كوريا الشمالية: الرئيس الأميركي يتسول حربا خلال جولته الآسيوية

وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى هانوي السبت في وقت انتقدت كوريا الشمالية جولته الآسيوية التي اعتبرت أنها تهدف إلى “تأجيج الحرب” مشيرة إلى أنها ستسرع تحركها من أجل استكمال الردع النووي بعد نجاح تجربتها النووية السادسة، ضاربة بعرض الحائط التحذيرات الدولية والعقوبات الأممية.
الأحد 2017/11/12
عناق مستحيل

هانوي - حذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قادة العالم المجتمعين في مدينة دانانغ المنتجعية في فيتنام من أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ “لا يمكن أن تحتجز رهينة لتخيلات منحرفة يمتلكها دكتاتور” في إشارة إلى زعيم نظام كوريا الشمالية كيم جونغ-أون.

وردت بيونغ يانغ على تحذير الرئيس الأميركي باتهام ترامب بالسعي إلى الحرب. وجاء في أول تعليق لمسؤول كوري شمالي على جولة ترامب الآسيوية أن هذه الجولة تهدف إلى “تأجيج الحرب لافتعال مواجهة من أجل تخليص جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية من قدرة الردع النووي الدفاعي”.

رحلة للأعمال التجارية

ردّت كوريا الشمالية السبت في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية عن متحدث باسم وزارة الخارجية بأن تحذيرات ترامب “لا تخيفنا أبدا ولا توقف تقدّمنا”. وأشار البيان إلى أن التهديدات “تدفعنا إلى تسريع الجهود لتحقيق القضية العظمى المتمثلة باستكمال قوة الدولة النووية”، معتبرا أن جولة ترامب في المنطقة هي عبارة عن “رحلة للأعمال التجارية”.

وصعّدت كوريا الشمالية من حدة تصريحاتها واصفة الرئيس الأميركي بـ“المتسول” للحروب و“المدمّر” للسلام، حيث جاء في بيان وزارة الخارجية أنه “مدمر” للسلام وأنه يتوسل حربا في شبه الجزيرة الكورية. وقال متحدث باسم الوزارة “كشف ترامب بوضوح خلال زيارته عن حقيقته كمدمر للسلام والاستقرار العالمي وتوسل حربا نووية في شبه الجزيرة الكورية”.

وقالت كوريا الشمالية إن إعادة رسم العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ في قلب رسالة ترامب إلى المنطقة بهدف تحقيق شعاره “أميركا أولا”.

وسبق وأن اتهم ترامب المنطقة باستغلال سخاء الولايات المتحدة في اتفاقات تجارية مبنية على قواعد معينة في حين تعيد دولها تنظيم اقتصاداتها عبر إعانات “غير عادلة” وأسواق محمية.

بالتزامن مع جولة ترامب، وفي رسالة أميركية وإقليمية واضحة لكوريا الشمالية، انضمت سفن حربية كورية جنوبية إلى ثلاث حاملات طائرات أميركية في مناورات ضخمة وعرض للقوة موجه ضد بيونغ يانغ. وتشمل المناورات البحرية التي تستمر أربعة أيام في غرب المحيط الهادئ، حسب وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، ثلاث حاملات طائرات: رونالد ريغن ونيمتز وثيودور روزفلت، وسبع سفن حربية كورية جنوبية بينها ثلاث مدمرات.

ثلاث حاملات طائرات أميركية تشارك في مناورات بحرية ضخمة غرب المحيط الهادئ تستهدف كوريا الشمالية

وهذه أول مناورات تشارك فيها ثلاث حاملات طائرات في المنطقة منذ عقد.

وأكّد متحدث باسم الوزارة أن “المناورات تهدف إلى تعزيز الردع ضد التهديدات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية وإظهار جهوزيتنا لصد أيّ تحركات استفزازية من الشمال”. ويتوقع المراقبون تصعيدا قريبا من كوريا الشمالية ردا على التصريحات وعلى المناورات، فغالبا ما تدين بيونغ يانغ مثل تلك المناورات وتصفها بالتمارين على غزوها وأحيانا ترد بإجراء مناوراتها العسكرية أو بتجارب صاروخية.

وستقوم السفن الحربية الأميركية بمناورات دفاعية جوية ومراقبة البحر وتدريبات على الدفاعات الجوية والقتال الجوي الدفاعي وعمليات أخرى، بحسب البحرية الأميركية.

وارتفعت حدة التوترات في الأشهر الأخيرة حول برنامج أسلحة كوريا الشمالية بعد أن أجرت بيونغ يانغ تجربة نووية سادسة، وهي أضخم تجربة كورية شمالية حتى الآن، واختبرت إطلاق العشرات من الصواريخ بعضها قادر على بلوغ الأراضي الأميركية.

وجاءت عملية إطلاق الصواريخ ردا على مجموعات جديدة من العقوبات الدولية. وحلق صاروخان منها فوق اليابان، حليفة الولايات المتحدة. فيما تشير تكهنات إلى أن كيم سيأمر بإجراء تجربة صاروخية أخرى تزامنا مع زيارة ترامب الماراثونية إلى المنطقة والتي تختتم الثلاثاء.

