كيف تخفف القاهرة أعباء غلاء السلع عن كاهل المواطنين؟

الرئيس السيسي يوضح دور الدولة في مواجهة الأزمات بدلا من الحكومة.
الخميس 2022/12/08
الاستسلام للأمر الواقع

اتخذت مصر برامج دعم عديدة للمواطنين في الأعوام الأخيرة، لكن لم يتم إبرازها بصورة كافية توضح جهودها في مساعدة الأفراد ودفع النمو بشكل جيد، وتولدت انطباعات سلبية بأن الحكومة لم تقم بواجباتها كما يجب لتخفيف المعاناة عن شريحة واسعة من الناس.

القاهرة - اعتاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مصارحة الشعب في أحاديثه خلال المؤتمرات التي يعقدها على هامش افتتاح بعض المشاريع القومية من دون غيره من كبار المسؤولين عبر توضيح الإجراءات الاقتصادية القاسية.

ولا يكتفي بذلك، بل يعمل على إبراز الدور الذي تقوم به الدولة لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، ما يعد عجزا حكوميا واضحا لكشف طبيعة الدور المهم الذي تقوم به أجهزة الدولة في دعم الاقتصاد.

وعلّق السيسي على شكاوى مواطنين من غلاء الأسعار بأن الدولة حرصت على عدم زيادتها رغم زيادة أسعار القمح والذرة عالميا بحوالي 70 في المئة.

ياسر عمارة: تعميم موازنة البرامج والأداء بالوزارات يكشف دعم السلطات
ياسر عمارة: تعميم موازنة البرامج والأداء بالوزارات يكشف دعم السلطات

وظهرت الحكومة كأنها لم تقدم شيئا ملموسا للمواطنين، مع أن هناك جهودا بذلت الفترة الماضية جنبت البلاد الدخول في المزيد من الأزمات الاقتصادية.

ولكن عدم وضوح الموقف بسبب إخفاق المسؤولين ووسائل الإعلام وشح المعلومات أفرز صورة سلبية عن دور الحكومة، ما اضطر رئيس الدولة إلى الحديث بنفسه لوضع النقاط أعلى وأسفل الحروف في كل مرة تتصاعد فيها حدة الأزمة.

وربما يكون هذا أحد عيوب الحكومة التي تعتمد على المركزية الشديدة، حيث تغيب دائما عن نقل الموقف العام للشعب بالأرقام، وتهتم بنفي الشائعات ولا تعبأ كثيرا بتقديم المعلومات، ويتولى في أحيان كثيرة الرئيس هذا الدور.

وقال السيسي أثناء افتتاح محور التعمير الجديد بمدينة الإسكندرية الساحلية الاثنين الماضي إن “الكميات المستوردة من القمح والذرة ضخمة جدا، وزادت بنسبة 70 في المئة، ورغم ذلك لم تزد الأسعار، ولم تنعكس على المصريين”.

وتدعم القاهرة القمح بنحو 36 مليار جنيه (1.5 مليار دولار)، كما تستورد نحو 90 في المئة من احتياجاتها للذرة أي 1.7 مليار دولار سنويا.

وكشفت تصريحات السيسي دور الدولة في دعم الاقتصاد وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية في فترة الأزمات التي لم تنجح الوزارات في إظهارها.

خالد الشافعي: الارتفاع الكبير في الأسعار يقوض برامج الحماية الاجتماعية
خالد الشافعي: الارتفاع الكبير في الأسعار يقوض برامج الحماية الاجتماعية

ولم تقم أغلب الوزارات بإصدار بيانات لإيضاح دور الدولة في الاقتصاد، ويتحقق ذلك أثناء المؤتمرات التي يعقدها السيسي على هامش بعض المشاريع التي يفتتحها، ويطلب أحيانا من المسؤولين القيام بذلك.

وذكر رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي أن الدولة تتحمل عن المواطنين 1.7 مليار دولار تمثل تكلفة عدم زيادة أسعار الكهرباء وفروق سعر الدولار.

وعندما وضعت الحكومة خطة إعادة هيكلة الكهرباء كان متوسط سعر الدولار نحو 16 جنيها، والآن أصبح ضعف هذا الرقم تقريبا، واتخذت الدولة قرارا بعدم زيادة الأسعار لمدة عام نتيجة الأوضاع العامة التي أدت إلى معاناة المواطنين.

وقال الخبير الاقتصادي ياسر عمارة لـ”العرب” إن “دور الدولة يجب أن يستمر سواء في الأزمات أو الرخاء، بدعم الأفراد أو الرقابة أو التنظيم، وذلك مثل التدخلات التي تم القيام بها خلال الوباء”.

