كيف تقاوم الاقتصادات العربية تأثيرات رسوم ترامب

يرى الخبراء أن تأثير الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة سيعتمد على عدة عوامل بالنسبة للاقتصادات العربية، بما في ذلك حجم التجارة بين دولة وأخرى، وطبيعة المنتجات المستهدفة، وأيضا إستراتيجيات حكومات المنطقة في التعامل مع هذه الإجراءات غير المسبوقة.
لندن – فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوسع حزمة رسوم جمركية على الإطلاق على جميع الشركاء التجاريين الرئيسيين، من بينهم الدول العربية، ضمن إستراتيجية تهدف إلى تقليص العجز التجاري وتعزيز هيمنة أكبر اقتصاد في العالم.
وشدد ترامب خلال عرض في البيت الأبيض الأربعاء الماضي، على أن هذه الرسوم تهدف إلى تصحيح الخلل في الميزان التجاري الأميركي وتعزيز الإنتاج المحلي.
ويتوقع المحللون أن تؤدي الإجراءات الحمائية إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد بشكل كبير بينما تعاني التجارة العالمية أصلا من كثرة المنغصات، بما في ذلك انخفاض تنافسية الصادرات العربية في الأسواق الأميركية.
وبهذه الخطوة قفز معدل رسوم الولايات المتحدة على جميع الواردات إلى 22 في المئة وهو معدل لم يُرَ منذ عام 1910 بعد أن كان 2.5 في المئة فقط في 2024، وفق أولوا سونولا، رئيس قسم البحث الاقتصادي في وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية.
وقال سونولا إن “هذه نقطة تحول، ليس للاقتصاد الأميركي فحسب، بل للاقتصاد العالمي.” مشيرا إلى أن “العديد من الدول من المحتمل أن تنتهي في حالة ركود.“
ويجادل المحللون والأوساط السياسية والاقتصادية منذ هذا الإعلان بشأن انعكاسات هذه الخطوة على الاقتصادات العربية، وكذلك أبعاد تأثيراتها على قطاعات حيوية مثل الصناعة والتجارة في أسواق المنطقة.
واعتبر كين روغوف، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، في تقييمه للخطوة خلال برنامج تقرير الأعمال العالمي على محطة بي.بي.سي البريطانية، قائلا إن ترامب “ألقى للتو قنبلة نووية على النظام التجاري العالمي”.
وعلى الرغم من أنه تم فرض الحد الأدنى من الرسوم المتبادلة على أغلب بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غير أن الرئيس الأميركي المثير للجدل رفع النسبة بشكل كبير على كل من سوريا والعراق وليبيا والجزائر.
وبما أن هذه الهجمة ستطال العديد من المنتجات العربية، وخاصة الزراعية والصناعات التحويلية والملابس وغيرها، لكن اللافت أن واردات النفط والغاز والوقود ستخضع لإعفاء من الرسوم المتبادلة، مما يعني أن منتجي الوقود الأحفوري سيكونون في مأمن نوعا ما.
ووفق القائمة التي كشف عنها ترامب، سيتم فرض رسوم إضافية على واردات سوريا بمقدار 41 في المئة، تليها العراق بنحو 39 في المئة، ثم ليبيا بحوالي 31 في المئة والجزائر 30 في المئة وتونس 28 في المئة.
أما الأردن الذي تذهب أغلب صادراته إلى الولايات المتحدة فسيكون أمام مرمى هذه الرسوم بزيادة قدرها 20 في المئة، فيما كان الحد الأدنى وهو 10 في المئة يستهدف باقي الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج التي تتمتع بشراكات إستراتيجية مع واشنطن.
وتباينت الرسوم على بقية الدول التي لها تعاملات اقتصادية كبيرة مع الولايات المتحدة، من بينها كولومبيا التي كان لها النصيب الأكبر إذ بلغت 49 في المئة، وفيتنام بنسبة 46 في المئة، بما يزيد عن الصين التي بلغت الرسوم المفروضة على بضائعها 34 في المئة.
