل فشلت، إذ لم تقدم إستراتيجية منتج متماسك لزبائنها
ديلان باتيل: إنتل فشلت، إذ لم تقدم إستراتيجية منتج متماسك لزبائنها

وكمحاولة لتدارك مثل هذه العثرات، أفادت وكالة بلومبيرغ الخميس الماضي بأن إنتل تعمل مع بنوك الاستثمار وتدرس خيارات مختلفة مثل فصل أعمال منتجاتها الرئيسية عن وحدة التصنيع الخاسرة، وتناقش أيضا إمكانية إلغاء بعض مشاريع المصانع.

ويعد بناء وتوسيع مواقع إنتاج الرقائق في صميم جهود التحول التي تبذلها إنتل، والتي تركز على أن تصبح شركة تصنيع تعاقدية لشركات رقائق أخرى، وهي مهمة كثيفة رأس المال أجهدت موارد الشركة المالية.

وقدمت هذه الأنباء بعض الراحة للمستثمرين، الذين يرى الكثير منهم أن تقسيم إنتل لأعمالها هو خيار مثالي مع تقدم الشركة في عصر الذكاء الاصطناعي وتتبع شركات تصنيع الرقائق مثل نفيديا وأي.أم.دي. وربما كانت الأمور مختلفة تماما بالنسبة إلى شركة إنتل، والتي كانت محبوبة في عصر الكمبيوتر قبل أن تمر بأوقات عصيبة في عصر الذكاء الاصطناعي.

وقبل سبع سنوات أتيحت لها فرصة شراء حصة في شركة أوبن أي.آي، التي كانت آنذاك منظمة بحثية غير ربحية ناشئة تعمل في مجال غير معروف يسمى “الذكاء الاصطناعي التوليدي”.

وعلى مدى أشهر بين عامي 2017 و2018 ناقش المسؤولون التنفيذيون في الشركتين خيارات مختلفة، بما في ذلك شراء إنتل لحصة 15 في المئة مقابل مليار دولار نقدا. كما ناقشوا حصول إنتل على حصة إضافية بنسبة 15 في المئة في أوبن أي.آي إذا صنعت أجهزة للشركة الناشئة بسعر الكلفة، حسب ما ذكرته مصادر لرويترز في أغسطس الماضي.

وفي النهاية قررت إنتل عدم إبرام صفقة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الرئيس التنفيذي آنذاك بوب سوان استبعد وصول نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى السوق في المستقبل القريب، وبالتالي تسدد هذه التقنية المتقدمة عوائد استثمار صانع الرقائق.

وفي ذلك الوقت كانت أوبن أي.آي، التي استمرت فيها مايكروسوفت العام الماضي خشية تفوق غوغل في سباق الذكاء الاصطناعي، مهتمة باستثمار من إنتل لأنه كان سيقلل اعتمادها على رقائق نفيديا ويسمح للشركة الناشئة ببناء بنيتها التحتية الخاصة.

ويعود فشل الصفقة أيضا إلى أن وحدة مركز البيانات التابعة لإنتل لم ترغب في تصنيع المنتجات بكلفة أعلى. ولم يتم الإعلان من قبل عن قرارها بعدم الاستثمار في أوبن، التي أطلقت برنامج تشات جي.بي.تي الرائد في 2022 وتقدر قيمته الآن بنحو 80 مليار دولار.

وهذا التفكير السلبي هو واحد من سلسلة من المصائب الإستراتيجية التي شهدت تعثر إنتل، التي كانت في طليعة رقائق الكمبيوتر في التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في عصر الذكاء الاصطناعي. وفي الأسبوع الأول من أغسطس الماضي تسببت أرباح الربع الثاني من 2024 لإنتل في انخفاض سعر سهمها بأكثر من ربع قيمته في أسوأ يوم تداول لها منذ عام 1974.

155.8 مليار دولار حجم سوق المعالجات بحلول 2029، وفق موردر أنتليجنس لأبحاث السوق

ولأول مرة منذ 30 عاما باتت قيمتها أقل من 100 مليار دولار؛ إذ لا يزال زعيم السوق السابق، الذي كان شعاره التسويقي “إنتل من الداخل” يمثل منذ فترة طويلة المعيار الذهبي للجودة، يكافح لطرح منتج شريحة ذكاء اصطناعي ضخم في السوق.

وباتت إنتل الآن قزمة مقارنة بمنافستها نفيديا البالغة قيمتها 2.6 تريليون دولار، والتي تحولت من رسومات ألعاب الفيديو إلى رقائق الذكاء الاصطناعي اللازمة لبناء وتدريب وتشغيل أنظمة ذكاء توليدية كبيرة مثل تشات جي.بي.تي 4 ونماذج للاما من ميتا.

