كيف ستغير واشنطن نظرة الأفارقة إليها من التبعية إلى الشراكة

واشنطن – بات التركيز الأميركي على أفريقيا واضحا للعيان، وهو يعود إلى أن القارة التي كانت مهمشة أميركيا باتت قبلة للتنافس الدولي سواء من الصين وروسيا أو من الحلفاء الأوروبيين. ولأجل هذا تعمل واشنطن على إستراتيجية تخرج بالعلاقة مع أفريقيا من دائرة التبعية إلى الشراكة.
وإستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن أفريقيا التي تم إطلاقها حديثا توضح التحول في التوجه الدبلوماسي الذي ساد خلال السنوات الأربع الماضية منذ أن أعلن مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون عن سياسة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بشأن أفريقيا.
ووفقا للأوضاع التي كانت سائدة في ذلك الوقت، أكدت إستراتيجية ترامب بشأن أفريقيا على ثلاثة مبادئ وهي الرفاهية والأمن والاستقرار. وإذا كان هناك هدف عسكري جوهري يتعين تحقيقه، فقد كان “التصدي للتهديد من جانب الإرهاب الإسلامي والصراع العنيف”.
وذلك التهديد مستمر، ومن الواضح أن إدارة بايدن لا تزال ملتزمة بنفس المبادئ الرئيسية.
عقب الغزو الروسي لأوكرانيا أصيبت واشنطن بالفزع والذهول جراء امتناع دول أفريقية رئيسية عن إدانة موسكو
ويرى المحلل الأميركي إبينيزر أوباداري وهو أحد كبار الباحثين للدراسات الأفريقية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركية في تقرير، أن تأكيدات الإستراتيجية الجديدة تعكس مدى التغير الذي طرأ على مضمون العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية، ومن ثم فإن الإستراتيجية تسودها نغمة التوافق والانسجام والأهمية الكبيرة والشاملة التي تؤكد عليها لـ”شراكة على قدم المساواة”.
وتصب في هذا الاتجاه جولة أفريقية قام بها مؤخرا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وشملت جنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، وتضمنت دعوة وجهها بايدن في يوليو الماضي إلى قمة أفريقية في واشنطن من الثالث عشر وحتى الخامس عشر ديسمبر المقبل.
وأضاف أوباداري، وهو زميل أيضا في كلية الدراسات المهنية التابعة لجامعة نيويورك، أنه عقب الغزو الروسي لأوكرانيا أصيبت الولايات المتحدة بالفزع والذهول جراء امتناع دول أفريقية رئيسية عن إدانة روسيا والانضمام إلى الحملة العسكرية بقيادة واشنطن دفاعا عن سيادة أوكرانيا.
وبالرجوع إلى الماضي، فإن هذا الامتناع عن إدانة روسيا لم تكن له علاقة كبيرة بروسيا ذاتها، ولكنه كان يتعلق أكثر بالمفهوم الذي يمكن تبريره بأن واشنطن دأبت على معاملة الدول الأفريقية كدول تابعة وليس كحلفاء.
وكان امتناع أفريقيا عن تبني الخط الأميركي بشأن أوكرانيا فقط أحد بواعث القلق.
وشعرت الولايات المتحدة بالقلق جراء الدائرة الآخذة في الاتساع للنفوذ العسكري الروسي والصيني في المنطقة، حيث مال الكثير من الدول الأفريقية في ما يبدو إلى فكرة المساعدة المالية الصينية التي تصل بدون التدقيق الأخلاقي والشروط الصارمة المرتبطة بالمساعدات الأميركية.
ومع مراعاة كل هذه الأمور، سوف تبدو الولايات المتحدة على صواب في تصويرها لبكين على أنها تسعى “لتحدي النظام الدولي القائم على قواعد وتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الضيقة، وتقويض الشفافية والانفتاح وإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات الأفريقية، كما ستبدو الولايات المتحدة على صواب أيضا في تصويرها لموسكو على أنها تنظر إلى أفريقيا على أنها بيئة خصبة للشركات العسكرية شبه الحكومية والخاصة، التي غالبا ما تثير عدم الاستقرار من أجل مصالح إستراتيجية ومالية”.
وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات على مجموعة فاغنر التي وصفها بأنها روسية والتي تنتشر في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطي ومالي، غير أن موسكو تنفي صلتها بهذه المجموعة.
وتؤكد الإستراتيجية على الأهمية الحاسمة للإسهامات والقيادة الأفريقية في تحقيق الأهداف الأربعة الرئيسية للإستراتيجية وهي “تعزيز الانفتاح والمجتمعات المفتوحة” و”تحقيق مكاسب ديمقراطية وأمنية” و”دفع التعافي من الجائحة والفرص الاقتصادية إلى الأمام” و”دعم الحفاظ على البيئة والتكيف مع المناخ وانتقال عادل للطاقة”.
وبالنظر إلى القيمة الظاهرية لالتزام الإستراتيجية “بتعزيز قدرة المنطقة على حل المشاكل العالمية إلى جانب الولايات المتحدة، فإنه يتعين على الزعماء الأفارقة قبول الدعوة للعمل في قضية مشتركة مع الولايات المتحدة بهدف وضع أفريقيا على المسار صوب الاستقرار الديمقراطي والرفاهية الاقتصادية”.
ويعد وقف التراجع الديمقراطي نقطة جيدة للانطلاق منها.
الشيء الواعد هو أن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل بالتنسيق مع أفريقيا، ولكن النجاح في نهاية المطاف يتوقف على تحمل الدول الأفريقية العبء الأكبر
وكما تشير الإستراتيجية فإن ما لا يبشر بالخير بالنسبة إلى أفريقيا هو أن مؤسسة فريدم هاوس (بيت الحرية) الأميركية صنفت في عام 2022 ثماني دول أفريقية فقط جنوب الصحراء على أنها تتمتع بالحرية، وهذا الرقم هو الأقل منذ عام 1991.
وبينما وعدت الولايات المتحدة بمزيج مستهدف من الإغراءات الإيجابية والإجراءات العقابية إضافة إلى عرض شراكة “مع حكومات وهيئات إقليمية أخرى” في أفريقيا، فإن الفطرة السليمة تشير إلى أن تلك الجهود محكوم عليها بالفشل إذا واصلت مجموعة “الرؤساء مدى الحياة” في المنطقة في هدم المبادئ الديمقراطية الليبرالية وتجاهلت على نحو مستمر الدعم العام المرتفع لحكومة تمثيلية.
كما لا يمكن للمنطقة الاستفادة من تعهد الولايات المتحدة بالعمل مع الدول الأفريقية لتعزيز مسار نمو أقوى، إذا ظلت تتعثر جراء مستويات عالية مألوفة من إهدار المال العام والفساد.
وفي هذا الصدد، تكون الإستراتيجية على صواب في لفت الانتباه إلى “الربط القوي بين الفقر ونظام الحكم الإقصائي والمستويات العالية من الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان وانعدام الأمن في أفريقيا”. ومن المؤكد أن التحديات المذكورة آنفا ليست قاصرة على الإطلاق على أفريقيا.
واختتم أوباداري تقريره بالقول إن الشيء الواعد هو أن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل بالتنسيق مع أفريقيا، ولكن النجاح في نهاية المطاف يتوقف على تحمل الدول الأفريقية العبء الأكبر.