كيف تصوّر المرأة الرجل في أدبها

الرجل والمرأة كلاهما يعاني من الصور النمطية.
الأحد 2023/06/11
الرجل والمرأة في إطار نمطي (لوحة للفنان صفوان دحول)

هل هناك صورة نمطية للرجل في روايات الكاتبات العربيات؟ وهل يمكن الإفلات من الصور النمطية للرجل في مجتمع شرقي؟ بإزاء هذا السؤال المزدوج لعله من الضروري أن أبدأ بتحديد مفهوم الصورة النمطية كما أراه: هي صورة جوهرها جملة من الصفات والخصائص النفسية، صنفها المجتمع وفق الجنس حتى صارت رديف الهوية الجندرية، لذا لا ضير عند الكثيرين من تلبسها بل لعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إنها شرط الوجود. لن نبحث في المسألة أكثر فنقف على سبب حاجة الرجل أو المرأة إلى مطابقة هذه الصورة وهو البحث عن الشعور بالانتماء إلى المجموعة ومن ورائه الأمان الاجتماعي وما جاوره من قيم.

لكل هذا لا يمكن الحديث عن صورة نمطية إلا في إطار الحديث عن منظومة فكرية تنشد إليها كل أشكال الحياة سواء كانت ممارسات أو خطابا، ولئن كانت الصور النمطية لصيقة بكل الثقافات فإنها تبدو أكثر رسوخا وديمومة في المجتمعات المغلقة التي تنظر بعين الريبة إلى التغيير ومنها المجتمعات العربية، ولعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا إن بعض التقديس قد ألصق بصورة الرجل النمطية (هنا يمكن أن نلخصها في الرجل الأقدر على الفهم صاحب السطوة الحقيق بالقيادة والنائب عن المرأة في الاختيارات وغيرها كثير يمكن أن يختزل في مفهوم القوة) حتى اعتبر المس منها تهديدا للهوية أو عبثا بها واختلالا لتوازن المجتمع. ومن ثم أصبح التفكير في هذه الصورة بحثا كان أو كتابة سردية شكلا من أشكال الصراع، وكلما زادت الدائرة ضيقا احتدت المواجهة مع من لا يستسلمون لهذا المنطق في التفكير.

الحقيقة أن المرأة العربية لم تكن، في أي مرحلة، بمنأى عن هذه الصورة النمطية، ذلك أنها جزء من هذه الثقافة المنتجة سواء في تنشئتها الأولى (تربى على ألفة هذه الصورة) أو لاحقا (تساهم في استمرارها بالتعايش معها وتنشئة أبنائها عليها وإن بشكل غير واع).

تواصل النمطية

◙ ليس منتهى وظيفة الأدب مجرّد التأثير في القارئ حتى يصبح ما يمكن أن نسميه "الصورة النمطية المشتهاة"

احتجت إلى الوقوف على كل هذه العتبات لأنها، حسب رأيي، ما يبرر حضور هذه الصورة النمطية في السرد النسائي العربي على اختلاف أجناسه، فالمسألة إذن ليست نقيصة ولا مزية بل هي وجه من وجوه مشاكلة الواقع، ولعل التسليم بهذا الأمر هو ما يخرج السرد من الأحكام المعيارية بتصنيف هذه المسألة في خانة الممجوج الخاوي أو السقوط في منطق الصراع “الغبي” الذي يكتفي بتصوير الرجل خصما أو وائد حياة دون البحث في أسباب استمرار هذه الصورة أو حتى تعديل زوايا النظر لننتج واقعا أفضل يتحرر فيه التفكير العربي من منطق النمط والإنسان من مقولات جندرية تكرس الهوة القائمة.

لا يقف الأمر، في تقديري، عند الرغبة في إثبات سمة الواقعية لأنه إن أصبح كذلك فقد السرد وهجه، وصارت عوالم الرواية نمطية هي الأخرى تكرر تيمة المرأة التي تخوض حربها ضد تسلط الرجل. إن الكتابة فعل واع مهمته الحفر في الواقع وأدواته ما تنتقيه المؤلفة من شخصيات ولغة وقضايا (حتى إن اكتفت الروائية بالإبداع ولم تتجاوزه إلى مشروع فكري كامل، مع ضرورة الإشارة إلى أن هذا الأمر لا يرتبط بالمرأة دون غيرها، بل هو حقيقة تتخطاها إلى الرجل المبدع أيضا) هي في نهاية الأمر خلاصة موقف من الواقع. هذا الموقف هو أيضا ما يبرر حضور صورة نمطية أخرى ضديدة الصورة “الحقيقية”، ونريد بها صورة الرجل العاشق الذي لا يتكلم إلا ليتغزل ولا يشعر بجسده إلا متى احترق بحضور من يحب ولا تزهر عوالمه إلا إذا التقى من تعشقه.

