كيف سيكون مستقبل السفر في عصر كورونا

تعقيدات الرحلات الجوية تفرض خيار السياحة الداخلية على هواة السفر.
الأربعاء 2021/03/17
تطبيق القواعد الجديدة في قطاع الطيران مهمة صعبة

على الرغم من الابتسامة التي ارتسمت على وجه الكثير من سكان العالم مع مشاهد عودة حركة الطيران والتنقل في أكبر مطارات العالم، بعد مرور عام على ظهور الجائحة التي فرضت قيودا صارمة على التنقل، إلا أن مستقبل الطيران في مرحلة ما بعد الوباء ما زال غامضا أمام مخاوف من تكبد شركات الطيران المزيد من الخسائر المالية في حال انتشار جديد للفايروس، فيما سيجد هواة السفر أنفسهم مجبورين إما باختيار السياحة الداخلية وإما التأقلم مع إجراءات الوقائية المعقدة.

واشنطن - تتوق جميع دول العالم إلى استئناف حياتها الطبيعية وممارسة الأنشطة السابقة المفضلة لديها مثل السفر، لكن لا نعرف الكثير عن الوقت المحدد الذي سوف نتمكن فيه من استئناف رحلات السفر الدولية بأمان، أو متى ستبدأ الدول في رفع القيود التي تفرضها على السفر لمكافحة تفشي فايروس كورونا المستجد.

وكل ما نعرفه اليوم هو أن السفر سيكون مختلفا بصورة أساسية، وسوف تحتاج شركات الطيران والمطارات وخطوط الرحلات البحرية والفنادق، إلى تطوير خدماتها والالتزام بالمبادئ التوجيهية الجديدة بشأن التباعد الاجتماعي والتنظيف والتعقيم وخدمات تقديم الطعام.

وستجد شركات الطيران العالمية نفسها أمام تحدي التأقلم مع عصر كورونا، حيث ستصبح الشفافية أمرا ضروريا، كما ستحتاج شركات الطيران إلى تغيير أسعارها من أجل استيعاب عدد أقل من المسافرين في وقت واحد، ما قد يتسبب في جعل العطلة الصيفية أكثر تكلفة، في حال حدث ذلك من الأساس.

ويتعين النظر إلى الأشخاص الأكثر ثراء من أجل تحديد اتجاه مستقبل رحلات السفر غير الضرورية، حيث إن الأثرياء لديهم القدرة على تخطي الكثير من المشاكل خلال فترة ما بعد الوباء، وذلك سواء من خلال الطيران الخاص، أو حجز غرف الفنادق بالكامل، ما يحول دون تشارك المساحة مع الآخرين. ورغم ذلك، فإن سفر الأغنياء في المستقبل المنظور سوف يقتصر على السفر المحلي فقط. وحتى يتغيّر ذلك، يمكننا جميعا أن نعيش في أحلام اليقظة.

شركات الطيران ستحتاج إلى تغيير أسعارها من أجل استيعاب عدد أقل من المسافرين، مما قد يتسبب في جعل العطلة الصيفية أكثر تكلفة

مردّ هذه النظرة السوداوية هو أن التعقيدات الكثيرة التي فرضها الوباء، ستعيق عملية التخطيط للسفر مستقبلا، حيث لا يحفز سيل من الإجراءات الوقائية، غالبية شرائح المجتمع سواء الطبقة الثرية أو المتوسطة على التفكير في قضاء إجازة خارج بلدانهم أو مدن إقامتهم ولن تغدو الرحلة على الطائرة ترفيهية، وعلى العكس سيفضلون سياحة داخلية آمنة على السفر وسط إجراءات مشددة تفقدهم شغف الرحلات ومتعة السفر.

وحسب رأي الخبراء فإن تطبيق القواعد الجديدة في قطاع الطيران مهمة صعبة تتسم بالفوضوية، حيث بات يفرض من جديد على الراغبين في التنقل جوا الاستظهار بشهادات صحية ووضع أقنعة واقية والانتظار لفترات أطول لإنهاء معاملات السفر، كما يفرض على أفراد الطواقم استعمال سترات، ما جعل البعض يصف هذه التغييرات المفروضة للحد من انتشار كوفيد – 19 أنها “أصعب من الإجراءات التي اتخذت بعد هجمات سبتمبر 2001”.

وأوضح المحلل في مجموعة “إنداو أناليتيكس” شكر يوسف المقيم في ماليزيا في تصريحات سابقة أن “هجمات 11 سبتمبر أوجدت بيئة جديدة لقطاع السفر برمته على الصعيد الأمني”، غير أن التحدي المرتبط بوباء كوفيد – 19 “أخطر للغاية… وهو حدث عالمي”.