ويتحدد دور الدولة في معظم البلدان النامية في تخفيف الأعباء عن المواطنين وتفعيل برامج الحماية عبر التنسيق مع المؤسسات الدولية خاصة في أوقات برامج الإصلاح.

وأوضح عمارة أنه مع انتقال مقرات الحكومة والجهات التابعة لها إلى العاصمة الإدارية سيتم تعميم التعامل مع الوزارات على أساس المحاسبة وفق مراكز التكلفة أو ما يعرف باسم “موازنة البرامج والأداء”.

وأشار إلى أن هذا من شأنه تحديد مساهمة الدولة في الناتج القومي الإجمالي بصورة واضحة، بحيث تُعلن كل وزارة عن مصروفاتها ومدى الدعم الذي تقدمه وخلاف ذلك.

مصطفى مدبولي: الدولة تتحمل عن المواطنين 1.7 مليار دولار تمثل تكلفة عدم زيادة أسعار الكهرباء وفروق سعر الدولار
مصطفى مدبولي: الدولة تتحمل عن المواطنين 1.7 مليار دولار تمثل تكلفة عدم زيادة أسعار الكهرباء وفروق سعر الدولار

واتخذت وزارة البترول آلية التسعير التلقائي لمراجعة أسعار الوقود كل ثلاثة أشهر، ووفقا للأسعار العالمية التي تحوم في نطاق 80 و90 دولارا، ومع تطورات سعر الصرف كان من المفترض زيادتها في حدود 10 في المئة، لكن أرجأت الدولة ذلك.

وأعلنت الوزارة أنه لم تتم زيادة الأسعار مراعاة للبعد الاجتماعي في هذه المرحلة وتم تثبيت السعر، ما يكلف الدولة دعما إضافيا لتلك المنتجات.

ويمكن للدولة السيطرة على السلع، لكن لا يمكنها التحكم بشكل كامل في القطاع الخاص نتيجة ارتفاع التكاليف، فقد تحملت فرق أسعار الزيوت عن طريق بطاقة التموين عند اندلاع الأزمة الأوكرانية.

وفي سبيل تخفيف الأعباء على الناس جراء قرارات الإصلاح الاقتصادي التي أدت إلى ارتفاع سعر الدولار قامت السلطات برفع الحد الأدنى للأجور وإقرار علاوة استثنائية.

كما فعلت مشروع القانون الخاص برفع حد الإعفاء الضريبي من 980 إلى 1224 دولارا، علاوة على الاستمرار في دعم الأسر المستهدفة من بطاقات التموين وعدم زيادة الرسوم على المواطنين.

وقامت بزيادة الدعم النقدي في عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة لدعم الأسر الأكثر فقرا من 4.1 مليون إلى 5 ملايين أسرة، فضلا عن إجراءات ترشيد الإنفاق، وضخ مجموعة كبيرة من السلع في الأسواق بأسعار مخفضة.

وحدد مجلس الوزراء في سبتمبر الماضي سعر بيع الغاز لمصانع الأسمنت عند 12 دولارا لمليون وحدة حرارية بريطانية بدلا من 5.75 دولار.

في المقابل، حدد سعر البيع لباقي قطاعات صناعة البتروكيمياويات عند 5.75 دولار، كما حدد السعر لأفران الطوب بواقع 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.

ويؤكد ذلك زيادة التكاليف على القطاع الخاص، ما يدفع الحكومة إلى عدم إلزامه بزيادة الأجور، خوفا من إغلاق الأنشطة وتسريح العمالة.

وأكد المجلس عدم سريان التحريك الجديد على المستهلكين الذين يتم التعامل معهم وفقا لمعادلات سعرية مدرجة في توريد الغاز الطبيعي المبرمة معهم.

كما أن سعر بيع الغاز المورد لصناعة البتروكيمياويات لإنتاج خليط الإيثان والبروبان يحدد وفقا لمعادلة سعرية تحافظ تلك المعادلة على ألا يقل الحد الأدنى لسعر البيع عن 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية.

وتوجه الدولة نحو 60 في المئة من إجمالي إنتاجها للغاز إلى محطات الكهرباء، لذلك طالب المجلس بترشيد الكميات ليمنح فرصة لتصدير جزء أكبر من الثروة الطبيعية.

وقبل عام تقريبا حركت الحكومة أسعار الغاز لمصانع الحديد والصلب والأسمنت والبتروكيمياويات والأسمدة بواقع 1.25 دولار ليصبح 5.75 دولار للمليون وحدة حرارية، ورفعته بنسبة 0.25 دولار للصناعات الأخرى ليصبح 4.75 دولار بداية من أكتوبر 2021.