الطريف هو هذا التقابل الكلي بين الصورتين والمسافة الفاصلة بين ما تحلم به المرأة العربية وما تحياه. ولعلنا لا نخطئ إذا ما قلنا إن الصورة الثانية أكثر أثرا في نفوس القراء، ربما بحثا عن عوالم ممكنة تنتصر على الواقع وتقدم بدائلها في كون سردي متماسك يوازي المعيش. لكن هذا يدفعنا إلى طرح السؤال التالي: هل هذا هو منتهى وظيفة الأدب، أي مجرد التأثير في القارئ حتى يصبح ما يمكن أن نسميه “الصورة النمطية المشتهاة” وسيطا تسويقيا لا أكثر؟ ومن ورائه نطرح سؤالا آخر: ألا تخرج هذه الصورة مسألة التنميط من دلالتها السلبية إلى أخرى مرغوبة، ومن ثم يتحول جوهر الرفض من رفض مبدأ التنميط إلى رفض مضمون الصورة فقط؟

المسألة إذن ليست مجرد عالم سردي بل هي تصور للإنسان والوجود، وهو ما يدفعنا إلى استحضار نصوص ما بعد الثورة لما عاشته مجتمعاتنا من حرية تعبير وإعادة نظر في كثير من القضايا المصيرية. في قراءة عامة يمكن أن نقر بأن التيمات قد تغيرت نسبيا في محاولة من المؤلفات التونسيات خاصة مسايرة اللحظة التاريخية لكنها، هي الأخرى، لم تخل من هذا التنميط وإن تنوعت وجوهه (الثوري عاشق البلد والمرأة/المتطرف الذي يرى المرأة خللا أو كائنا أعرج، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن هذه الصورة قد حلت بيسر محل صورة الرجل المتسلط).

◙ مسألة صورة الرجل النمطية في الكتابة النسائية تطرح مسائل كثيرة منها ما يتصل أولا بالثقافة سجينة النمط
مسألة صورة الرجل النمطية في الكتابة النسائية تطرح مسائل كثيرة منها ما يتصل أولا بالثقافة سجينة النمط

في هذه النصوص، لم تعد المرأة تواجه تفاصيل حياتها الاجتماعية، بل صارت تخوض معركة البلد خوفا على ما حققته من مكاسب، وإيمانا بأن الثورة لن تكتمل إن لم تستعد المرأة مرتبة الإنسان الكاملة نصا قانونيا وممارسة معا. جوهر القضية إذن ثابت لثبات أصوله (استمرار النظرة إلى المرأة ورفض الرجل التغيير)، لكن ما يحسب لكتابات هذه المرحلة هو أن رفض هذا التنميط صار مباشرا وأكثر جرأة. خلاصة الأمر، حسب رأيي، هو أن تواتر هذه الصورة النمطية ليس إلا دليلا على أن الأزمة هي أزمة فكر وتوزيع أدوار مختل لاختلال النظرة إلى الرجل والمرأة (تعظيما أو تقزيما) وتغييب الإنسانية لتحل محلها معايير أخرى.

بالنسبة إلي أيضا لا يمكن أن أتحدث عن إفلاتي من الصورة النمطية، ولا أدعي في هذا الباب بطولة، أولا لسبب موضوعي هو أنني نشأت في مجتمع تهيمن عليه هذه الصورة وإن كانت معدلة في بيتنا إلى حد مقبول، وثانيا لسبب ذاتي هو أنني أرى الكتابة محاورة كلما كانت صادقة – لا أريد به الصدق الأخلاقي – نجحت في أن تكون أداة تغيير إذ لا حاجة حسب رأيي إلى الأدب ما لم يتحول إلى وسيط فهم، وهو ما يبرر تكراري لقانون يلزمني هو “أنني أكتب انتصارا للإنسان حيثما كان”.

