كورونا يحفز على التفكير بالأمن الغذائي في الخليج

قضية الأمن الغذائي ليست طارئة في منطقة الخليج، لكنّ جائحة كورونا أعادت طرحها بقوّة وحفّزت التفكير فيها، وأبرزت وجود أفكار لحلّها بشكل مستدام سواء في نطاق ما يمكن أن تتّخذه دول المنطقة بشكل انفرادي من إجراءات وحلول على غرار تلك التي وضعتها دولة الإمارات وشرعت في تطبيقها، أو بشكل جماعي كتلك التي تقترحها دولة الكويت.
الكويت – تقدّمت دولة الكويت، الخميس، بمقترح لإنشاء شبكة أمن غذائي موحدة على مستوى دول الخليج وذلك بهدف تحقيق الأمن الغذائي لهذه الدول.
ولا ينفصل المقترح الكويتي عن الواقع الجديد الذي فرضه انتشار فايروس كورونا في أغلب أنحاء العالم وتأثيراته التي تجاوزت الجانب الصحيّ لتطال مختلف أوجه النشاط البشري بما في ذلك الأنشطة الاقتصادية من إنتاج ونقل وغيرها مما يمكن أن يمسّ عمليات إنتاج الغذاء وتصديره وتوزيعه.
وحذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” من أن بعض دول العالم قد تشهد نقصا في المواد الغذائية خلال شهري أفريل ومايو بسبب جائحة كورونا.
وأطلقت تلك المستجدّات عملية تفكير عميقة في تحصين الأمن الغذائي بمنطقة الخليج تجسّدت على وجه الخصوص فيما أقدمت عليه دولة الإمارات العربية المتّحدة من إجراءات لضمان الأمن الغذائي لسكّانها على المديين العاجل والآجل، من ضمنها سنّ تشريع خاصّ بتنظيم المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية أُعلن، الاثنين، عن اعتماده من قبل رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
وقالت وزارة التجارة الكويتية في بيان صحافي إنّ الاقتراح قدّمه الوزير خالد الروضان خلال الاجتماع الاستثنائي لوزراء التجارة في مجلس التعاون الخليجي الذي عقد، الخميس، عبر الاتصال المرئي وناقش الآثار الاقتصادية لوباء كورونا.
كما تضمّن المقترح الكويتي إنشاء خطوط سريعة في مراكز الجمارك لضمان انسيابية وعبور المنتجات الأساسية للمعيشة كالمواد الغذائية والطبية مع عقد اجتماعات دورية لوزراء التجارة ووكلائهم لمناقشة الوضع الراهن.
وتعتمد الكويت على استيراد الأغذية بنسبة تتجاوز التسعين في المئة، الأمر الذي أثار بعض المخاوف بشأن إمكانية تعطّل قنوات الاستيراد في ظل الأزمة العالمية التي أثارها انتشار كورونا والاضطراب الذي تسبب به ويطال النشاط التجاري العالمي وحركة النقل الدولية وإمكانية تراجع المعروض عالميا في مقابل وفرة الطلب والإحجام المحتمل من قبل بعض الدول المنتجة على التصدير بالكميات المعتادة.
وثارت في الكويت مخاوف من إنهاك سريع لمخزون الغذاء بسبب التهافت الكبير على الشراء والتخزين بشكل عشوائي.
وتقول الحكومة الكويتية إنّها بصدد تشديد إجراءاتها الهادفة للحدّ من ظاهرة التبذير وسوء الاستهلاك الشائعة أصلا في المجتمع الكويتي الذي يصنّف ضمن المجتمعات الميسورة بفعل الوضع المالي الجيد للبلد المعتمد بشكل كبير على الموارد النفطية.
وتقرّر في نطاق ذلك تكثيف الجولات الرقابية، وصدر في وقت سابق قرار برصد المطاعم والمطابخ المركزية التي تزوّد التجمعات بالأغذية بشكل مخالف للقوانين واتخاذ الإجراءات اللاّزمة تجاهها.
وسبق لوزير التجارة والصناعة الكويتي خالد الروضان أن طمأن السكان بشأن وفرة السلع التموينية والمواد الأساسية، مؤكّدا أنّ المخزون الاستراتيجي للبلاد من تلك المواد يكفي لمدّة لا تقلّ عن ستّة أشهر، غير أنّ فنّيين ونوابا بالبرلمان حذّروا من أنّ كميات المخزون الاستراتيجي من الأغذية مهما بلغ حجمها تظل مهدّدة بالإنهاك بسبب سوء الاستهلاك والتهافت على التخزين وعدم التعامل بمسؤولية خلال الأزمة الحالية.
واعتبر عمر الطبطبائي النائب بمجلس الأمّة (البرلمان) الكويتي، أنّ جائحة كورونا يمكن أن تمثّل درسا لبلاده والعالم لمعالجة قضية الأمن الغذائي. كما انتقد الخلل الكبير في قطاع الزراعة الكويتي والذي تجلّى حسب توصيفه في عملية توزيع المزارع “بشكل عشوائي وفوضوي” وعدم مراقبة تلك المزارع التي حوّلها أصحابها “إلى استخدامات ترفيهية خاصة”.
وتقدّم بناء على ذلك باقتراح يقضي بـ”توزيع مزارع بمساحة كبيرة لكل جمعية تعاونية وتكون مقتصرة على الإنتاج الزراعي والاكتفاء الذاتي لكل جمعية”.
كما نصّ الاقتراح على “تقديم الدعم للمزارعين لزيادة الإنتاج الزراعي بما يتناسب مع احتياجات الدولة في مثل هذه الظروف.. وتخصيص ميزانية محددة لدعم المزارعين في الكويت وإعادة توزيع المزارع مرة أخرى والبدء بتوزيع مزارع ذات الإنتاج الواحد بما يضمن أن تحقق الدولة الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية”.
كذلك طُرحت قضية الأمن الغذائي في سلطنة عمان التي أكّدت سلطاتها أن مخزون المواد الغذائية كاف، وأنّ الاتصالات جارية مع العديد من التجار لشراء المزيد من الأغذية مع توفير الدولة لمساحات تخزين إضافية بلا مقابل.
أمّا دولة الإمارات فآثرت انتهاج أسلوب استباقي أطول مدى في التعاطي مع قضية الأمن الغذائي نظرا لوضعها المريح لجهة وفرة المخزون وانسيابية طرق التوزيع على جميع السكان من مواطنين ومقيمين.
وتجلّى ذلك في سنّها تشريعا خاصّا بتنظيم المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية مجسّدة التعهّد الذي قطعته قيادتها بمواصلة تأمين الغذاء والدواء لكل المواطنين والمقيمين على أرضها، في كلّ الظروف.
ويهدف القانون الاتّحادي الجديد إلى تنظيم ذلك المخزون في حال حصول أزمات وطوارئ وكوارث، وتحقيق الاستدامة في مجال الغذاء.
ومما نصّ عليه القانون أن تقوم وزارة الاقتصاد بإعداد التقارير والدراسات والإحصائيات والتقييم الاقتصادي بشأن السلع الغذائية وتقدير حجم الاستهلاك وتحديد الفائض والعجز، وإعداد قواعد بيانات عن إنتاج وتوفر السلع الغذائية في الدولة وبلدان المنشأ ومتابعتها لدى المزودين، إلى جانب تنسيق وتنفيذ سياسات تأمين وإدامة وسلامة المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية، بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث لتحقيق مخزون استراتيجي آمن من السلع الغذائية.