وبينما تسعى بلدان نجحت في تطويق انتشار الفايروس على أراضيها إلى إقامة ما سمي بـ”ممرات السفر” فإنها تقوم بإبرام اتفاقات متبادلة مع بلدان أخرى تشهد مستوى انتشار مشابه للفايروس، غير أن هذه المهمة بدورها قد تتطلب إجراءات مكلفة، كما أنه من غير المتوقع أن ينجو قطاع الطيران من تداعيات الوباء الوخيمة التي كبدته خسائر هائلة، ومن المتوقع أن تستمر تبعات الجائحة طويلا.

ماريا أديبار
ماريا أديبار: عدم وجود تحذير 

من السفر ليس دعوة للسفر

تراجع صناعة السفر

بحسب المعاهد الوطنية للصحة، فإن مجرد التخطيط لرحلة في المستقبل من الممكن أن ينتج عنه الشعور بفرحة كبيرة لدى المسافرين والعاملين في القطاع على حد سواء، بسبب ما ستحققه العودة إلى الرحلات من انتعاشة نفسية واقتصادية.

لكن يبدو من الصعب استعادة الثقة في قطاع الطيران في مرحلة ما بعد الوباء، مع امتناع الكثيرين عن السفر بحجة عناء الرحلة وتعقيداتها.

وتتمّ تسجيل بعض مؤشرات التعافي مع تخفيف بلدان اقتصادية كبرى للقيود المتصلة بالوباء وتظهر بيانات منظمة “إياتا” ازديادا في عدد الرحلات خلال أبريل ومايو القادمين، غير أن عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الوباء تبدو صعبة.

ومن المتوقع أن تصل خسائر صناعة السياحة إلى 3.3 تريليون دولار، إذا استمر تراجع رحلات السفر الدولي للأغراض الترفيهية حتى أواخر مارس الجاري.

من ناحية أخرى، ذكرت وكالة بلومبيرغ للأنباء أن متوسط العدد اليومي للمسافرين الذين قامت “إدارة أمن المواصلات” بفحصهم في المطارات الأميركية خلال الفترة من الأول وحتى الـ27 من يوليو عام 2020، قد تراجع بنسبة 75 في المئة عن العام السابق.

وكشفت المنظمة الدولية للطيران المدني (إياتا) أن حركة الطيران تراجعت إلى مستوى 2003 مع 1.8 مليار مسافر في 2020 بعيدا عن 4.5 مليار شخص في 2019. وبسبب الحجر الصحي وإغلاق الحدود، كان الطيران الدولي أكثر تضررا (-75.6 في المئة) من الرحلات الداخلية (-48.8 في المئة).

العالم يتوق إلى رحلات سفر آمنة ودون عناء
العالم يتوق إلى رحلات سفر آمنة ودون عناء

وقال كبير الاقتصاديين في المنظمة الدولية إن الوباء شكل “أكبر صدمة لقطاع الطيران في تاريخه”.

وشكل الانخفاض الهائل في عدد المسافرين وبقاء الطائرات على الأرض الذي يتطلب نفقات ثابتة خفضها معقد جدا، عاملين أساسيين أثرا على الشركات التي خسرت 510 مليارات دولار من رقم مبيعاتها في 2020، بحسب “إياتا”. أما خسائرها المالية فقد بلغت 118 مليار دولار في 2020.

وسجلت “إير فرانس – كا.أل.أم” وحدها خسائر بلغت 7.1 مليار يورو العام الماضي.

وأعلنت مجموعة إيرباص الأوروبية للصناعات الجوية في فبراير الماضي، عن خسارة صافية قدرها 1.1 مليار يورو في 2020 بينما تكبدت منافستها الأميركية العملاقة “بوينغ” خسائر بقيمة 11.9 مليار دولار بسبب المشاكل المتعلقة بطائرتها “737 ماكس” وتأخير تسليم أولى طائرات “إكس777” في نهاية 2023.

وقاد انخفاض السفر الدولي في عام 2020 إلى خسارة تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار في عائدات الصادرات العالمية. وحسب الأرقام الأخيرة الصادرة عن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، فإن هذا الرقم أكثر 11 مرة عن الخسارة التي حدثت في عام 2009 نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية.

