كورونا تغرق مستشفيات تونس وسط ارتفاع غير مسبوق في الإصابات

النقص في آلات الأوكسجين يجبر الإطار الصحي على اختيار من يسعف أولا.
الثلاثاء 2021/07/06
الجيش الأبيض في مواجهة كورونا

القيروان (تونس) – تشهد مستشفيات تونس اكتظاظا كبيرا بسبب تضاعف عدد المصابين بفايروس كورونا بشكل غير مسبوق، فيما تعاني البلاد من نقص حاد في الأكسجين ووسائل استقبال المرضى بالمستشفيات وأقسام الطوارئ.

وتقول الممرضة إيمان الفتايتي "بعض الجثث ظلت على الأسرّة طوال اليوم لم نستطع نقلها إلى المشرحة لأنها امتلأت".

وأضافت الفتايتي (41 عاما) التي تعمل في مستشفى "ابن الجزار" المركزي في القيروان أن هناك نقصا في آلات الأكسجين ووصل الأمر إلى أن "نحتار من سنسعف أوّلا".

وتابعت "بعض المرضى يتوفون ولا ندرك ذلك" لأن "عدد المرضى كثير والكادر الطبي محدود".

ويواجه الوضع الصحي في تونس موجة جديدة غير مسبوقة من عودة انتشار الفايروس، وسُجلت أرقام قياسية لم تعرفها البلاد منذ بدء الجائحة في مارس 2020، وتجاوز عدد الوفيات 15 ألف بينما يرقد أكثر من 600 مريض في العناية المركزة، في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 12 مليون نسمة.

ولم تتمكن المستشفيات المتنقلة التي أنشأتها السلطات من استيعاب المرضى وبلغت نسبة الإشغال 93 بالمئة.

أمام هذه الموجة ومنذ نهاية حزيران الفائت أعلنت السلطات التونسية إغلاقا تاما في خمس ولايات من بينها القيروان التي تسجل معدل انتشار عدوى يفوق 400 حالة على 100 ألف ساكن وشهدت مستشفياتها اكتظاظا مع انتشار المتحورة "دلتا" شديدة العدوى التي ظهرت في الهند ثم انتشرت في دول عدة.

والأسبوع الماضي، أطلقت نقابات ومنظمات مدنية على غرار "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان" ما وصفته "بنداء استغاثة دولي" وطالبت "بالتدخل الفوري والعاجل لوضع حد لآلام ومأساة سكان الولاية المنكوبة وإيقاف نزيف الكارثة".

وتوضح إيمان أن "بعض العائلات استنجدت بعائلات أخرى داخل المستشفى من أجل إنقاذ مريض" يبلغ من العمر خمسين عاما لكي يأخذ آلة أكسجين يستعملها مريض آخر ثمانيني لبعض الوقت.

وكانت المنشآت الصحية بهذه الولاية المهمشة تحتاج قبل أسبوعين إلى ما بين 400 و500 لتر أكسجين في اليوم لسدّ الطلب المتزايد، وباتت حاليا بحاجة إلى 5500 لتر يوميا، حسب سلطات الصحة بالقيروان.

صورة

ويكلّف كل ثلاثة ممرضين في المستشفى برعاية حوالي 35 مريضا بالفايروس ويبدؤون يومهم صباحا و"لا نعرف متى ينتهي"، حسب الفتايتي التي تستهل عملها كل يوم بمشهد "مرضى جالسين على الأرض" في أروقة المستشفى حيث تعمل "لأنه لا توجد أسرة كافية".

وتمر الممرضة وهي أم لبنتين "بأزمة نفسية صعبة" لأنها وجدت نفسها أحيانا عاجزة على مساعدة المرضى وإنقاذهم من الموت. وتقول "طلبت مني فتاة الاعتناء بوالدها" فيما عشرات المرضى ينتظرون، "لأنها لا تريد أن تفقده بعد أن توفيت والدتها منذ شهر بالفايروس" لكنه "للأسف توفي أيضا".

وشهدت الولاية خلال الأسابيع الماضية موجة شديدة من انتشار الفايروس وسجلت وزارة الصحة نسبة فاقت 50 بالمئة من الاختبارات الايجابية في عمليات التقصي للفايروس كما ارتفعت الحصيلة اليومية للوفيات وبلغت 20 وفاة من بينهم أطفالا.

وفي شوارع المدينة قلّة من الناس تتنقل وقد أقفلت الأسواق والمحلات التجارية وتبدو شبه مقفرة.

وتضم كافة المنشآت الصحية بما فيها الحكومية والخاصة بالقيروان، 46 سرير في وحدات العناية و250 جهاز أكسجين، وفقا للسلطات الصحية.

ويؤكد المدير الجهوي للصحة محمد رويس "مررنا بوضع حرج جدا وبلغت أسرة الإنعاش 100  بالمئة من طاقتها وأسرة الأكسجين 90 بالمئة".

ونقل رضا (60 عاما) ابنه الأسبوع الماضي إلى مستشفى "ابن الجزار" في حالة حرجة واقترح عليه الكادر الطبي أخذه إلى مستشفى بولاية مجاورة لعدم وجود أسرّة شاغرة. ويقول الأب "رفضت ذلك واضطررت للانتظار ليومين كي أجد مكانا في غرفة الإنعاش".

ومن جهته أضطر محمد المطيراوي إلى ترك زوجته تعتني بأمّه التسعينية داخل المستشفى المتنقل الذي أقامته السلطات بالقيروان قائلا "لأن والدتي لا تستطيع الاعتناء بنفسها ولا يوجد ممرضين. ماذا نفعل؟".

واستعانت السلطات الصحية بمستشفيات الولايات المجاورة لتوزيع المرضى "بنقل ما بين 12 و16 مريضا لصفاقس (جنوب) وسوسة (شرق)، لكن الوضع تعقد حاليا لأن هذه المستشفيات أصبحت بدورها تشهد اكتظاظا"، حسب رويس.

وأعلنت السلطات الأحد إغلاقا تاما في ولاية سوسة الساحلية والسياحية ومنعت قوات الأمن السياح والسكان من السباحة في الشواطئ.

وأظهرت تقارير إعلامية وضعا صعبا لمستشفيات داخل محافظات في الشمال الغربي على غرار باجة وجندوبة وسليانة.

ويفسر طبيب التخدير والإنعاش في ثاني أكبر المستشفيات في الولاية "الأغالبة" صلاح السويعي تأزم الوضع الصحي "بالاستهتار وعدم احترام قواعد التباعد في الأماكن العامة وكذلك بنقص كبير في اللقاحات".

وكانت وتيرة حملة التطعيم في البلاد بطيئة بسبب مواجهة السلطات صعوبات في توفير اللقاحات. وسجل للحملة في القيروان حوالي 95 ألف شخص تلقى نصفهم جرعة واحدة على الأقل في الولاية التي تعد نحو 593 ألف ساكن، فيما تلقى 4 بالمئة فقط من السكان على مستوى البلاد اللقاح بالكامل.