كورونا عدو غير مرئي يتربص بسكان إدلب المحاصرين

صعوبة كبيرة في توزيع المساعدات شمال غرب سوريا، الذي تتقاسم القوات الحكومية والمعارضة والجماعات الجهادية السيطرة عليه.
الجمعة 2020/11/20
معركة مدمرة

غيث السيد /سارة الديب

إدلب (سوريا)– تحاول الممرضات إدخال أنبوب التنفس لمريض تتدهور حالته فجأة. تمتلئ أسرة العناية المركزة طوال الليل تقريبًا. يعجز المريض عن مقاومة شراسة الفايروس ليسقط جثة هامدة، تسارع الممرضات إلى إخلاء مكانه ليحل محله مصاب آخر.

طبيب منهك يتكئ على كرسي متحرك ينشد قسطا من الراحة. الوتيرة متسارعة جدا في أكبر مستشفى للعزل في مدينة إدلب شمال غرب سوريا. لا توجد قنابل تتساقط في الخارج ولا يتكدس الجرحى الملطخون بالدماء في ممرات المستشفى، ومع ذلك، فإن موظفي وحدة العناية المركزة لا يستطيعون التقاط أنفاسهم مشغولين بالأسرة الممتلئة بالمرضى الذين يلهثون للحصول على الهواء.

مشاهد متكررة لا تخلو من سريالية في منطقة تتزايد فيها أعداد الإصابات بفايروس كورونا وتعوزها الإمكانيات الصحية.

تقول الأمم المتحدة إن معدلات الإصابة قفزت إلى ما يقرب من عشرين ضعفًا بين سبتمبر وأكتوبر في محافظة إدلب. ومنذ ذلك الحين، تتزايد الإصابات بنسبة 300 في المئة، مع تسجيل ما يقرب من 11900 حالة في 16 نوفمبر، بارتفاع قدره 8100 حالة عن الأسبوع السابق.

ربما يكون عدد الإصابات أعلى من ذلك بكثير، وسط مخاوف عمال الصحة والإغاثة من انتشار الفايروس في المخيمات المكتظة، التي تفتقد لأبسط ضروريات الرعاية الصحية.

يقول عارف شبيب، طبيب في مستشفى العزل الذي يحوي فقط 70 سريرًا، وهو واحد من اثنين في مدينة إدلب التي أصبحت الآن بقعة ساخنة للفايروس “هناك العديد من المرضى، معظمهم في حالة سيئة للغاية. ليس لدينا وقت لمنحهم كل ما يحتاجون إليه”.

يقوم سائق سيارة الإسعاف، رامي خلف، بنقل مريض وممرضة من إدلب إلى الجنوب في رحلة تستغرق ثلاث ساعات بحثا عن جهاز تنفس.

يصلون إلى المكان المنشود لكن لا يوجد أكسجين متاح، ليتوجهوا إلى موقع ثالث، لمدة ثلاث ساعات أخرى بالسيارة. ومع قيام الممرضة برعاية المريض فاقد الوعي بيد واحدة وتشغيل جهاز اتصال لاسلكي في البحث عن معدات منقذة للحياة باليد الأخرى، سار الثلاثي أكثر من 200 كيلومتر (125 ميل).

يجلس خلف وراء عجلة القيادة لسبع ساعات متعرقًا ببدلة وقناع واقي من المواد الخطرة، وكان يقود سيارته على طرق غير ممهدة ومفتوحة.

على الأقل لم يكن على خلف هذه المرة تفادي القنابل. لكن حمل مرضى الفايروس يمثل تحديًا جديدًا. وكانت القوات الحكومية استهدفت مرارا الفرق الطبية والمستشفيات التي يتهمها النظام بمعالجة “الإرهابيين”.

نقل خلف ما يقرب من 50 مريضًا في 10 أيام، مجبرا في كل مرة على الابتعاد عن أطفاله لمدة يومين إلى ثلاثة أيام لتجنب نقل العدوى إليهم. يقول خلف “قصة مرعبة تتجدد”.

