كورونا يكشف أزمة المحتوى في الإعلام الفلسطيني

انتشار موجة إشاعات لعدم وجود أي مصدر رسمي للأخبار الموثوقة.
الاثنين 2020/10/05
الصحافة الفلسطينية تواجه أزمات متعددة الأوجه

أظهرت أزمة كورونا عمق الأزمات التي يعاني منها الإعلام الفلسطيني إن كان على صعيد المحتوى أو معالجة القضايا المتعلقة بالوباء في الأراضي الفلسطينية إلى جانب الضغوط الاقتصادية نتيجة الديون المتراكمة على المؤسسات الإعلامية وإصرار جهات حكومية على المطالبة بأجور التراخيص والبث الترددي.

رام الله - طالب مدراء وسائل إعلام فلسطينية بإجراءات حكومية عاجلة لمساندتهم على اجتياز الأزمة المتعلقة بتداعيات فايروس كورونا محذرين من أن الأسابيع القادمة حاسمة وقد تتعرض مؤسساتهم للإغلاق، في حين يقول خبراء إعلام إن الأزمة في الأساس هي أزمة محتوى أضيفت إليها الصعوبات المتعلقة بالوباء.

وتشكو قنوات تلفزيونية وإذاعات محلية فلسطينية من إصرار بعض الوزارات الحكومية والشركات الخاصة على دفع ما يترتب عليها من أجور تراخيص وموجات البث، رغم أنها وصلت إلى وضع لا تستطيع فيه الصمود أكثر إذا لم تقف الجهات المسؤولة عن القطاع مع هذه المؤسسات.

وعبّر مدراء وسائل الإعلام المحلية المستقلة خلال اجتماع مع الأمانة العامة في نقابة الصحافيين عن استغرابهم من موقف هذه الوزارات الحكومية المتجاهل للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها المؤسسات الإعلامية، كما عبروا عن سخطهم على شركة الكهرباء وشركات الإنترنت التي تهدد بقطع خدماتها عن وسائل الإعلام إذا لم تقم بتسديد هذه الأجور والتراخيص مؤكدين أنهم لم يتأخروا يوما عن دفع هذه المستحقات حتى في أصعب الظروف السياسية على الرغم من تعرضهم لخسائر في أكثر من مرحلة ومناسبة ولم يقوموا بتقديم أي شكاوى للنقابة أو لغيرها والتزموا بتسديد ما عليهم.

وأضافوا أن استمرار جائحة كورونا أثر سلبا وبشكل كبير على مستوى الدخل حيث انعدمت الإيرادات بسبب إيقاف الشركات والبنوك لإعلاناتها تحت حجج واهية.

وتطالب هيئات الضرائب والوزارات وسائل الإعلام بتسديد ما عليها من ديون إلى جانب ما على المؤسسات الإعلامية من التزامات تجاه الموظفين حيث اضطرت بعض وسائل الإعلام إلى التخلي عن موظفيها أو تخفيف دوامهم إلى النصف مما أثر على مستوى العمل الإعلامي.

وأكد موسى ريماوي، مدير عام المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية “مدى”، أن “أزمة فايروس كورونا، وحجب إعلانات الشركات الكبرى عن وسائل الإعلام المحلية غير الحكومية والتي تعد مصدر الدخل الوحيد لها، أثر بشكل كبير على وسائل الإعلام”.

معالجة وسائل الإعلام للوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية افتقدت للتقارير المهنية والاحترافية

وأضاف ريماوي “في حال أغلقت مؤسسات الإعلام المحلي أبوابها بسبب الأزمة فإن ذلك يشكل خطرا كبيرا على الحريات، لأن حرية الإعلام تحتاج لتعددية بحيث لا يمكن أن يكون المصدر الوحيد للمعلومة هو المصدر الحكومي. الإعلام يجب أن يعبر عن كافة أطياف المجتمع، والإعلام المتعدد هو القادر على تلبيه الحاجات وخلق رأي عام للقضايا المجتمعية التي تحتاج إلى تغيير”.

