كورونا يهدد الشريان الوحيد للاقتصاد القطري

تشكل تداعيات تفشي فايروس كورونا تحديا كبيرا للاقتصاد العالمي وخاصة الدول الريعية التي تعتمد على منتج واحد مثل الاقتصاد القطري، الذي يعتمد بشكل شبه كلي على صادرات الغاز، المهددة بانهيار شامل، وهي التي تعاني أصلا من الانهيار قبل أزمة تفشي الفايروس.
لندن - قد تكون قطر من أقل البلدان المهددة بانتشار فايروس كورونا، رغم تسجيلها أمس ثلاث إصابات، بسبب عدد السكان الضئيل وامتلاكها لاحتياطات مالية كبيرة.
لكن نشاطها الاقتصادي يبدو مهددا أكثر من معظم بلدان العالم، بتداعيات الأزمة على الاقتصاد العالمي، بسبب اعتمادها الشديد على سلعة وحيدة هي صادرات الغاز، وبدرجة ضئيلة على صادرات النفط، التي تتعرض هي الأخرى إلى تراجع العوائد.
وتتضح الصورة في انخفاض أسعار الغاز بأكثر من 40 في المئة خلال الأسبوعين الماضيين، وهي المنهارة أصلا قبل انتشار الفايروس، حيث كانت قد فقدت ما يصل إلى 90 في المئة من قيمتها مقارنة بمستوياتها قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وتراجعت أسعار الغاز الطبيعي المسال الأسبوع الماضي إلى أقل من دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بانخفاض يزيد على 60 في المئة بمقارنة سنوية، بعد انهيار الطلب وتخمة الأسواق بالمعروض، حتى أصبحت ناقلات الغاز تجوب البحار دون أن تجد مشترين.
ليس أمام الدوحة سوى مواصلة الإغراق في السحب من الاحتياطات المالية، في ظل التزاماتها الاستعراضية الواسعة في مشاريع البناء استعدادا لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ومعاناتها من المقاطعة العربية، التي قوضت معظم النشاطات الاقتصادية.
ويبدو أن قطر تتجه لاحتقان اقتصادي مهدد بالانفجار، حين تتحول مشاريع البناء الكبيرة إلى عبء ثقيل، بعد استخدامها لمرة واحدة في استضافة البطولة.
ويعد الاقتصاد القطري من أقل الاقتصادات تنوعا في العالم. وقد باءت جميع المحاولات لتنشيط السياحة والتحول إلى مركز إقليمي من خلال مشاريع البناء باهظة التكلفة، والتي تحولت إلى عبء بسبب انعدام الطلب عليها خاصة بسبب المقاطعة العربية.
40 في المئة نسبة تراجع أسعار الغاز العالمية خلال أسبوعين وهي مرشحة لمزيد من الانهيار
وتتضح أزمة الاعتماد الشديد على عوائد صادرات الغاز في رضوخ الدوحة في الشهر الماضي لضغوط انهيار الأسعار وتعليق خطط لزيادة إنتاج الغاز بنسبة 60 في المئة.
وكانت مصادر مطلعة قد كشفت في 17 فبراير الماضي أن قطر أرجأت اختيار شركاء غربيين لتوسعة أكبر مشروع للغاز الطبيعي المسال في العالم، بعد أن كان محللون قد شككوا أصلا بجدواها الاقتصادية في ظل انهيار في أسعار الغاز.
وامتنعت قطر للبترول عن التعقيب على تلك التسريبات، التي رجح دقتها مراقبون بسبب التحديات التي يواجهها قطاع الغاز بسبب تخمة المعروض.
ويرجح محللون أن تتواصل تخمة الأسواق في ظل تنامي الإنتاج الأميركي وتزايد الإنتاج من مشاريع جديدة في وكندا وموزمبيق ونيجيريا وأستراليا، التي تتجه لإزاحة قطر عن عرش أكبر منتج للغاز في العالم، إضافة إلى التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي وانخفاض الطلب من الصين، أكبر مستورد في العالم.
وتملك قطر أكبر حقل غاز في العالم، وهو حقل مشترك مع إيران، وقد شجعت شروطها الميسرة خلال العقدين الماضيين، شركات كبرى مثل أكسون موبيل ورويال داتش شل على الدخول في استثمارات كبيرة، أصبحت تجد صعوبة في تبرير الجدوى الاقتصادية.
وكانت الحكومة القطرية قد أكدت إصرارها على خطط التوسعة. وقالت إنها ستبني المنشآت منفردة إذا اقتضى الأمر لكنها تفضل وجود شركاء لتوزيع المخاطر والتكلفة فضلا عن الوصول إلى زبائن جدد.
قطر تتجه لاحتقان اقتصادي مهدد بالانفجار، حين تصبح مشاريع البناء عبئا ثقيلا، بعد استخدامها لمرة واحدة في كأس العالم
وكانت أسعار الغاز الطبيعي المسال قد انحدرت إلى أدنى مستوى على الإطلاق في آسيا في يناير الماضي مع انخفاض استهلاك الطاقة في الصين بسبب انتشار فايروس كورونا. وقوض انخفاض الطلب من الصين الآمال بأن أكبر مستهلك للوقود في العالم سيستوعب فائض الإمدادات للحد من الاعتماد على الفحم.
وتتضح حالة الشلل الاقتصادي المرشحة للتفاقم في انهيار أسعار العقارات ومواصلة المؤسسات السيادية ضخ عشرات المليارات من الدولارات لمواجهة شح السيولة وموجة نزوح المستثمرين عن الدوحة.
وتستثمر قطر معظم ثروتها في أنحاء العالم، وقد اضطرت منذ فرض المقاطعة العربية إلى بيع الكثير منها. وقد تجد صعوبة الآن في بيعها في ظل حالة الهلع وانهيار أسواق المال العالمية بسبب تداعيات تفشي فايروس كورونا.
وتتزامن أزمة انهيار أسعار الغاز العالمية مع اندفاع المنتجين الأميركيين لزيادة طاقة تصدير الغاز المسال لتصريف فائض محلي ضخم. وانخفضت أسعار الغاز في الولايات المتحدة كثيرا ولفترة طويلة حتى أن العديد من الشركات المنتجة للغاز الصخري تعاني لجمع الأموال ويقترب بعضها من حافة الإفلاس.
ومن المتوقع أن تقود مجموعة من المشروعات في أنحاء العالم من كندا إلى موزمبيق ونيجيريا إلى فائض أكبر في المعروض خلال العقد الحالي. وقال أحد المصادر إن “القلق بدأ يساور الشركات حيال سبل تصريف كل هذا الغاز”.
وأكدت مصادر مطلعة أن النظرة المتشائمة إلى مستقبل أسعار الغاز جعل مشاريع التوسع القطرية أقل إغراء للشركات العالمية، وهو ما ساهم في تأجيل المشاريع وربما إلغاؤها.