كسر عظام جسد الدولة السني

الأربعاء 2015/06/24

ما يهدف إليه تسريب فيديوهات التعذيب في سجن رومية، والتي تظهر فيها عناصر أمنية شيعية ومسيحية وسنية تعذب موقوفين سنة، ليس أقل من محاولة إعدام تيار المستقبل والقضاء عليه نهائيا. ما يفرّق هذه المشاهد عن المشاهد اليومية لاعتداءات حزب الله ويجعل خطرها راديكاليا، هو أنها تمت عبر جهاز رسمي تابع للدولة ومحسوب معنوياً وسياسياً على السنة.

الرسالة تقول، وبوضوح للسنة، أن لا مكان ولا حصة لهم في الدولة، وهم الذين كانوا تاريخيا يمثلون الجسد المؤسس للدولة وفكرتها ودورها.

الجسد المعذّب ليس الجسد السني المنسوب إلى إرهاب حصري ولكنه جسد الدولة. ولعل أدوات التعذيب المستعملة في تعذيب هذا الجسد والتي تتألف من هراوات غليظة، تقول إن الهدف ليس التسبب في الآلام وحسب، ولكن الهدف هو كسر العظام.

لا يمكن كسر عظام جسد الدولة إلا عبر كسر عمودها الفقري الذي طالما كان السنة يمثلونه. التركيب الثلاثي للعناصر المعتدية يقول للسنة إن الجميع ضدكم وبشكل خاص الوجود السني في الدولة فهو وجود يتواطأ مع أعدائكم عليكم. هكذا صار الإشكال الأساسي سنيا سنيا، وظهر تيار المستقبل، الذي يمثل فكرة الاعتدال، بثوب عدو السنة، حيث قامت حملات غاضبة شارك فيها عدد من مؤيديه مطالبة باستقالة وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي طالما حرصت الآلة الإعلامية للحزب الإلهي على وصفه بصقر المستقبل.

في اللحظة التي تنذر بعودة الاغتيالات بات نهاد المشنوق مرشحا للاغتيال، طالما أن هناك متهما جاهزا ومعروفا مسبقا هو الجمهور السني الغاضب. لذا من الضروري التنبيه إلى أن نهاد المشنوق هو أبرز من في دائرة الخطر خاصة بعد حملات جريدة الأخبار المؤيدة لمواقفه والتي تعمل على تمكين الشرخ بينه وبين الجمهور السني الغاضب.

جمهور حزب الله أطلق هاشتاغات بعنوان” المشنوق أشرف من ريفي” . هذه الحملات لا تهدف إلى دعم مواقف المشنوق، بقدر ما تهدف إلى اغتياله سياسيا تمهيدا ربما لاغتياله الفعلي الذي لن يكون حزب الله متهما به في ظل احتدام مشاعر الغضب السني والاتهامات السنية للمشنوق بالتآمر والتنسيق معه ضد السنة، بل سيرتدي الحزب، ثوب المنتقم للدولة وللمشنوق، ويشتري حجة تتيح له زيادة التنكيل بالسنة عموما، واستكمال مشروع القضاء على عدوه الأساسي أي تيار المستقبل.

تطمح إيران، عبر حزب الله، إلى جعل تعذيب السنة سياقا طبيعيا وشرعيا. هذا ما تفصح عنه ماركة الجهات المعذبة، فالقيمون على فعل التعذيب في لبنان عناصر تنتمي إلى جهاز أمني شرعي، وكذلك كان يراد القول في العراق إن التعذيب الذي يقوم به الحشد الشعبي المعترف به رسميا هو تعذيب شرعي.

ردة الفعل السنية تمثلت في الكثير من المرات في ردود فعل عنيفة همجية من قبيل السيارات المفخخة والهجمات الانتحارية على تجمعات شيعية. وهذه الردود مهما كانت عنيفة، فإنها تبقى تعبيراً عن يأس وغضب غير فاعلين في ظل غياب لقدرة على الرد الفعلي الموجع والقاسي. الرد الأساسي الوحيد الذي يبدو ممكنا ومرتبطا بالعقل السني التاريخي هو عبر الدولة. الجهاز الوحيد الذي يبدو مالكاً لهيكلية الدولة في المنطقة يبدو متمثلاً في تنظيم الدولة الإسلامية التي ترفع وحدها بشكل واضح شعار الانتقام للسنة وتقوم بتنفيذ تعذيب رسمي شرعي ممنهج لكل من يخالفها الرأي.

قد يقول البعض ولكن داعش تعذب السنة كذلك. هذا صحيح في نظر معارضي التنظيم، ولكن داعش يعطي لنفسه الحق في منح صفة السني أي المسلم على من يشاء ونزعها عمن يشاء. وتاليا لا يعذب أحدا بوصفه سنيا، ولكن دائما بوصفه الآخر أي الكافر.

صفة الكافر واسعة عند هذا التنظيم وتضم، إضافة إلى الشيعة والمسيحيين، السنة الذين لا ينتمون إلى مجاله وعقيدته، وبذلك يكون الحلف بين داعش وإيران وحزب الله في ما يخص ضرورة القضاء على ما يسمى بالإسلام المعتدل شديد الوضوح.

هكذا فإن داعش يمثل الانتقام السني من الشيعة والمسيحيين ومن الدولة التي تعذبهم رسميا، حيث يتمثل هذا المعطى لبنانيا في منح داعش رمزية الدولة المنتقمة من تيار المستقبل وفرع المعلومات ونهاد المشنوق وأشرف ريفي، إضافة إلى الشيعة والمسيحيين.

دولة داعش هي الدولة السنية البديلة لتلك التي شاهدناها ترجو الجلاد أن يرحمها. هي ليست دولة الانتقام بل دولة للانتقام، بمعنى أن الانتقام ليس مشروعا يمكن تحقيقه ثم يتم الالتفات إلى سواه، بل هو شكل عيش يناط به رسم الخرائط وتحديد المصائر.

كاتب لبناني

8