كفاح آل شبيب تبعث من تراث المولوية دعوات للسلام والمحبة

عمّان - تكشف أعمال التشكيلية العراقية كفاح آل شبيب، في معرضها “إليك وحدك” المقام على غاليري دار الأندى بعمّان، عن عوالم روحانية، تدور حول الرقصة الصوفية للدراويش أو ما يُدعى “المولوية”.
تعبّر الأعمال المنفّذة بتقنية الزيت على القماش عن رسومات نابضة بالحركة والحياة، حيث الألوان المبهجة والعناية بالتفاصيل التي تدفع إلى النظر والتأمل.
وتقدم الفنانة التي تخرجت من معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1980، لوحات تحمل صبغة إنسانية عميقة، تبثّ فيها، رغم واقعيتها الشديدة، مشاعر تتسم بالمصداقية، وإحساسا بالطمأنينة والهدوء، بخاصة أنها تركز في أعمالها على اللون الأبيض الذي يميز لباس الراقصين المكون من “قنباز” أو “دشداشة” باللون الأبيض، تعلوها السترة التي تصل إلى زنار عريض يحيط الخصر، والطربوش الذي يوضَع على الرأس، بالإضافة إلى سروال طويل، وحين يتحرك الراقص يتصاعد الثوب (التنورة) في حركة تدريجية إلى الأعلى حتى يتحول إلى ما يشبه الدائرة أو الصحن مخروطي الشكل.
هنا يقدم الراقص عبر الخبرة والتجربة، تشكيلات وحركات تُبرز قدرته على التحكم في دوران الجسد وانعكس ذلك من خلال “التنورة”.
كما ركزت الفنانة آل شبيب على ملامح وجه الراقص الذي يبدو أشبه بنجم يدور في فلك بالفضاء، وبخطوطها الرقيقة وانحناءاتها المدروسة، أبرزت انحناءات الرأس، وإغماض العينين، وحركة الشفاه المبتهلة، وتشكيلات اليدين المرفوعتين بتضرع.
لوحات الفنانة تعيد التأكيد على الحضور العميق للممارسات الروحانية المتجذرة في التاريخ العربي والتراث الإنساني
الفنانة التي عُرفت باشتغالها وفق مفهومها للحداثة القائم على أن الحداثة تجديد للقديم بأشكاله المتنوعة، بدت مهتمة في لوحاتها بفكرة إعادة إحياء الموروث، وإعادة صياغته فكريا وفنيا، إذ ترى أن الموروث هو الأساس الذي تُبنى عليه الحضارة، لذا يمكن النظر إلى اختيار الفنانة لموضوع معرضها من هذه الزاوية، إذ تعيد التأكيد على الحضور العميق للممارسات الروحانية المتجذرة في التاريخ العربي والتراث الإنساني، وما حملته من رموز تدعو إلى السلام والمحبة والتآخي.
واللافت في أعمال آل شبيب الحائزة على الجائزة الأولى لأفضل تصميم ملصق بعنوان “آثار الحروب وسلبياتها” عام 1982، قدرتها على التعامل مع الظل والضوء، عبر مزيج لوني محكم، راصدةً وضعيات الحركة والسكون، فمن اللوحات ما يكون فيها المؤدّي واقفا أو جالسا، ومنها ما يأتي ضمن مجاميع من الراقصين، ومنها ما يصوّر المؤديَّ بمفرده.
وتعتمد الفنانة في صياغة كل هذه الوضعيات على الواقعية البسيطة والخطوط والألوان المختزلة، مع لمسات لونية هادئة ومتدرجة تشكل مجتمعة مساحات واسعة ومريحة بصريا، حيث الأصفر يمتزج بالأبيض، والأزرق يتقارب من الأحمر، والبني والأسود يتداخلان معا، مع المزاوجة بين الألوان الهادئة التي احتلت مساحة أكبر من اللوحة، والألوان الحارة والقوية التي استخدمتها الفنانة لإبراز تفصيلة صغيرة في لبس الراقص أو حركته، فقد يكون الإزار مثلًا بلون داكن، والطربوش بلون حار، أما محيط اللوحة عموما فهو من الأبيض الفاتح، أو الأزرق المشرق.. وهي في كل ذلك تترك للّون وحده أن يحدد عناصر اللوحة ومفرداتها.
جاءت أعمال التشكيلية كفاح آل شبيب، التي عملت لفترة طويلة في مجال التصميم الجرافيكي، ضمن مساحات لونية تنطوي على الكثير من البساطة والهدوء، مع مراعاة أن تكون العناصر المبثوثة داخل اللوحة متصلة بموضوعها ومؤكدة عليه.
يذكر أن الفنانة تعيش في العاصمة الأردنية عمّان منذ العام 1991 وهي خريجة معهد الفنون الجميلة في العام 1980، وعضو في نقابة الصحافيين العراقيين وعضو في المنظمة العالمية للصحافة وعضو في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنية، وقد شاركت في العديد من المعارض الفنية التي أقيمت في بغداد وخارجها.