ومن الممكن أن تصل النتائج المترتبة على تراجع صناعة السفر، والتي عادة ما تمثل 10 في المئة من الاقتصاد العالمي، إلى أبعد مناطق العالم. حيث أن كل رحلة يقوم بها شخص ما، يكون لها “تأثير الدومينو” على الاستهلاك، لأنها تعمل على توجيه الدولارات إلى شركات الطيران وأصحاب الفنادق والمطاعم وقائدي سيارات الأجرة (التاكسي) وأصحاب الحرف والمرشدين السياحيين وأصحاب المتاجر، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر.

شتيفن زايبرت: مناشدتنا هي التخلي عن أي سفر ليس ضروريا على الإطلاق
شتيفن زايبرت: مناشدتنا هي التخلي عن أي سفر ليس ضروريا على الإطلاق

وإجمالا، فإن هناك 300 مليون شخص يعملون في صناعة السياحة. ويمكن لمثل هذه الوظائف، ولاسيما في الدول النامية، أن تقدم مسارات للخروج من الفقر، وفرصا للحفاظ على التراث الثقافي.

وقد أدى تفشي جائحة كورونا إلى تعريض ثلث جميع وظائف قطاع السياحة للخطر، وبحسب بيانات شركات الطيران في أنحاء العالم فإنها تحتاج إلى ما يقدر بنحو 200 مليار دولار من أجل عمليات الإنقاذ المالي.

وعلى الرغم من أن الدول بدأت في رفع قرارات البقاء داخل المنزل، وأعادت بحذر فتح الأماكن السياحية أمام الزوار المحليين (وأحيانا الإقليميين)، تتوقع صناعة السياحة البالغ حجمها 1.7 تريليون دولار، تسجيل خسائر سنوية تصل نسبتها إلى 80 في المئة، بحسب تقرير صدر في يوليو الماضي عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

ومن الممكن أن تتضخم النسبة بصورة كبيرة، كلما ازدادت مدة تأثر رحلات السفر الدولية للأغراض الترفيهية.

وسوف يكون لأي تحسن في هذا القطاع تأثير كبير، فبحسب ما نقلته بيانات “المجلس العالمي للسفر والسياحة”، فإن كل زيادة بنسبة واحد في المئة في عدد الوافدين الدوليين، تؤدي إلى إضافة 7.23 مليار دولار أميركي إلى إجمالي الناتج المحلي العالمي التراكمي.

وقد ثبت أن حدوث ذلك مستحيل من الناحية العملية، لأن المخاوف من حدوث موجة ثانية من تفشي الإصابات بالفايروس، تتسبب في الإضرار بأي تقدم يتمّ إحرازه في كل قارة تقريبا.

وبسبب القلق من انتشار الوباء مجددا، دعت الحكومة الألمانية إلى التخلي العام عن السفر السياحي بسبب جائحة كورونا بعد الزيادة المفاجئة في حجوزات العطل بجزيرة مايوركا.

وقال المتحدث باسم الحكومة شتيفن زايبرت الاثنين في برلين “مناشدتنا هي التخلي عن أي سفر ليس ضروريا على الإطلاق”.

وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية ماريا أديبار “عدم وجود تحذير من السفر ليس دعوة للسفر”.

وبسبب الانخفاض الحاد في عدد الإصابات بفايروس كورونا، قررت الحكومة الألمانية رفع قيود السفر عن جزيرة مايوركا الإسبانية اعتبارا من الأحد. ويعني هذا القرار أن قضاء العطلات في مايوركا صار ممكنا مرة أخرى دون الخضوع لحجر صحي، أو الالتزام بإجراء اختبار الكشف عن الإصابة بكورونا بعد العودة.

ورغم ذلك، توصي الخارجية الألمانية في إرشاداتها المنشورة على موقعها في الإنترنت بتجنب السفر غير الضروري والسفر السياحي، إلا أن هذا لا يخرج عن إطار التوصية، وليس له عواقب قانونية حال عدم الأخذ به.

وتكشف المخاوف من استمرار الأزمة الصحية أن مستقبلا غامضا ينتظر قطاع الطيران وكل شخص شغوف بالسفر أيضا، وعليه يطرح الخبراء البدائل التي ستعمل على صياغتها شركات الطيران لتدارك خسائرها من جهة، والحفاظ على متعة السفر من جهة ثانية.

