كسل النقد

ساهمت عوامل عديدة في أزمة هذا النقد، من أهمها كسل الناقد واكتفائه بالمتاح من النظريات النقدية العربية، وغياب دور الجامعات في تأصيل الممارسة النقدية، وتوفير متطلبات تطويرها.
الثلاثاء 2019/02/05
حالة فوضى يعيشها واقع الكتابة الشعرية (لوحة صفوان داحول)

حركة النقد العربي الحديث، التي ظلت متأخرة عن مواكبة التجربة الشعرية الحديثة، حتى في أوج مراحل صعودها، كشفت عن العجز الذي تعاني منه هذه الحركة، على مستوى المنهج والنظرية، كما تجلى في قصورها عن مواكبة هذه التحولات في اللغة والرؤية والمفاهيم، ما أدى إلى ضعف في التأسيس لحالة نقدية يمكن البناء عليها، في تكوين مشروع نقدي، برؤى متعددة، يمكن من خلاله استعادة علاقة الإثراء المتبادلة بين القصيدة والنقد.

في كل مراحل التجربة الشعرية كان الشعر يتقدم على النقد، نتيجة انفتاح الشعر على التجارب الشعرية الحديثة واستيعاب قيمها الجمالية والفكرية، في حين يخلف النقد عن استيعاب المناهج النقدية الحديثة، ما ترك فجوة واضحة بين مفاهيم الشعرية الحديثة، والأدوات التي يستخدمها في مقاربة هذه التجارب.

لم يكن هذا التباين عابرا، فقد أسس لفجوة لا تزال قائمة على مستوى هذه العلاقة، وتستدعي مجهودات كبيرة من النقاد العرب لاستعادة النقد توازنه في هذه العلاقة، على مستوى النظرية والممارسة. قد تكون صعوبة تطبيق أدوات المناهج النقدية في قراءة النصوص ودراستها أحد أسباب هذا التفاوت في العلاقة، نتيجة التطوّر السريع الذي كانت تشهده أشكال الكتابة الشعرية الحديثة، على مستوى وعيها الجمالي، ما كان يتطلب تطوّرا مماثلا في الرؤية النقدية والمنهجية، تواكب هذا التطوّر وتتقدم عليه، لأن النقد يجب ألا يكون مجرد صدى لهذه التجارب.

لقد انعكس اختلال هذه العلاقة وتخلّف أدوات النقد في بعض مقارباته، إلى نوع من الفصام بين الناقد والشاعر، وهو ما جعل كثيرا من الشعراء يشتكون من الظلم، الذي تواجهه تجاربهم على هذا المستوى. كذلك ساهم غياب هذا الدور في انتشار حالة الفوضى التي يعيشها واقع الكتابة الشعرية، بعد أن أصبحت هذه التجارب تتخذ من الكتابة السائدة مرجعية لها، حتى وصل الحال بهذه الكتابة إلى كتابة فاقدة لأي قيمة جمالية، بسبب غياب فاعلية النقد، وتخلي الناقد عن  مسؤوليته لأسباب تتعلق بواقع العلاقات التي تحكم الثقافة الراهنة.

لقد ساهمت عوامل عديدة في أزمة هذا النقد، من أهمها كسل الناقد واكتفائه بالمتاح من النظريات النقدية العربية، وغياب دور الجامعات في تأصيل الممارسة النقدية، وتوفير متطلبات تطويرها، إضافة إلى غياب الدور المؤثر للمؤسسات الثقافية في دعم هكذا مشاريع. لذلك فإن حالة الفوضى والاضطراب التي تعيشها القصيدة الآن هي أحد تجليات هذه الأزمة، وهو ما ساهم في تراجع حضور الشعر في الحياة الثقافية، وأدى إلى غياب الاهتمام الجدي بالتجارب الهامة، لاستعادة هذا الحضور والقول بأن الشعر ما زال بخير.

15