كورونا يهدد حياة آلاف العمال المهاجرين في "مخيم اعتقال" بقطر

انتشار فايروس كورونا يلفت الأنظار مجددا إلى قطر بعد تحويل مقر إقامة عدد ضخم من العمال الوافدين إلى ما يشبه "معسكر اعتقال".
السبت 2020/03/21
من حلم تحسين الوضع المادي إلى أمل الحفاظ على الحياة

الدوحة - خفّفت قطر من قيودها على مغادرة العمال الأجانب، في وقت تحاول فيه الدوحة التكتّم على فضيحة جديدة تتعلّق بملف العمّال الوافدين الذين يداهم الآلاف منهم خطرُ الإصابة بفايروس كورونا داخل مخيّم ضخم لهم قرب العاصمة القطرية، وصفه تقرير صحافي بأنّه أصبح بمثابة “سجن كبير” تحاصره قوات الشرطة وتمنع الخروج منه.

وأفادت تغريدات رسمية على تويتر بأنّ قطر ألغت شروطا على تأشيرات الخروج لقطاع إضافي من القوة العاملة الأجنبية لديها يشمل العاملين في صناعة النفط والغاز.

ونقل بيان لوزارة الداخلية عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية لولوة الخاطر قولها إن قرار رفع شروط تأشيرات الخروج ينطبق على موظفي الوزارات والهيئات والمؤسسات وغيرها من الوكالات الحكومية وقطاع النفط والغاز وفروعه، والسفن العاملة في المياه القطرية والزراعة والري. وذكر البيان أنّ القرار الذي بدأ تنفيذه الخميس يستثني خمسة في المئة من الموظفين بهذه القطاعات.

وكانت الحكومة القطرية قد ألغت في 2018 تأشيرات الخروج لكثير من العمّال الأجانب، لكن هذا الإجراء الذي جاء جزءا من محاولات قطر إصلاح نظام العمل لديها لم يشمل موظفي الحكومة والقطاع العام وقطاع النفط والغاز والعاملين في البحر والزراعة.

واضطر البلد الذي أصبح خلال السنوات الماضية تحت مجهر المنظمات الدولية والهيئات الحقوقية وتهاطلت عليه الانتقادات والشكاوى بسبب الوضع المزري للعمال الوافدين إليه والذين شهدت أعدادهم انفجارا غير مسبوق مع فتح الورشات الضخمة لبناء منشآت كأس العالم 2022، إلى إدخال تعديلات على قوانينه وإجراءاته المنظمة لعلاقات العمل غالبا ما وُصفت بالشكلية وبغير المؤثرة في تحسين أوضاع العمّال حتى أنّ أعدادا منهم ما زلوا يفقدون حياتهم بسبب الظروف القاسية لعملهم وإقامتهم.

ولفت انتشار فايروس كورونا الأنظار مجدّدا إلى قطر التي حوّلت سلطاتُها مقرّ إقامة عدد ضخم من العمّال الوافدين داخل المنطقة الصناعية قرب العاصمة الدوحة إلى ما يشبه “معسكر اعتقال” كبيرا يضمّ مئات الآلاف من هؤلاء العمّال الذين يعيشون في غرف ضيّقة يكتظ كلّ منها بما قد يصل إلى عشرة أنفار معرّضين لشتى أنواع الأمراض، وأحدثها فايروس كورونا المستجدّ الذي سيكون من الصعب السيطرة عليه في المكان الذي يتشارك المقيمون فيه المطابخ والمراحيض المفتقرة أصلا لمقوّمات النظافة وشروط الصحّة والسلامة.

وورد في تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أنّ الشرطة القطرية تحرس محيط منطقة ضخمة داخل المنطقة الصناعية قرب الدوحة، وتمنع دخول أو خروج آلاف العمال المشتغل أغلبهم في مشاريع البنية التحتية لكأس العالم 2022 من المخيمات المزدحمة والمكتظة التي تمثّل بيئة مثالية لانتشار الفايروس بسرعة.

وتشيع بين هؤلاء أجواء من الخوف وعدم اليقين في ظل هشاشة وضعهم المالي، لاسيما وأن أعدادا منهم موجودون في إجازة دون أجر حتى إشعار آخر، تتكفّل السلطات فقط بتوفير الطعام والسكن لهم. ونقلت الصحيفة عن عاملة نيبالية تعيش داخل المنطقة المحاصرة قولها إنّها ممنوعة من مغادرة المخيم وقلقة بشدّة على مصير أفراد أسرتها في نيبال موضّحة “لن يكون هناك من يعتني بهم إذا حدث لي أي شيء”. ووصف عامل نيبالي آخر الوضع في مخيم المنطقة الصناعية بالمتوتر للغاية.

Thumbnail

وجاء قرار إغلاق المخيّم بعد أن أعلنت الحكومة القطرية قبل نحو عشرة أيام عن تجاوز عدد حالات الإصابة بفايروس كورونا بين العمال الأجانب مئتين وثلاثين حالة.

ومع ذلك، يضيف التقرير، “بينما أغلقت الدولة المضيفة لكأس العالم جميع الأماكن العامة تقريبا في مواجهة الوباء العالمي، يؤكّد بعض عمّال البناء الذين لم تثبت إصابتهم بكورونا أنهم لا يزالون مجبرين على مواصلة العمل”.

وبحسب الناشطة في مجال حقوق المهاجرين فاني ساراسواثي، فإنّ من العسير على العمّال الأجانب في قطر حماية أنفسهم من كورونا في حين أن معظم المخيمات التي يقيمون فيها لا تحتوي على مياه جارية ولا مطهرات يدوية، ولا يمكن لهؤلاء أصلا الحفاظ على مسافة الأمان في مخيم يعيش فيه الآلاف من العمّال جنبا إلى جنب.

ويوجد في قطر حوالي مليوني عامل وافد معظمهم من جنوب آسيا وشرق أفريقيا، ويشكلون نسبة خمسة وتسعين في المئة من السكان العاملين.

وأعلنت الحكومة القطرية عن عدد من الإجراءات لتعزيز اقتصادها وحمايته من تداعيات كورونا بما في ذلك تخصيص أكثر من 21 مليار دولار في شكل حوافز ودعم للقطاع الخاص. وعلى الرغم من تلك الإجراءات حذّرت ساراسواثي من أن العمال المهاجرين قد يواجهون مع أسرهم وطأة التداعيات الاقتصادية لكورونا في قطر حيث الأجور منخفضة، وحيث يعتبر تأخر دفع أجور هؤلاء العمال أمرا شائعا.

ومع ذلك ستكون المأساة الأكبر هي أن يفقد عدد كبير من العمال الأجانب في قطر حياتهم بعد أن كانت ظروف الشغل القاسية قد أودت بأعداد منهم على مدار السنوات الماضية.

ولا يُعلم إن كانت قطر ستعترف بمسؤوليتها عن هلاك هؤلاء العمال بما سيترتّب عن ذلك من دفع تعويضات لأسرهم، وهو أمر مستبعد نظرا للسوابق القطرية في هذا المجال، بعد أن لجأت سلطاتها على مدى السنوات الماضية إلى تزييف أسباب وفاة عدد من العمال الذين قضوا فعلا بسبب ظروف العمل غير الملائمة أو لانعدام أساليب الأمان والوقاية، ولكن ما كان يتمّ إثباته في شهادات الوفاة في غالبية الحالات هو “الوفاة الطبيعية”، ما يعني إخلاء ذمة الجهة المشغّلة والدولة المستضيفة من أي مسؤولية وما ترتّبه من أعباء مالية.

3