ولأن الكتابة، عندي، مشروع فكري فقد تجاوزت السرد قصة ورواية إلى المسرح (إحدى مسرحياتي كان موضوعها سجن النساء) والبحوث الأكاديمية وغيرها من أنواع الكتابة وجميعها منصرفة إلى جوهر الوجود الإنساني. وانسجاما مع هذه القناعة لم يكن ممكنا أن أكتب دون تعرية “أصل” الفكرة أو السلوك أو الممارسة أو القضية، أي أن هذه الصورة النمطية ليست هدفا لذاتها، بل هي سبيل إلى الحفر في فكر مهيمن فشلنا في الخلاص منه أو مواجهة أصوله، فتحول تفكيكه إلى مغامرة ترتقي إلى مرتبة النضال أحيانا. والغريب هو أن كثيرا مما وقع في هذا البلد منذ عشر سنوات كشف حقيقة التفكير وأثبت لنا في كثير من المواقف والأحداث أن هذه الصورة النمطية أكثر رسوخا في الأذهان مما كنا نعتقد في تونس، وأن بيننا من يرون هذه الصورة أصلا وجبت إعادة فرضه.

◙ تواتر الصورة النمطية دليل على أن الأزمة هي أزمة فكر وتوزيع أدوار مختل لاختلال النظرة إلى الرجل والمرأة

الثابت إذن في كتاباتي هو أنني أتقصى مظاهر هذه الصورة لا ملامحها بل والمضمر أيضا كما هو الحال مثلا في بعض المفاهيم ومحمولها الأيديولوجي خاصة ما ارتبط بالقيم كقيمة “الصبر” التي تتضخم في الأذهان حتى تضحى شكلا من أشكال الذل في أحيان كثيرة، تلبس لبوسا إيجابيا لتوهم المرأة بأنها الفضلى وصاحبة المكارم و”بنت الأصل”. كل هذا جعلني أكتب مثلا مجموعة “للنساء وجع آخر”، وهي مجموعة قصصية حاولت من خلالها أن أكتب أوجاع النساء من زاوية أخرى (الكتابة/ الخيانة/ الأحلام الواهمة/ فقدان الابن/ خيبة الجسد/ المرأة البديل السياسي المرفوض…). لم يكن الأمر يسيرا في البداية لكن الفكرة ظلت تسكنني، بل إنني سألت نفسي إن لم يكن الدافع جندريا فأسقط في ما أعيبه على غيري، لكنني أثناء كتابتها وبعد نشرها وخلال أنشطة كثيرة ولقاءات متعددة، ازددت يقينا من أن صورتي الرجل والمرأة النمطيتين قد قتلتا معنويا نساء كثيرات وأنتجتا أرواحا مشوهة.

الحقيقة أنني أحاول أثناء الكتابة تفكيك طبيعة العالم الذي أود تصويره وذلك لوعيي بأن الإنسان ليس خلوا من متصورات موروثة منها يستمد كثيرا من وجوه حضوره ولا يعنيه إن تعارضت مع غيره أم لا. ولأنني بعض هذا العالم، لم أفلت من استحضار هذه الصورة ولم أفكر في الأمر، لكنني حرصت على الإفلات من “سذاجة” توظيفها. نحن نحتاج إلى التفكير في ما نحيا حين نكتب وحين نقرأ، تماما كما نحتاج إلى رؤية واضحة لما نريد أن تكون عليه عوالمنا. إن الأدب كما يشاكل الواقع عليه أيضا أن يحفر في ثنايا الفكر فيعري ما يرفض الناس الاعتراف به، وإن رأوه رأي العين، ثم متى ارتقى المبدع إلى مرتبة ما أسميه “الكاتب الرائي” صار لزاما عليه أن يستشرف، وإن كنت أعلم أن ثقافتنا العربية ما زالت لا تؤمن بهذا الدور لأسباب كثيرة ليس هذا موضع تفصيلها.