السيسي علّق على شكاوى مواطنين من غلاء الأسعار بأن الدولة حرصت على عدم زيادتها رغم زيادة أسعار القمح والذرة عالميا بحوالي 70 في المئة

وسجل متوسط إنتاج مصر من الغاز نحو 6.7 مليار قدم مكعب يوميا، ومتوسط الاستهلاك المحلي 6.1 مليار قدم مكعب في العام المالي 2021 /2022، وفقا لبيانات وزارة البترول.

وكان لزاما على الحكومة العمل لتحقيق فائض إضافي لا يقل عن 15 في المئة من حجم الغاز الذي يضخ لمحطات الكهرباء على مدار العام، بحيث تستطيع زيادة حجم الصادرات.

ولا تزال أسعار الكهرباء مدعمة حتى انتهاء خطة إعادة هيكلة بحلول عام 2025، بحسب تصريحات وزير الكهرباء محمد شاكر، والذي أوضح أن الوقود الذي يجري توريده لمحطات إنتاج الكهرباء مدعوم.

ويقدر حجم الدعم للكهرباء خلال الأعوام الخمسة المقبلة بنحو 76 مليار جنيه (3 مليارات دولار)، فيما أكدت الحكومة أنها ستواصل دعم محدودي الدخل بعد عام 2025.

وسيتم ذلك عندما يصل قطاع الكهرباء إلى التكلفة الحقيقية عبر دعم تبادلي من المستهلكين كثيفي الاستهلاك لمحدودي الدخل والمواطنين الأكثر احتياجا.

وكان الإلغاء التدريجي لدعم الطاقة ضمن خطط الحكومة لسنوات، حيث رفعت أسعار الكهرباء لأول مرة عام 2014، كما أعلنت بعدها بعامين عزمها إجراء المزيد من الخفض لدعم الكهرباء ضمن برنامج صندوق النقد الدولي الذي استمر لثلاثة أعوام بقيمة 12 مليار دولار.

وخططت الحكومة في الأصل لإلغاء الدعم بالكامل بحلول يوليو الماضي، لكنها قررت عام 2020 تأجيل الموعد إلى يوليو 2025.

وجاء التأخير في الوقت الذي تتطلع فيه السلطات إلى منح الشركات المملوكة للدولة المزيد من الوقت للتكيف كجزء من الفصل المزمع للشركة المصرية لنقل الكهرباء من الشركة القابضة لكهرباء مصر.

وارتفعت الأسعار بنسبة تصل إلى 26 في المئة في يوليو الماضي، وبنسبة 16 و30 في المئة في 2020 وبمتوسط 15 في المئة خلال 2019.

يمكن للدولة السيطرة على السلع، لكن لا يمكنها التحكم بشكل كامل في القطاع الخاص نتيجة ارتفاع التكاليف

وأكد مدير مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية بمصر خالد الشافعي أن القاهرة اتخذت إجراءات ضمن برامج الحماية الاجتماعية، إلا أن الارتفاع في أسعار السلع نتيجة زيادة التكاليف على الشركات كان سببا في عدم شعور المواطنين بذلك.

ووفق بيانات البنك المركزي بلغ معدل التضخم الأساسي نحو 18.75 في المئة على أساس سنوي في نوفمبر الماضي من 16.2 في المئة في أكتوبر، وهو أعلى مستوى منذ ديسمبر 2017.

وأوضح المركزي أن الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين سجل معدلا شهريا بلغ 3 في المئة خلال أكتوبر الماضي، مقابل معدل شهري 2.1 في المئة بشهر أكتوبر 2021، ومعدل شهري 1.6 في المئة خلال سبتمبر 2022.

وقال الشافعي لـ”العرب” إن “زيادة الأسعار ناشئة عن ارتفاع سعر الخامات عالميا، والهبوط الكبير للجنيه مقابل سعر الدولار الذي بات شحيحا في الأسواق”.

ورغم وجود مراكز إعلام ومتحدث في كل وزارة، إلا أنه لا يتم تقديم المعلومات اللازمة والدور التوعوي الذي المنوط بالسلطات وإظهار دور الدولة في دعم المواطنين، لأنها تحتاج إلى من يحركها.

ولذلك يجب إسناد هذا الدور إلى مجلس الوزراء عبر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع له، والذي يركز حاليا على نفي الشائعات بدلا من تقديم المعلومات الوافية.

غراف

 

10