كما تراجعت إنتل، البالغة قيمتها حاليا 94 مليار دولار، عن أي.أم.دي التي تبلغ قيمتها 218 مليار دولار، وكوالكوم البالغة قيمتها 195.2 مليار دولار.

ورغم أن الصفقة المحتملة كانت فرصة ضائعة لإنتل، كانت الشركة تخسر تدريجيا معركة التفوق في الذكاء الاصطناعي لأكثر من عقد، وفقا للمديرين التنفيذيين السابقين وخبراء الصناعة.

وقال ديلان باتيل مؤسس مجموعة أبحاث أشباه الموصلات في شركة سومي أناليست لرويترز إن “إنتل فشلت في الذكاء الاصطناعي لأنها لم تقدم إستراتيجية منتج متماسكة للزبائنها”.

ولأكثر من عقدين اعتقدت إنتل أن وحدة المعالجة المركزية، مثل تلك التي تعمل على تشغيل أجهزة الكمبيوتر المكتبية والمحمولة، يمكن أن تتعامل بشكل أكثر فاعلية مع مهام المعالجة المطلوبة لبناء وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، وفق مديرين تنفيذيين سابقين في إنتل ولديهم معرفة مباشرة بخطط الشركة.

ونظر مهندسو إنتل إلى بنية شريحة ألعاب الفيديو الخاصة بوحدة معالجة الرسومات (جي.بي.يو)، التي تستخدمها منافستا نفيديا وأدفانسد مايكرو ديفايسز، على أنها “قبيحة” نسبيا.

ومع ذلك، بحلول منتصف العقد الأول من هذا القرن، اكتشف الباحثون أن شرائح الألعاب كانت أكثر كفاءة من وحدات المعالجة المركزية في التعامل مع البيانات المكثفة اللازمة لبناء وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة.

قيم أبرز شركات الرقائق الإلكترونية

  • 2.6 تريليون دولار قيمة نفيديا
  • 218 مليار دولار قيمة أي.أم.دي
  • 195.2 مليار دولار قيمة كوالكوم
  • 94 مليار دولار قيمة إنتل

ولأن وحدات معالجة الرسوميات مصممة لرسومات الألعاب، فإنها قادرة على إجراء عدد هائل من الحسابات بالتوازي. وأمضى مهندسو نفيديا سنوات منذ ذلك الحين في تعديل بنية وحدة معالجة الرسوميات لضبطها لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، وبناء البرامج اللازمة لتسخير القدرات.

وقال لو ميسكيوسيا، المحلل في بنك الاستثمار الياباني دايوا، “عندما ظهر الذكاء الاصطناعي لم يكن لدى إنتل المعالج المناسب في الوقت المناسب”.

ومنذ 2010 قامت إنتل بأربع محاولات على الأقل لإنتاج شريحة ذكاء اصطناعي قابلة للتطبيق، بما في ذلك الاستحواذ على شركتين ناشئتين، وجهود محلية كبرى أيضا. ولم يحدث أي منها تأثيرا على نفيديا أو أي.أم.دي في السوق المتوسعة بسرعة، والمربحة.

ومن المتوقع أن تولد أعمال مراكز البيانات بالكامل لشركة إنتل مبيعات بقيمة 13.89 مليار دولار هذا العام، والتي تشمل شرائح الذكاء الاصطناعي للشركة والعديد من التصميمات الأخرى أيضًا.

ووسط ذلك كله يتوقع المحللون أن تولد نفيديا إيرادات من مراكز البيانات بقيمة 105.9 مليار دولار. وفي عام 2016 سعى الرئيس التنفيذي لإنتل آنذاك براين كرزانيتش إلى شق طريقها إلى أعمال الذكاء الاصطناعي بالاستحواذ على شركة نيرفانا سيستمسز مقابل 408 ملايين دولار.

وانجذب المسؤولون التنفيذيون في إنتل إلى تقنية نيرفانا، والتي كانت مماثلة لشريحة وحدة معالجة الموتر (تي.بي.يو) التي تصنعها شركة غوغل.

وقامت وحدة تي.بي.يو المصممة خصيصًا لبناء أو تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية الكبيرة، بإزالة ميزات وحدة معالجة الرسوميات التقليدية المفيدة لألعاب الفيديو وركزت حصريًا على تحسين حسابات الذكاء الاصطناعي.

وحققت نيرفانا لمعالجها بعض النجاح مع الزبائن بما في ذلك ميتا، وإن لم يكن كافيًا لمنع إنتل من تبديل الخيول والتخلي عن المشروع. وكانت إنتل قد اشترت في 2019 شركة ناشئة ثانية للرقائق، وهي هابانا لاباس، مقابل ملياري دولار قبل أن تغلق جهود نيرفانا في عام 2020.

10