هل إن شخصية الرجل في أدب المرأة معبرة عن ذاتها حقا، أم أنها معبرة عن مواقف الكاتبات وتصوراتهن عن الرجل؟ بإزاء هذا السؤال لعل من المهم، بداية، أن أشير إلى أنه لا شيء يحدث في السرد مصادفة، فكله محكوم بزاوية نظر المؤلف، بدءا باختيار قضية دون أخرى وانتهاء إلى محمول اللغة الأيديولوجي سواء على لسان الراوي أو الشخصيات والرجل أحدها. هذه القصدية تجعل كل شخصية ناطقة بما يتمم مشروع الرواية أو القصة دون أن يقطع مع المتحقق في الواقع، ذلك أن للتخييل حدا يصح أن ننعته بالموضوعية هو ما يضمن “حسن التلقي”.

لم يكن الرجل في كتاباتي مقصودا لذاته بل كان كغيره من الشخصيات حمال أفكار ومعبرا عن جملة مواقف من الحياة والإنسان، لذلك كان من الطبيعي أو من شروط مقبولية الرواية أو القصة أن يعبر عن ذاته لكن بالشكل الذي يمكنني من إيصال موقفي. لا يزعجني أن أعترف بأنني أجعله صادقا مع حقيقته وأعري المهْمت فقط لتتبدى الأشياء كما هي، فلا أنخرط في تمجيده ولا تقبيحه.

◙ من باب العدالة السردية أن يجعل الكاتب الشخصية مرآة للإنسان يدرك من خلالها علة الخلل أو فضل السلوك الإيجابي
من باب العدالة السردية أن يجعل الكاتب الشخصية مرآة للإنسان يدرك من خلالها علة الخلل أو فضل السلوك الإيجابي

في نصوصي صور كثيرة للرجل، هي بين سارق الحق في الحياة ومن يعشق المرأة ومن يدمن حضور ابنته ومن يتوهم أنه سيد حياة زوجته وأنه الأذكى والأقدر على المخاتلة ليكتشف لاحقا أنه لم يكن إلا غبيا، وهذه الصورة الأخيرة هي التي بنيت عليها روايتي “أعداء الله.. نبوءة زمن مجنون”. رواية سردتها بلسان الرجل فكانت، بالنسبة إلي، تجربة مختلفة جدا خاصة أنني اخترت أن أنقل عوالم الشخصية حتى أدقها خصوصية دون أن يتجلى صوت المرأة المؤلفة.

وإذا ما استحضرت ما ذكرته في الإجابة السابقة وتحديدا عن موقفي من دور الكتابة ظهر سبب حرصي على أن يشبه الرجل نفسه في النص. إن استعمالي “المشرط” في المعيش اليومي ومحاولتي فهم الإنسان والعالم درباني كثيرا ومنحاني درجة قد تكون متقدمة في التفكيك وإعادة التشكيل معا.

الموقف إذن ليس موقفا من الرجل لأن المسألة حينها ستنحرف عن أهدافها الحقيقية ولن تكون للكتابة رهانات جادة وفاعلة، بل هو موقف من هذه العقلية التي تحرص على تكريس الصورة سواء كانت ذكورية أو أنثوية (وقد كتبت مرات عن المرأة التي تواجه المرأة تكريسا لسطوة الرجل، طبعا بمبررات قيمية كثيرة). وإن شئت قلت إنه لا موقف من الرجل بالمنطق الجندري بل موقفي من أصل القناعات الراسخة، لأنني مثلا قد أحاور رجلا يعلن وعيه بخلل الواقع لكن سلوكاته وخاصة ردود أفعاله الانفعالية تكشف موقفا ضديدا، وهو ما كتبت عنه أيضا في إحدى أقصوصاتي وإحدى رواياتي.

لا علاقه للأمر إذن بما أسميته سابقا “صراعا غبيا” لأنه صراع يستنزف كل الجهود بلا جدوى، هذا إن لم ينتج تطرفا في الموقف أشد بؤسا وعنفا. إذن من باب العدالة السردية التي أؤمن بها جدا أن أجعل الشخصية مرآة للإنسان، يدرك من خلالها علة الخلل أو فضل السلوك الإيجابي ومن ثم يمكنه أن يعيد ترتيب قناعاته أو مراجعتها. لا يعني هذا أنني وصية على أفكار الناس فلكل مرجعياته وتجاربه ولكننا نشترك في الحاجة إلى رأب صدع هذا العالم وإلى استعادة إنسانية الإنسان خاصة، وعلى المؤلف حامل المشروع أن يجد سبيلا إلى تحقيق هذا.