وتابع “لا زالت بعض وسائل الإعلام المحلية القوية قادرة على الاستمرار لغاية الآن، ولكن المشكلة الآن أن الأزمة ستتجدد والطوارئ ستستمر، والوضع الاقتصادي سيسوء أكتر وهذا سيؤثر على الإعلام وعلى تطوره ومستقبله، ويؤدي استمرار الأزمة لفترة طويلة إلى شبه اختفاء الإعلام غير الحكومي”.

وشهدت الأراضي الفلسطينية منذ بداية أزمة كورونا موجة إشاعات لعدم وجود أي مصدر رسمي للأخبار الموثوقة ما أدى للكثير من المخاوف والتأثيرات السلبية على المجتمع. وكانت الجائحة اختبارا لوضع الصحافة الفلسطينية وكشفت عن نقاط ضعفها وافتقار غالبية وسائل الإعلام لأساليب معالجة الأزمات بطريقة صحيحة.

وما زال رجال الإعلام يتجاهلون بأن مهنتهم هي ركن أساسي من أركان مواجهة الأزمات واحتوائها، وبأن مهمتهم أيضا هي إدارة هذه الأزمات إعلاميًا كونها عملية تخصصية لها قواعدها وأسسها وآلياتها واستراتيجيتها، وهذا ما أدى إلى الفوضوية في التعامل مع تفشي الوباء.

ونشرت وسائل الإعلام تقارير عن الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية لا ترقى إلى المهنية والاحترافية وافتقدت هذه التقارير للآليات اللازمة والقواعد المتبعة لإعلام المواجهة وإعلام الطوارئ.

وتعاطي الصحافة الفلسطينية خلال الأزمة يعكس النموذج السائد في ممارسة الصحافة والتركيز على نقل الخبر من المصدر إلى الجمهور دون أدنى درجات التحري أو التحليل أو الوقوف على معانيه ودلالته وتأثيره.

وأوضح أحمد حمودة، الباحث في علوم الإعلام والاتصال الرقمي “أنّ الصحافي الفلسطيني اكتفى في بعض الأحيان، بنقل البلاغ الصادر عن الوزارات كما هو دون أي تفسير، أو إضافة خلفية أو عناوين فرعيّة له، وهذه مقاربة تقودنا إلى أنّ ما بين وظيفة النقل والتعليق، غابت أدوار التفسير والتحقيق والتحرّي والريبورتاج”.

وأضاف حمودة، “أزمة الإعلام الفلسطيني، هي أزمة نسقيّة، بمعنى أن هناك نظاما يتكون من المكون الأكاديمي ومنظومة الاتصال في الوزارات والمؤسسات والإعلان وغرف الأخبار ومؤسسات قياس الجمهور والتنظيم الذاتي، كل هذه المكونات والنظام برمته، لا يشتغل بطريقة جيدة، لأنّ كل هذه المكونات لا يمكن أن تنتج مضامين صحافة الجودة”.

وتابع “حتى عندما نصلح نظام المكون الأكاديمي، فإن الصحافي يتقاضى راتبا بسيطا، وهنا تكون قد أصلحت جزءا وأهملت الجزء الآخر، فهل يصحّ أن تكون هناك مؤسسات إعلامية تشتغل بأربعة صحافيين، تنتج أخبارا، وتطالبها بإنتاج صحافة جيدة؟”.

ويشير صحافيون إلى التنافس غير شريف من قبل وسائل الإعلام الحكومية والحزبية التي لديها طواقم لتعمل بالميدان وتمويل كبير وهو ما لا يتوفر لوسائل الإعلام المحلية مما يشير لوجود تنافس غير شريف خصوصا أن وسائل الإعلام الحكومية والحزبية تخصص موازنات كبيرة للحصول على نسب مشاهدة والوصول إلى أكبر عدد من المتابعين والمشاهدين.

ويتعامل السياسيون والأحزاب، مع الإعلام على أنه وسيلة وجهاز من أجهزة الدعاية وليس خدمة عمومية يجب أن تقدّم للمواطنين بمواصفات محددة، ويريدون دائما السيطرة عليه بطرق مختلفة، لذلك لا يرغبون بإصلاح منظومة الإعلام، لأنهم يريدون إعلاما عليلا مريضا، رغم شكاوى المسؤولين الدائمة من الأخبار الكاذبة.

18