كيف تسد الحكومة الكويتية عجز الموازنة دون تجدد الصدام مع البرلمان

مقترحات صندوق النقد لا تلقى قبولا في الكويت.
الاثنين 2023/06/26
معركة جديدة مع البرلمان، آخر ما يريده الشيخ أحمد النواف

الكويت – تواجه حكومة أحمد النواف الجديدة في الكويت وضعا ماليا يحصرها بين عجز متزايد في المالية العامة ورفض تبني التدابير التي يقترحها صندوق النقد الدولي لتوفير تمويلات اقتراض. ولا تزال كيفيّة إيجاد الحكومة مخرجا لهذا المأزق غير واضحة، لاسيما مع برلمان جديد لا تريد أن تخوض معه معارك مبكرة.

ويقول مراقبون إن عجزا ضخما يبلغ نحو 22 مليار دولار في الموازنة يتطلب اتخاذ إجراءات مؤلمة تتمثل في الامتثال لمطالب صندوق النقد، التي تركز في جانب منها على رفع الضرائب أو تسييل بعض الاستثمارات الخارجية، وهو ما يعتبر مؤشرا خطيرا بالنظر إلى أن هذه الاستثمارات غالبا ما يُنظر إليها على أنها غير قابلة للمساس بها لأنها تخص حقوق الأجيال المقبلة.

وتعاني الكويت من عجز مالي متراكم يزيد عن 150 مليار دولار، 130 مليار دولار منها تتعلق بالأعوام بين 2015 و2020. وكانت الحكومة قدرت العجز في يناير الماضي لموازنة 2023 – 2024 بـ6.8 مليار دينار، أي نحو 22 مليار دولار، مما شكل قفزة هائلة للعجز مقارنة مع تقديرات سابقة قالت إن العجز سوف يبلغ 124 مليون دينار فقط (نحو 400 مليون دولار).

السبب الرئيسي في زيادة المصروفات هو كلفة الرواتب والدعم التي تشكل نسبة 80 في المئة من الإنفاق

وأوضحت وزارة المالية في بيان أن مشروع الموازنة الجديدة التي تبدأ في أول أبريل، والذي تم رفعه إلى البرلمان، تضمن مصروفات متوقعة قدرها 26.3 مليار دينار، أي نحو 86 مليار دولار. وقالت الوزارة إن الإيرادات المتوقعة تبلغ 19.5 مليار دينار (نحو 64 مليار دولار).

والسبب الرئيسي في زيادة المصروفات هو كلفة الرواتب والدعم التي تشكل نسبة 80 في المئة من الإنفاق.

وتعتمد الكويت في 88 في المئة من إيرادات موازنتها على عائدات النفط؛ إذ تصدر نحو 2.6 مليون برميل يوميا، وتقوّم حسابيا على أساس سعر 70 دولارا للبرميل.

ويقول مراقبون إن حاجة الحكومة إلى برلمان “متعاون” تتعلق في جانب كبير منها بإيجاد سبيل متفق عليه، أو لا يؤدي إلى إثارة المزيد من المشكلات عندما يتم طرح الحلول المقترحة لمواجهة العجز وسبل سدّ الثغرات في الموازنة.

وأدت الاضطرابات الأخيرة التي عانتها الحكومة مع البرلمان إلى إرجاء طرح المسألة خشية ردود الأفعال الحادة المتوقعة، خاصة إذا تضمنت المعالجات مقترحات من قبيل رفع الضرائب أو حتى خفض الإنفاق الحكومي المخصص لمشاريع الإعمار التي طال انتظارها.

uu

وكان “مركز الشال” الكويتي المتخصص بالاستشارات الاقتصادية قد قدر في وقت سابق أن تسجل الموازنة العامة الكويتية للسنة المالية الحالية 2023 – 2024 عجزاً أقل قيمته 3.492 مليار دينار (11.372 مليار دولار)، إلا أن هذا التقدير المنخفض نفسه لا يخفف من حدة الضغوط المضافة إلى تراكمات العجز.

ويشكل الاقتراض من صندوق النقد الدولي أحد الخيارات المتاحة للكويت. إلا أن نتيجة المشاورات، بموجب “المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق”، التي أجرتها بعثة الصندوق في 6 يونيو الجاري لم تثمر اتفاقا مقبولا.

وتنص المادة الرابعة على إجراء مناقشات ثنائية مع البلدان الأعضاء تتم في العادة على أساس سنوي؛ حيث يقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارة إلى البلد العضو، وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة، وإجراء مناقشات مع المسؤولين الرسميين حول التطورات والسياسات الاقتصادية في البلد. وبعد العودة إلى مقر الصندوق يُعِد الخبراء تقريرا يشكل أساسا لمناقشات المجلس التنفيذي في هذا الخصوص.

88

في المئة من إيرادات موازنة الكويت تعتمد على عائدات النفط؛ إذ تصدر نحو 2.6 مليون برميل يوميا

وكانت الخلاصة التي قدمتها بعثة الصندوق قد ذكرت في مادتها الثامنة: “سوف يتعين ضبط أوضاع المالية العامة بشكل كبير من خلال إجراءات على جانبي الإيرادات غير النفطية والنفقات. ومن أجل تخفيض الإنفاق الجاري، سيكون من الضروري ترشيد فاتورة أجور القطاع العام، وكذلك إلغاء الدعم الكبير على الطاقة بالتدريج مع الاستعاضة عنه بدعم الدخل الموجه للأسر محدودة الدخل. وينبغي فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة لزيادة الإيرادات غير النفطية، وفرض ضرائب انتقائية على التبغ والمشروبات المُحلاة، على نحو ما اتُفِقَ عليه مع بلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى في 2015 – 2016. وإضافة إلى ذلك، ينبغي توسيع ضريبة دخل الشركات البالغة نسبتها 15 في المئة لتغطي الشركات المحلية، وهو ما سيجعل الكويت تفي بمتطلبات الاتفاقية بشأن الحد الأدنى العالمي لضريبة الشركات متعددة الجنسيات التي تقودها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي”.

وأعرب مسؤولون حكوميون ومستشارون اقتصاديون كويتيون عن رفضهم لهذه الوصفة، معتبرين أنها سـ”تثقل كاهل المواطن، وهي غير مرغوبة في البرلمان، ولا يمكن للحكومة تطبيقها دون تشريع”.

ويقول مراقبون إن الحصول على تشريع يجيز رفع معدلات الضرائب أمر عسير، إن لم يكن مستحيلا، مع البرلمان الجديد. ويمكن أن يؤدي طرح الفكرة إلى إنهاء شهر العسل بين الحكومة والبرلمان بشكل أسرع مما هو متوقع.

وبين العجز الضخم في الموازنة العامة والحاجة إلى المزيد من الاستثمارات لإنجاز العديد من المشاريع المعطلة يضغط فكا الرحى على حكومة الشيخ أحمد النواف الرابعة كي تقدم خيارات لتوفير المال المطلوب لا تؤدي إلى تجديد مسلسل النزاعات مع البرلمان.

1