ويخوض ترامب منذ توليه الرئاسة حربا كلامية مع كيم، ويتبادل الاثنان الإهانات الشخصية والتهديدات بضربات عسكرية، ويثيران المخاوف من تفجر أعمال عدائية.

وخلال محادثات في بكين الخميس، حث ترامب نظيره الصيني شي جين بينغ على بذل المزيد من الجهود لكبح نظام بيونغ يانغ، محذرا من أن “الوقت ينفد بسرعة”. وتعتقد الإدارة الأميركية أن النفوذ الاقتصادي لبكين على كوريا الشمالية هو السبيل لإجبار بيونغ يانغ على وقف برنامجيها النووي والصاروخي.

وقال شي إن الدولتين أكدتا “التزامهما الراسخ” بنزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية وتطبيق القرارات الدولية. ورغم أن الصين أيدت العقوبات الدولية إلا أن المسؤولين الأميركيين يريدون من السلطات الصينية أن تمنع التجارة غير المسموح بها على الحدود الكورية الشمالية.

لكن الخبراء لا يعتقدون أن الصين ستتخذ مثل تلك الخطوات التي يريدها ترامب، كوقف صادرات النفط الخام للشمال. وتخشى بكين من أن الضغط الشديد على بيونغ يانغ يمكن أن يتسبب في انهيار النظام، وبالتالي تدفق اللاجئين على حدودها مما يضع القوات الأميركية على أعتابها.

مفاوضات مستحيلة

وحذر ترامب في خطاب أمام البرلمان الكوري الجنوبي الأربعاء بيونغ يانغ من مغبة “التقليل من شأن” الولايات المتحدة عارضا على كيم “طريقا نحو مستقبل أفضل بكثير” إذا تخلّى عن طموحاته النووية.

لكن يبدو من المستحيل أن تستجيب كوريا الشمالية في أي وقت من الأوقات لمثل هذه المفاوضات أو أن تتنازل عن مشروعها النووي.

ترامب يحذر في خطاب أمام البرلمان الكوري الجنوبي الأربعاء بيونغ يانغ من مغبة “التقليل من شأن” الولايات المتحدة عارضا على كيم “طريقا نحو مستقبل أفضل بكثير” إذا تخلّى عن طموحاته النووية

ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها أن كما أن كوريا الشمالية لا تثق في التزام الولايات المتحدة بأي اتفاق يمكن تخيل التوصل إليه. ويشير الباحث تيد جالين كاربنتر في تقرير نشرته مجلة ذا ناشونال أنتريست الأميركية تفسيرا لغياب الثقة من خلال مثال التدخل في ليبيا الذى قادته الولايات المتحدة في عام 2011، هو الذي أكد تماما لبيونغ يانغ السبب في أن السعي لامتلاك أسلحة نووية والحفاظ عليها قد يكون السبيل الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه لمنع تعرض كوريا الشمالية لحرب تهدف إلى تغيير النظام فيها.

ويذكر كاربنتر بما بدر من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بعد الحرب التي أطاحت بالرئيس العراقي صدام حسين في ربيع عام 2003 بعد الادعاء الظاهري بأن لديه أسلحة دمار شامل، حيث تخلى القذافي طواعية عن برنامجه النووي الذي كان مازال في بدايته ووقع في ديسمبر من نفس العام على اتفاقية حظر الانتشار النووي. وفي مقابل ذلك ألغت الولايات المتحدة وحلفاؤها العقوبات الاقتصادية المفروضة على ليبيا مع التعهد بعدم السعي لعزلها في المستقبل.

ويضيف كاربنتر أنه بعد أقل من عشر سنوات تدخلت واشنطن وشركاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) عسكريا في ليبيا بحجة احتمال وقوع كارثة إنسانية نتيجة اندلاع ثورة ضد القذافي في عام 2011، وكانت ذريعتهم هي حماية المدنيين الأبرياء، لكن في الحقيقة كانت هناك حرب لتغيير النظام في ليبيا. كما سلح الناتو المتمردين الذين أساؤوا معاملة القذافي بعد أن أمسكوا به وقتلوه بطريقة وحشية.

ويقول كاربنتر إن خيانة الغرب للقذافي زادت من صعوبة أي احتمال للتوصل لاتفاق مع كوريا الشمالية، كما يؤكد أنه حتى بعض المسؤولين الأميركيين يعترفون بأن ما حدث في ليبيا أقنع قادة كوريا الشمالية بأن الأسلحة النووية ضرورية لبقاء النظام.

ويؤكد على هذا التفسير مايكل هايدن، الرئيس الأسبق لوكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي، الذي قال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الألمانية إن “احتمال قيام الكوريين الشماليين بالفعل بنزع سلاحهم النووي يقترب من الصفر، وهم ليسوا غير منطقيين في هذا الصدد، فقد رأوا ما حدث للدول التي تخلت عن برامجها النووية وهم يحاولون الاحتفاظ بأسلحتهم النووية للحفاظ على بقاء النظام”.

6