كيف تعود مصر ملاذا استثماريا واعدا للشركات الخليجية

تعول مصر على ما قامت به من إصلاحات اقتصادية وما تنوي اتخاذه من إجراءات أكثر تشجيعا كي تعود ملاذا واعدا للشركات الخليجية التي أبدى بعضها تردده في التوسع أكثر، في ظل مناخ أعمال تراه تلك الكيانات يتسم بعدم وضوح الرؤية رغم ما تقوم به الحكومة من محاولات مضنية. حتى تربح اضبط الجودة!
القاهرة - رجّح خبراء أن تعيد الحكومة المصرية النظر في بعض سياساتها، وتنجح في جذب المزيد من الاستثمارات الخليجية في الفترة المقبلة، بعدما ظهرت بوادر ملموسة تؤكد رغبة كيانات عملاقة مصرية وأجنبية في تدشين مشاريع جديدة.
وأرخت تقارير أصدرتها بعض المؤسسات الدولية مؤخرا بظلال قاتمة على مواقف شركات خليجية بعد أن أظهر البعض منها ترددا في دخول السوق المصرية، وبات من الطبيعي انتظار تقرير مراجعة جديد عن الاقتصاد المصري من قبل صندوق النقد الدولي.
ولكن ما يبرهن على استمرار جاذبية السوق المحلية وإمكانية تصحيح المسار الاقتصادي فيها، إعلان شركة البحري السعودية وهيئة قناة السويس أخيرا رصد 50 مليون دولار لتأسيس شركة نقل بحري جديدة.
ويخطط الطرفان للانتهاء من إجراءات تأسيس الشركة الجديدة قبل نهاية أغسطس المقبل.
وصرح رئيس مجلس إدارة شركة أبوظبي القابضة (أي.دي.كيو) محمد السويدي بأن هناك عددًا كبيرًا من الشركات الإماراتية تعمل في العديد من المشاريع، مؤكداً رغبتهم في ضخ المزيد من الاستثمارات في عدد من الشركات المصرية.
وقررت مجموعة الخرافي تصميم وإنشاء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي بسعة تقدر بحوالي 35 ألف متر مكعب يوميا بموجب عقد بقيمة 23.9 مليون يورو بالفيوم، جنوب غرب القاهرة.
وما تمر به مصر من خلل اقتصادي ظاهر، يراه البعض من الخبراء وضعا مؤقتا طالما أن الحكومة حريصة على معالجة العيوب أولا بأول، لأن مقومات الاستثمار متاحة.
وأبرز تلك المقومات الاستقرار السياسي والأمني، بجانب بنية تحتية شهدت تحديثًا كبيرًا وتأسيس شبكة عملاقة من الطرق والكباري ورسم خارطة لمناطق اقتصادية واعدة.
ويؤكد بهاء العادلي رئيس جمعية مستثمري بدر بشرق القاهرة أن الاستثمار في البلاد يعاني حاليا من مشكلات عديدة، وأن عجلة الاستثمار تتحرك من خلال إجراءات روتينية ولذلك هناك خطوات يجب أن تستعد الحكومة للقيام بها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب”، أن من بين تلك الخطوات توفير المنافسة الكاملة للقطاع الخاص، والتي سبيلها الوحيد هو تخارج الحكومة من شركاتها.
ولن تضحّي مصر بما قامت به من إصلاحات اقتصادية، فقد تكون خطواتها بطيئة، لكنها جادة في علاج أوجه الخلل التي بسببها دعا رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى عقد مؤتمر صحفي عالمي قريبا لشرح محددات الموقف الاقتصادي لبلاده.
ويرى العادلي أن سبب الأزمة الراهنة توجيه قروض قصيرة الأجل لمشاريع طويلة الأجل، وزادت الأزمة مع ما خلّفته الحرب الروسية - الأوكرانية من تداعيات اقتصادية.
وقال إن "حل الأزمة يكمن في تسييل الأصول المملوكة للدولة، ويتطلب ذلك سعر صرف مرنا وحقيقيا، أي تحرير جديد لسعر الجنيه".
ويبلغ عدد المناطق الاستثمارية الموجودة في مصر نحو 18 منطقة، منها ثلاث مناطق تحت ولاية الهيئة العامة للاستثمار، وثماني مناطق تتبع ولاية القطاع الخاص وسبع مناطق تحت الإنشاء تتبع جهات حكومية.
وتعد هذه المناطق محددة المساحة والحدود لإقامة نشاط معين أو أكثر من الأنشطة الاستثمارية المتخصصة وغيرها من الأنشطة المكملة لها، ويقوم على تنميتها ووضع بنيتها الأساسية مطور لتلك المنطقة وهي جاهزة للاستثمار.
