كوفيد الرعب والانقسام والتغيرات الكاسحة

لندن – بينما لم تسجل إسرائيل أي وفيات يومية بسبب كوفيد – 19 للمرة الأولى منذ عشرة أشهر الأسبوع الماضي، أفاد حفارو قبور في غزة المجاورة بزيادة أعباء العمل وأكدت المستشفيات أنها على وشك الانهيار.
وتبرز ديناميكية مماثلة على نطاق أوسع وبشكل كارثي في جميع أنحاء العالم اليوم. ففي الولايات المتحدة وبريطانيا، وفي معظم أنحاء أوروبا، جلبت اللقاحات أملا حقيقيا في عودة الحياة إلى طبيعتها. أما في الهند فقد اشتعلت عمليات حرق الجثث الجماعية، حيث تجاوز عدد الموتى الفعلي الأرقام الرسمية بكثير.
أصبح صيف 2021 واضحا الآن، فهو سيكون ضمن الجائحة وليس بعدها. ولن يشكل الوباء معالم ما تبقى من عام 2021 فحسب، بل ربما وما بعده. ومع ذلك، يتقدم العالم في الوقت نفسه، وتتشكل ديناميكيات ما بعد الوباء للجغرافيا السياسية والاقتصاد والمجتمع العالمية بالفعل.
بدأ الأفراد والمؤسسات والدول في فهم معنى ذلك للتو، وتتراوح تأثيرات كوفيد – 19 ما بين تراجع العقارات في مانهاتن إلى انهيار السفر في جميع أنحاء العالم، وصولا إلى الدول التي ترى في تصنيع اللقاحات سباقا للتسلح العالمي الجديد.
يسرّع الوباء التحولات التي كانت تحدث بالفعل ويخفيها أحيانا. وهي تشمل الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب أكثر، حيث يجب على الولايات المتحدة أن تتعامل مع الصين الأقوى، وروسيا التي تنظر إلى العالم من خلال منظور المواجهة، بالإضافة إلى قوى متعددة متوسطة الحجم تفرض طريقتها الخاصة.
إنه عالم أكثر انقساما ولكنه لا مبال أيضا. لقد سلط الوباء الضوء على الفجوات الوحشية في الثروة العالمية والمحلية، وأدى إلى تفاقمها في كثير من الأحيان.
المشاكل والظلم
ربما تبدو الأوضاع أصعب بسبب حجم هذه المشاكل والظلم الهائل. حتى في الصحافة الهندية، فإن التغطية التفصيلية الحقيقية لما يجري حاليا (ناهيك عن الأسباب) محدودة جدا.
في كل بلد تقريبا، تظهر المشاركة السياسية التقليدية في حالة سقوط حر، وأكثرها حيوية هم أولئك الذين ينخرطون في أقصى الحدود. تجذب حركات حياة السود مهمة وتغير المناخ والاحتجاجات ضد الإغلاق الانتباه، لكنها تخلق بيئة تغرق العديد من القضايا الأخرى.
غالبا ما تبدو القضايا الكبيرة للكثيرين بعيدة جدا ومستقطبة. وفي كثير من البلدان المتقدمة وأجزاء من العالم النامي، دفعت عمليات الإغلاق عائلات من الطبقة المتوسطة إلى التحول نحو العمل من المنزل والاستمرار في سداد قروض الرهن العقاري، بينما فقد المهاجرون والشباب الفرص ولم يعد أمامهم سوى خدمات التوصيل.
ويعاني المسعفون الذين يتعاملون مع الطفرات الوبائية، وأولئك الذين يقدمون التكنولوجيا الحيوية، واللوجستيات والخدمات، من تداعيات أكبر أزمة تهز العالم فضلا عن صدمة الوباء نفسه.
لقد شهد الوباء تطورا إيجابيا في كثير من الأحيان عندما اختار الكثيرون التركيز على أنفسهم وعلى أولئك الأقرب إليهم. ولكن، قد تكون لذلك تكاليف أيضا.
وعلى الرغم من كل تحديات الوباء، فإنه قد يعزز موقف من هم في السلطة، ويبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد فوزها في الانتخابات، أصبحت الآن على وشك أن تكون قوة تحويلية أكبر بكثير مما توقعه العديد من مؤيديها، حتى في الوقت الذي تتمزق فيه بين أهداف متعددة من العدالة الاجتماعية إلى الصين وتغير المناخ.
ترسيخ القوة

في روسيا والصين ودول استبدادية أخرى، من الواضح أن القوى العظمى تعتقد بالفعل أن عصرًا جديدا من الاستبداد قد بدأ. كان الإيغور في الصين والمعارضة الروسية والناشطون المؤيدون للديمقراطية في هونغ كونغ ضحايا للحملات القمعية التي طغى عليها تفشي المرض.
ولم تختف مخاطر الصدمات على غرار صدمات سنة 2016 مثل صعود ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. واليوم قد يتكرر الأمر نفسه، فليس من المستبعد أن تشهد الانتخابات الرئاسية في فرنسا العام المقبل خسارة إيمانويل ماكرون أمام اليمين المتطرف، بينما وقّع 20 جنرالا فرنسيا سابقا في خطوة غير مسبوقة منذ سبعينات القرن الماضي رسالة تدعو إلى الانقلاب إذا فشل ماكرون في التصدي لـ”جحافل الإسلاميين من الضواحي”. ومن المحتمل أن تحدث ثورة فرنسية جديدة عند محاولة إدارة المخاطر.
وإذا اعتمدنا التاريخ دليلا، فهناك على الأقل احتمال أن يجلب عالم ما بعد الوباء فرصا أكبر وتنقلا وتغييرا إيجابيا على الرغم من أن كوفيد – 19 حصد أرواحا أقل بكثير من الطاعون الأسود، وقد تكون الديناميكيات مختلفة أيضا.
وفي أسوأ الأحوال، قد يتضاءل تأثير الوباء على البطالة خلال العقد القادم بسبب تأثيرات الأتمتة والذكاء الاصطناعي وثورة أوسع في التكنولوجيا. وهذا ما يعزز نفوذ عدد صغير من شركات التكنولوجيا بالفعل بدءا من إدارة المعلومات المضللة عبر الإنترنت إلى مصير استكشاف الفضاء وتجار التجزئة الصغار. قد يكون عالم ما بعد الجائحة أبعد عما نريد له أن يكون ولكنه يتشكّل الآن.