دور الأدب

إضافة إلى ما سبق، لي قناعة أخرى وهي أنني لا أكتب لزمني فقط، أنا أفكر في الحاضر وأحاول الوصول إلى علل استمراره، ومن ثم أضع المستقبل، ضمنيا، بين يدي القارئ حين يطرح مثل هذه الأسئلة: لم يحدث هذا؟ وكيف يمكن الخلاص؟ لي يقين ثابت أن الأدب سيكون شاهدا أو لنقل وثيقة “تؤرخ” ما نحياه وتبطل زيف ما قد يكتبه الآخرون عن زمننا، سيرجح الأدب الكفة ولن يكون مجرد عالم تخييلي ينتهي أمره بانتهاء القراءة.

◙ الكتابة فعل واع مهمته الحفر في الواقع وأدواته ما تنتقيه المؤلفة من شخصيات ولغة وقضايا (حتى إن اكتفت الروائية بالإبداع ولم تتجاوزه إلى مشروع فكري كامل

لقد صورت نصوصي الرجل في كل تجلياته تقريبا (الزوج/ الأب/ الشاعر/ الحبيب/ الصديق/ رب العمل/ الطبيب/ السياسي..) واستدعت من التاريخ من كان رمزا (جمال عبدالناصر/ صدام/ الفلسطينيون) فلم تنتصر لفئة دون أخرى ولا لمكان دون آخر ولا جعلتها جميعا مرمى هدف أعمل فيها لغتي لأشوهها أو أقتص منها. إن الكتابة ليست عملية انتقام لغوي أو تنفيس ذاتي. إنها وسيلة من وسائل كثيرة نحتاج إليها في كل الأزمنة لتقييم ما نحياه وتقويمه، لذلك، حسب رأيي، على فعل القراءة أن ينخرط في هذه المهمة حتى تتكامل الأدوار، وهو ما أحاول فعله حين أقرأ أو حين أنتقي عملا لكتابة مقال نقدي أو تقديم ورقة.

خلاصة الأمر إذن أنني أكتب الرجل تماما كما أكتب عنه حين تتحدث إحدى الشخصيات الأنثوية، لكن زاوية النظر منصرفة دائما إلى الإنسان وإلى ما يجب علي أن أقدمه لأنتصر له، ذلك أنني أعتبر منطق الصور النمطية في وجه من وجوهه تأبيدا لبعض أشكال الخلل في العلاقات وتوزيع الأدوار، رغم أن الناظر في مجتمعنا يقف على أن صورة الرجل المختزلة في السلطة ومزاياها ثابتة مقابل كسر صورة المرأة “ربة البيت” ومطالبتها بتحمل مسؤوليات شتى على أن يستمر التزامها بالانكسار والتبعية وغيرها من الصفات.

هذه المقابلة الغريبة تحتاج هي الأخرى إلى تحليل والثابت أنها ستنتهي إلى المنطق ذاته: للمجتمع صور نمطية يخلقها بما يوافق تراتب الحضور المهيمن ثم يؤبّدها متى يشاء ويخرقها متى يشاء أيضا ليصنع أخرى تناسبه، لكنه يحرص دائما على التأصيل في السلم القيمي أو حتى النص الديني، ولكليهما قوة حجاجية حسب رأي أصحابه، بل إنني قد لا أبالغ إذا ما قلت إن أهل الدعوة إلى إعادة قراءة هذه النصوص/السند (في ما يتعلق بهذا الموضوع) قد اتهموا بالعبث بالدين والهوية، ولنا في كثير مما حدث في تونس منذ 2011 خير دليل.

تطرح مسألة صورة الرجل النمطية في الكتابة النسائية مسائل كثيرة منها ما يتصل أولا بالثقافة سجينة النمط، وثانيا درجة وعي الكتابة النسائية وثالثا دور الأدب وتعبيره عن الإنسان، وجميعها تثبت حاجتنا إلى الكتابة وضرورة إدراك المؤلف طبيعة المرحلة التي يحياها ودرجة تأثيره، غير أن هذا لا يمكن أن يكتمل دون قارئ واع مؤمن بالفكرة وبإمكان عالم أفضل.

 

 

• ينشر بالاتفاق مع مجلة "الجديد" الثقافية اللندنية

9