وتمتلك البلاد منطقتين اقتصاديتين ذواتيْ طابع خاص، هما المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومنطقة المثلث الذهبي الاقتصادية، وتربط العين السخنة مع ميناء العين السخنة وشرق بورسعيد مع ميناء شرق بورسعيد، القصير وسفاجا وقنا و"قفط".
وتراهن القاهرة كثيرا على هذه المناطق لجذب الاستثمارات الخليجية بشكل خاص، إذ يتضمن نظام المناطق الاقتصادية الخاصة حوافز وضمانات منها تعريفة موحدة للضرائب على الدخل الشخصي تقدر بنسبة 5 في المئة.
كما تتميز بإدارة جمركية متكاملة وإدارة ضريبية ووحدة لفض منازعات المستثمرين ومركز للتراخيص الخاصة بالمشاريع، بالإضافة إلى خدمات عامة للمستثمرين، كما تستفيد المشروعات المؤسسة داخل المناطق الاقتصادية بميزات ضريبية.
وتسعى القاهرة إلى تسريع برنامج الطروحات الحكومية والتخلي عما لحق به من بطء، باعتباره من أهم الملاذات لجذب الاستثمارات الخليجية، وهو مؤشر قوي على توجه مصر من حيث آفاق النمو على المدى الطويل والفرص الاستثمارية للأعمال.
ويلعب هذا البرنامج دورا حاسما في تحسين بيئة الأعمال بالبلاد، وحال تحقيقه سيتوالى تدفق الاستثمارات الخليجية، وربما الأوروبية، وكذلك المصرية.
ولذلك بدأت الحكومة في اتخاذ إجراءات حثيثة لتبسيط الإجراءات وإنهاء الروتين كي لا يضطر المستثمرون إلى إضاعة وقتهم وأموالهم وطاقتهم في الحصول على ما يريدون.
وأصبحت مصر مجبرة على تطوير بيئة الاقتصادية وتوفير سبل الراحة للمستثمرين، لأن المنافسة محتدمة في المنطقة العربية؛ حيث وسعت دول، مثل الإمارات والسعودية، خطواتها الجادة لجذب الاستثمارات المباشرة.
وأطلقت السعودية في أبريل الماضي 4 مناطق اقتصادية ذات أهمية إستراتيجية، في كل من الرياض وجازان ورأس الخير ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية شمال مدينة جدة مع توفير مزايا للمستثمرين، ما يفرض على مصر تقديم حوافز جديدة ومضاعفة تتعلق بتملك المشاريع والضرائب.
ويعد ذلك دافعا رئيسيا لإعلان رجل الأعمال المصري سميح ساويرس أن مجموعته أوراسكوم تتفاوض مع أطراف سعودية للاستثمار في القطاع السياحي بالبلد الخليجي.
وتشهد السياحة في أكبر اقتصاد عربي نقلة نوعية كبيرة، منها إنجاز الإجراءات والتصاريح الخاصة بسياحة اليخوت، التي زادت من تنافسية السوق السعودية.
ولعل أحدث الاستثمارات الخليجية في مصر استحواذ شركة الأصباغ الوطنية القابضة الإماراتية على أكثر من 80 في المئة من شركة البويات والصناعات الكيميائية باكين.
واستحوذت الشركة الإماراتية على أسهم باكين المدرجة في البورصة المصرية في صفقة بقيمة 770.5 مليون جنيه (26 مليون دولار) في عرض شراء إجباري انتهى مع إغلاق جلسة الثلاثاء الماضي.
وأكد عبدالمجيد حسن عضو جمعية مستثمري الإسكندرية لـ"العرب" أن مصر لا تزال مليئة بالفرص الاستثمارية، وسوف تظل ملاذا آمنا للشركات الخليجية.
وقال "توجد قطاعات واعدة للاستثمار في البلاد خاصة للمستثمرين العرب، مثل التعليم والرعاية الصحية والأغذية، وهو أمر واضح منذ تأسيس صندوق مصر السيادي".
وطالب حسن الحكومة باتخاذ حزمة من الإجراءات لتسهم في تسريع وتيرة تدفق الاستثمارات الخليجية، منها إنجاز منح التراخيص للمشاريع الجديدة، مثل المعمول به في منح الرخصة الذهبية للمشاريع الكبيرة.
كما يرى من الضروري تحرير أكبر للسوق لتوفير المنافسة العادلة مع الشركات الحكومية. وبرأيه هذا يتحقق مع تفعيل كبير لوثيقة سياسة ملكية الدولة.
وشرعت الحكومة في بيع أصول مملوكة للدولة لمستثمري القطاع الخاص قبل نهاية العام المالي الحالي، أي قبل شهر يونيو المقبل، لجمع نحو ملياري دولار من بيع الأصول قبل نهاية هذا الشهر.
ويتوافق ذلك مع هدف 2.5 مليار دولار تعهدت القاهرة بتحقيقه قبل يونيو 2023 في اتفاقها مع صندوق النقد الدولي.