لا شيء غير الانتظار
لا شيء غير الانتظار

السفر "الذكي"

مع استمرار فرض القيود في أنحاء العالم، ما الذي يمكن للأشخاص “المحبوسين” أن يقوموا بفعله من أجل التخفيف من النتائج السلبية المترتبة على فرض الحجر عليهم، وإعادة إنعاش هذا القطاع الحيوي من الاقتصاد؟ وكيف تتطور صناعة السفر لتهدئة المخاوف الحقيقية لدى الزائرين الخائفين من السفر والجراثيم الضارة؟

لا شك أن هذه الأسئلة تؤثر علينا جميعا، سواء كنا نشتاق للعودة إلى العمل بشكل مباشر، أو لمجرد أن تمضي بنا الحياة قدما، إذ ليس بوسعنا إنكار التداعيات النفسية التي ألحقنا بها الوباء وحرمنا من ممارسة الحياة بشكل طبيعي. وفيما ساد التفاؤل مع ظهور اللقاحات وعودة تدريجية للتنقل إلى الدول التي شهدت تعافيا من الوباء، إلا أنه تفاؤل حذر ينبئ بأن المعركة مع الفايروس ما زالت مستمرة وفي جميع القطاعات بما فيها قطاع الطيران، ولذلك يجب الاستعداد لها بشكل جيد.

وفيما تكبدت الكثير من شركات الطيران العالمية خسائر فادحة، قدمت شركات أخرى حلولا مستمدة من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي للتأقلم مع عصر كورونا.

وعلى سبيل المثال، أعلن مطار أبوظبي الدولي في الإمارات في نوفمبر الماضي، عن بدء تجربة جديدة بنظام “السفر الذكي”، الذي جرى تطويره من قبل مطارات أبوظبي بالشراكة مع “كونفيرجينت أي.آي”، والذي يعمل بدعم من تقنيات الذكاء الاصطناعي، بهدف تقليص وقت الانتظار، وتبسيط العمليات في جميع مرافق المطار لتقديم تجربة أكثر سلاسة وسهولة للمسافرين.

وذكرت وكالة أنباء الإمارات (وام) أن النظام الجديد “يتبنى تقنيات تعتمد على حجم البيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعي، والنمذجة الدقيقة، وتقييم حركة المسافرين لتطوير وتحسين مجموعة متنوعة من العمليات عبر مطار أبوظبي الدولي وأبرزها إنهاء إجراءات السفر والجوازات وأوقات الوصول والمغادرة للمسافرين”.

صورة

وسيسهم هذا الإجراء الذي يركز على تنظيم وصول المسافرين إلى المطار، في تخفيف الازدحام، وسهولة تطبيق معايير التباعد الاجتماعي، وتقليص وقت الانتظار. ومع مرور الوقت، والاستمرار في تشغيل النظام بتقنيات الذكاء الاصطناعي، سيصبح النظام أكثر ذكاء وسيزيد من سهولة رحلات المسافرين عبر المطار.

وقال شريف الهاشمي، الرئيس التنفيذي لمطارات أبوظبي إن “توفير نظام السفر الذكي في مطار أبوظبي الدولي يعتبر خطوة مهمة نحو المضي قدما للتحسين المستمر والابتكار والمساهمة في بناء مستقبل أفضل لتجربة السفر”.

في المقابل اختارت شركات أخرى التحفيز على السياحة الداخلية، ففي أستراليا قررت شركة كانتاس للطيران تقديم خدمة “رحلات سرية”، وذلك في محاولة لدعم السياحة الداخلية في شتى أنحاء البلاد حسبما ذكره تقرير لموقع “بي.بي.سي”. وحظي هذا النوع من الرحلات، التي تستغرق كل منها يوما ولا يعرف فيها الركاب وجهتهم قبل الصعود إلى متن الطائرة، بشعبية في تسعينات القرن العشرين. وأعادت هذه الشركة إحياءها اليوم بهدف مقاومة السياحة الراكدة جراء الوباء.

ومع ذلك، يستنتج الخبراء أنه ليس بوسع جميع شركات الطيران فعل ذلك، ولاسيما الشركات الصغيرة ذات الانتشار العالمي المحدود، والتي ليس لديها الملاءة المالية الكبيرة والكافية للمناورة، والتي اضطرت إلى الإعلان عن إفلاسها بسبب الوباء. وفي حال تواصلت الأزمة الصحية فإن الوضع مرشح للمزيد من التأزم بالنسبة إلى قطاع الطيران، أما بالنسبة إلى عشاق السفر فستبقى الفكرة مؤجلة لديهم إلى حين انتصار نهائي على الفايروس، أو سيجدون أنفسهم مضطرين إلى السفر وسط الكثير من الإجراءات الوقائية المملة.

12