كل عام وأنتم بخير

يسمّى عيد الفطر في مصر وبلاد المغرب الكبير بالعيد الصغير، ويقابله العيد الكبير الذي هو عيد الأضحى، وكان يسمى في العهدين الفاطمي والمملوكي بعيد الحلل أي الملابس، ونقلت الدكتورة إلهام محمد علي ذهني في كتابها "مصر في كتابات الرحالة والقناصل الفرنسيين في القرن الثامن عشر" ما رواه الرحّالة والمؤرخون من العرب والمستشرقين، عن كسوة العيد التي كانت من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر، وهي عادة يرجع تاريخها بحسب المصادر إلى دولة الخلافة الإسلامية في العهدين الأموي والعباسي والتي كانت قوانينها تقضي بتوزيع الملابس على أرباب الوظائف في الدولة خلال شهر رمضان، ويبدو أن هذه الظاهرة لا تزال قائمة إلى حد الآن، ولكنها تخص الأطفال أكثر، إذا أن عيد الفطر مرتبط بتوفير الملابس الجديدة للأطفال مهما كانت الظروف المادية لأسرهم .
وكان الفاطميون سواء في تونس ثم في مصر حريصين على إعداد "الكعك"، خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان، ويتم حمل الأطباق إلى الأفران، في أجواء لا تزال موجودة إلى الآن، وكانت دار "الفطرة" توزع في النصف الثاني من رمضان ملابس العيد وأطباق الحلويات الخاصة والعامة .
وقد وصف الشعراء العرب أجواء العيد، فقال ابن الرومي "ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله/ تجلى هـلال العيـد من جانب الغرب/ كحاجـب شيخ شاب من طول عمره / يشير لنا بالرمـز للأكل والشرب"، وقال في قصيدة أخرى "عيد يطابق أول الأسبوع/ وقعت به الأقدار خير وقوع/ للفأل بالإقـبال فيه شاهد /عدل الشهادة ليس بالمدفوع"، كما يذكر له قوله "قد مضى الصوم صاحبا محمودا، وأتى الفطر صاحبا مودودا، ذهب الصوم وهو يحكيك نسكا، وأتى الفطر وهو يحكيك جودا"، وقال عبدالله ابن المعتز الذي كان من الأمراء العباسيين "أهـلا بفطر قـد أضاء هـلاله/ فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبكّر/ وانظـر إليـه كزورقٍ من فِضَّــة/قـد أثقلته حمـولـة من عنبر."
ولعلّ أكثر بيت شعر ترددا على ألسنة العرب مع إطلالة كل عيد جديد ومنذ أكثر من ألف عام، هو ما قاله المتنبي حين قرر مغادرة مصر خائبا مكسور الوجدان بعد أن فشل في نيل ود كافور الإخشيدي، وقد صادف ذلك يوم عيد: "عيد بأي حال عدت يا عيد/ بما مضى أم لأمر فيه تجديد/ أمّا الأحبة فالبيداء دونهم/ فليت دونك بيدا دونها بيد"، ثم نجده في قصيدة "لكل امرئ مِن دهره ما تعودا" يبدع في مدح سيف الدولة الحمداني أمير حلب حيث يقول: "هنيئا لك العيد الذي أنت عيده/ وعيد لمن سمى وضحّى وعيّدا/ فذا اليوم في الأيّام مثلك في الورى/ كما كنت فيهم أوحدا كان أوحدا/ ولا زالت الأعياد لُبْسَكَ بعده/ تسلّم مخروقا وتعطي مُجدّدا”.
وفي 17 سبتمبر 1944 أنعم الملك فاروق الأول على أم كلثوم، بوسام الكمال ليصبح لقبها "صاحبة العصمة" بعدما أدت أمامه في حفل انتظم بالنادي الأهلي أغنية "يا ليلة العيد" التي لا تزال إلى اليوم تصاحب احتفالات العرب بالأعياد والمناسبات السعيدة: "يا ليلة العيد أنستينا وجددتي الأمل فينا… هلاك هل لعنينا… فرحنا له وغنينا… وقلنا السعد هيجينا… على قدومك يا ليلة العيد."