كيف اقتنع الأجانب بالاستثمار في ثاني طروحات أرامكو؟

جولة الناصر الترويجية في لندن ونيويورك بشأن آفاق الشركة ساهمت في بيع نصف الصفقة للغربيين.
الأربعاء 2024/06/12
الأرباح مغرية مثلها مثل التمويلات

اعتبر محللون أن الجولة الترويجية لرئيس أرامكو بشأن ثاني طروحات الشركة في أبرز مركزين ماليين في الغرب ساعدت بشكل كبير في بث تطمينات للمستثمرين بآفاق استراتيجيتها وأرباحها، ما جعل أكثر من نصف الصفقة تذهب إلى المستثمرين الأجانب وعزز الثقة في خطط التنويع التي تنفذها السعودية.

الرياض - خالف رئيس مجلس إدارة أرامكو أمين الناصر توجيهات مستشاريه المصرفيين بالتوجه مباشرة إلى نيويورك لحضور جولة ترويجية حيث كانت أسهم شركة النفط الحكومية العملاقة معروضة للبيع، وبدلا من ذلك استقل طائرة إلى لندن أولا.

ولم يرغب الرئيس التنفيذي ذو الكلام الهادئ، في ترك أي جهد دون أن يقوم به لحشد الدعم للطرح الثاني الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات وتجنب الاستجابة الفاترة من الأموال الأجنبية التي حصلت عليها الشركة لإدراجها لأول مرة أواخر 2019. وقال مصدر مالي لرويترز، لم تكشف الوكالة عن هويته، إن "الناصر قال إنه لا يريد سياسة فرق تسد، بل يريد الاتحاد والغزو".

وهبط رئيس جوهرة التاج السعودي في لندن صباح الثلاثاء من الأسبوع الماضي للقاء المستثمرين، ثم سافر إلى نيويورك ذلك المساء للقاء مديري الأموال هناك الأربعاء، حيث ظهر في المركزين الماليين في ما يزيد قليلا عن يوم واحد.

وقال المصدر "لقد أراد التأكد من أن المستثمرين سمعوا من أعلى مستويات الشركة إلى جانب أعضاء الجناح 'سي' الآخرين، وبالتحديد المدير المالي في لندن والرئيس التنفيذي للإستراتيجية في نيويورك".

وعلى الرغم من مراجعة المواد لأسابيع قبل العرض الترويجي، أمضى الناصر أربع ساعات أخرى في مراجعتها خلال رحلته، التي استغرقت ست ساعات إلى العاصمة البريطانية. وقال المصدر "لقد كان إستراتيجيا ولكن كان بإمكانه أيضا الدخول في التفاصيل".

وتسعى السعودية لجذب الاستثمار الدولي لضخ عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع لتنويع مواردها بعيدا عن الاعتماد على النفط. ومع ذلك، فقد تخلفت التدفقات الأجنبية بشكل متكرر عن الأهداف.

إلين والد: الرغبة في الشراء مدفوعة بكيفية صرف أرباح الشركة
إلين والد: الرغبة في الشراء مدفوعة بكيفية صرف أرباح الشركة

وتمول رؤية 2030، خطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتنفيذ مشاريع متنوعة من السيارات الكهربائية إلى المدن المستقبلية في الصحراء، وذلك بشكل أساسي عبر صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة).

وابتعد المستثمرون الأجانب إلى حد كبير عن الطرح العام الأولي السابق، مشيرين إلى المخاوف المستمرة بشأن المخاطر المتعلقة بالحوكمة والبيئة والجغرافيا السياسية الإقليمية.

وتحول الاكتتاب حينها إلى الوجهة الإقليمية بشكل أساسي بعد أن رفض معظم المستثمرين الدوليين رفع السعر المستهدف في الأساس من 1.6 تريليون دولار إلى 1.71 تريليون دولار لقيمة الشركة.

وروج المسؤولون في أرامكو لذلك الطرح انطلاقا من العاصمة الإماراتية أبوظبي. وقد أكد المستثمرون ورجال الأعمال الذين حضروا اللقاءات أنهم كانوا إيجابيين ومتفائلين بشأن آفاق الشركة والاستثمار في أسهمها.