تتنافس الإعلانات عن الوفيات الناجمة عن الفايروس على وسائل التواصل الاجتماعي أو مكبرات الصوت في المساجد مع ملصقات تكرم القتلى في المعركة مع الفايروس وعددهم 95 حالة وفاة.

ومع بدء هطول أمطار الشتاء، ومعها تجدد صخب الحرب، يتزايد الخوف من أن الفرق الطبية المنهكة قد لا تكون قادرة على التعامل مع الوضع. ما يقرب من 17 في المئة من الإصابات كانت بين العاملين الصحيين، الذين كانوا أول من أصيب في الجبهة مع الفايروس.

Thumbnail

مات ما لا يقل عن ثلاثة أطباء ومسؤول. يجد العاملون الطبيون الذين نجوا من ساحة المعركة أنفسهم يقاتلون عدوًا غير مرئي يدفع قدراتهم ومرونتهم إلى حدود جديدة.

يقول شبيب، أخصائي وحدة العناية المركزة، على عكس جرحى الحرب، يمكن تخصيص نوبة عمل كاملة مدتها 24 ساعة لمريض واحد فقط بفايروس كورونا. يضيف شبيب “إنه عمل شاق للغاية”.

وفي مستشفى الزراعة، كان معظم المرضى الـ42 من كبار السن. يقول الدكتور صلاح الدين الصالح، مسؤول وحدة العناية المركزة في المستشفى الذي تديره الجمعية الطبية السورية الأميركية، إن 16 شخصًا على الأقل كانوا يخضعون لأجهزة التنفس الصناعي. يضيف الصالح إنه اضطر إلى رفض استقبال بعض المرضى “نحن نعمل بكامل طاقتنا وجميع الأسرة بوحدات العناية المركزة مشغولة. وفي اللحظة التي يفرغ فيها سرير واحد، يدخل مريض آخر ويشغله”.

وفي شمال غرب سوريا، الذي تتقاسم القوات الحكومية والمعارضة والجماعات الجهادية السيطرة عليه، يعتبر توزيع المساعدات معقدًا.

ووفقًا لجهود تنسيق فرقة العمل التابعة للأمم المتحدة، هناك ما لا يقل عن 142 سريرًا لوحدة العناية المركزة و 155 جهازًا للتنفس قيد الاستخدام في المنطقة. ومن المخطط توفير 219 سريرًا لوحدة العناية المركزة و162 جهاز تنفس صناعي. يعمل ما يقرب من 500 طبيب وممرض في مراكز معالجة فايروس كورونا.

سبعة من ثمانية مستشفيات في شمال غرب سوريا مجهزة لعلاج الفايروس مكتظة بالفعل. يحذر سالم عبدان، رئيس مديرية الصحة في إدلب “زيادة الإصابات بكورونا وحالات الاستشفاء والاقتراب من شغل كامل لوحدات العناية المركزة، يقربنا من حالة الطوارئ”.

الوضع في المخيمات لم يبلغ بعد درجة السوء مقارنة بالمدن في شمال غرب سوريا. يقول الدكتور ناصر المحويش، الذي يجمع بيانات الفايروس من قاعدته في تركيا، إنه تم تسجيل حوالي 8 في المئة فقط من الإصابات فيما الفرق تزيد من فحوصاتهم.

بالنسبة للسوريين في المخيمات الذين نجوا من ويلات الحرب والكثير من المحن الأخرى، يبدو أن الفايروس هو أقل ما يقلقهم. يكاد يكون التباعد الاجتماعي مستحيلًا، حيث توجد خيمة واحدة أو مأوى مؤقت يضم تسعة إلى عشرين شخصًا.

تصرح ميستي بوسويل، مديرة المناصرة في الشرق الأوسط في لجنة الإنقاذ الدولية “عانى الناس في إدلب من أسوأ آثار الصراع على مدى 10 سنوات”، وبالتالي فإن الفايروس يمثل بالنسبة لهم قطرة في بحر من معاناة لا تنتهي.

2