وبشكل عام، سيتفاوت تأثر الاقتصادات العربية بالرسوم الجمركية التي فرضها ترامب من دولة إلى أخرى، ويتوقف ذلك على قدرة كل منها على التأقلم مع التغيرات في السوق العالمية.
ويرى خبير أسواق المال وريادة الأعمال محمد عويس شلبي أن الغرض من هذه الرسوم هو “إطلاق حرب تجارية للضغط على دول بعينها لتحقيق أجندة أو أطماع سياسية بدأت من الإدارة الأميركية الجديدة.”
ومع ذلك، قال إن التأثير على الدول العربية سيكون بشكل “غير مباشر” في إطار الصدى العالمي للقرارات الأميركية.
وأوضح أن الدول العربية “غير معنية حتى الآن”، كما أن صادراتها إلى الولايات المتحدة، باستثناء النفط، ليست بالحجم الكبير مقارنة بالواردات الأميركية.
وتظهر بيانات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة التابع للحكومة الفيدرالية أن فائض التجارة الأميركية مع الإمارات، بلغ بنهاية العام الماضي 19.5 مليار دولار ومع مصر نحو 3.5 مليار دولار، بينما الفائض مع السعودية بلغ 443.3 مليون دولار.
مقدار زيادة الرسوم على دول المنطقة
- 41 في المئة على سوريا
- 39 في المئة على العراق
- 31 في المئة على ليبيا
- 30 في المئة على الجزائر
- 28 في المئة على تونس
- 20 في المئة على الأردن
- 10 في المئة على باقي الدول العربية، بما فيها بلدان الخليج
في المقابل، ثمة عجز تجاري أميركي مع العراق الذي بلغت صادراته في العام الماضي قرابة 7.4 مليار دولار مقابل استيراد سلع بقيمة 1.7 مليار دولار، أما الأردن فصدر بقيمة 3.4 مليار دولار واستورد من أميركا بما قيمته مليارا دولار.
ومع ذلك، فإن العجز التجاري الأميركي مع العراق والأردن لا يُقارَن بأي حال من الأحوال بالفارق الكبير بين الولايات المتحدة وكندا على سبيل المثال، الذي يقدر بحوالي 63 مليار دولار.
ورغم أن النفط لم يكن هدفا مباشرا، فإن السياسة التجارية العامة وارتفاع الرسوم على المنتجات الأخرى قد يؤثران على اقتصادات الدول المنتجة للخام، فعندما تتأثر الاقتصادات الكبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، فإن الطلب قد يتراجع، ما يؤثر على الأسعار.
وقد تبرز تحولات في مسارات التجارة، فبعض الدول العربية قد تتجه إلى أسواق جديدة لتعويض الخسائر التي قد تحدث نتيجة للرسوم الجمركية الأميركية.
وعلى سبيل المثال، قد تزيد تجارة تونس مع شريكها الرئيسي الاتحاد الأوروبي أو أسواق أخرى في آسيا والشرق الأوسط، لكن هذا قد يتطلب وقتا وجهدا لإعادة توجيه الصادرات.
وبالنسبة لردود الفعل التجارية، فقد تستجيب بعض الدول العربية للتحديات التجارية بفرض رسوم على وارداتها من الولايات المتحدة أو اتباع إستراتيجيات أخرى مثل التوسع في اتفاقيات التجارة الحرة مع دول أخرى.
وربما تتأثر الصناعات المحلية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعتمد على المواد الخام المستوردة من الولايات المتحدة بسبب الرسوم المرتفعة على تلك المواد، وهذا قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج في هذه الصناعات.
ولذلك، يعتقد مجتمع الخبراء أن على الحكومات العربية استغلال هذه الفرصة والتحرك من خلال دعوة الدول المتضررة إلى الاستثمار فيها، بما يؤثر إيجابا على اقتصاد الدولة التي تسعى لتفادي مصقلة الرسوم الأميركية القاسية.