ولكن هذه المرة، كانت لديهم أسئلة حول إستراتيجية أرامكو للغاز والهيدروجين والطاقة المتجددة، وكان الناصر هناك للدردشة. ويبدو أن إستراتيجيته كانت ناجحة، فقد تم تخصيص أكثر من نصف الصفقة البالغة 11.2 مليار دولار للمستثمرين الأجانب.

ولم تتضح على الفور هوية المشترين وعددهم من خارج المنطقة، ولكن مصدرا مطلعا أكد لرويترز أن أكثر من 100 مستثمر جديد، بما في ذلك من الولايات المتحدة وبريطانيا وهونغ كونغ واليابان، اشتروا في أرامكو.

وذكرت أرامكو الأحد الماضي، أن مستثمرين من الخارج استحوذوا على غالبية الأسهم. وكانت الشركة المملوكة بمعظمها للدولة قد أعلنت أواخر مايو الماضي طرح 1.545 مليار سهم، أي حصة تبلغ 0.64 في المئة من أسهمها المتاحة للبيع في بورصة "تداول".

وأفادت مصادر مطلعة على الملف لوكالة فرانس برس عقب الطرح الثاني بأن حوالي 58 في المئة من هذه الأسهم خصصت لأجانب، بزيادة عن نسبة 23 في المئة، التي اعتمدت في الطرح العام الأولي الذي كان الأكبر في التاريخ.

وأشارت هذه المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها، إلى أن نحو 70 في المئة من طلبات الاكتتاب من خارج السوق المحلية كانت من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بينما تنوعت الأخرى بين اليابان وهونغ كونغ وأستراليا.

◙ 11.2 مليار دولار قيمة طرح 0.64 في المئة من أسهم الشركة البالغ قيمتها 1.76 تريليون دولار

وأنهت الشركة تداولات الخميس الماضي، عند سعر 28.3 ريالا (7.54 دولار) للسهم الواحد، ما يجعل قيمتها عند نحو 1.83 تريليون دولار. وبموجب سعر السهم المحدد الجمعة، تناهز قيمة أرامكو 1.76 تريليون دولار.

ويقول محللون إنه بينما ساعدت زيارات الناصر في استقطاب المستثمرين الأجانب، فقد ساعدت سياسة توزيع الأرباح السخية للشركة أيضا في إقناعهم. ومن المتوقع أن توزع أرامكو حوالي 124.3 مليار دولار هذا العام، بعد توزيعات أرباح بقيمة 97.8 مليار دولار في عام 2023. ومع ذلك، سيظل الجزء الأكبر من ذلك يذهب إلى خزائن الدولة، حيث تمتلك الحكومة بشكل مباشر وغير مباشر أكثر من 98 في المئة من شركة النفط العملاقة.

وقالت إلين والد من مركز المجلس الأطلسي للأبحاث ومؤلفة كتاب عن تاريخ أرامكو، إنه “ليس مستغربا أن يرغب المتداولون المؤهلون في شراء الأسهم، خصوصا بعد رؤية كيفية صرف توزيعات الأرباح بغض النظر عن حجم الايرادات التي حققتها الشركة".

وعززت أرامكو، توزيعات الأرباح، حيث قدمت توزيعات جديدة مرتبطة بالأداء العام الماضي لإغراء المستثمرين حتى مع انخفاض الإنتاج الذي أثر على الأرباح. وقال المصدر المالي لرويترز "واصلت أرامكو دفع توزيعات الأرباح حتى أثناء أزمة كوفيد على سبيل المثال". وأضاف "من الصعب المقاومة".

وحققت أرامكو أرباحا قياسية في عام 2022 بعدما أدى اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل قياسي، ما سمح للسعودية بتسجيل أول فائض في موازنتها منذ عقد تقريبا.

لكن أرباح درة تاج الاقتصاد السعوديّ انخفضت بمقدار الربع خلال العام الماضي بسبب انخفاض أسعار النفط إلى أقل من مئة دولار للبرميل الواحد. وتعد السعودية أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، وهي تنتج حاليا نحو 75 في المئة من طاقتها القصوى في سياق سياسة الخفض الطوعي التي يتبعها تحالف أوبك+.

وقبل الإعلان عن الطرح الجديد، كانت الحكومة تمتلك 82.12 في المئة من أسهم أرامكو. وباتت النسبة الآن نحو 81.5 في المئة بعد الطرح الثاني. ويسيطر صندوق الثروة، والشركات التابعة له على حصة تقدر بنحو 16 في المئة من الشركة.

11