كريستيان لاكروا يروي عبر تصميمات للمسرح حكايته مع الأزياء والفن

مولان (فرنسا) – كريستيان لاكروا اسم يصعب تقليده أو تكراره في عالم تصميم الأزياء، فهو لا يصمم الملابس لارتدائها فقط بل يقتبسها من التاريخ والفنون ويرفع شعار أن “كل زي يجب أن يكون رواية، أو على الأقل مشهدا من رواية.”
كان المصمم الشهير ينظر إلى تصميم الأزياء كمسرح متنقل، حيث قال في أحد لقاءاته “الملابس ليست فقط لستر الجسد، بل لتحكي قصة.” وهو معروف بأسلوبه الباروكي والغني بالتفاصيل، ويحب المزج بين تأثيرات من العصور الوسطى والباروك، والأزياء الإقليمية التقليدية (خاصة من الجنوب الفرنسي وإسبانيا)، والأقمشة الفاخرة والتطريزات والكورسيهات.
وبعد أعوام طويلة أمضاها لاكروا في عالم ملابس الهوت كوتور الراقية، كرّس المصمم الشهير نفسه أخيرا، وهو في الثالثة والسبعين، لما يصفه بأنه مهنته الحقيقية، وهي الأزياء المسرحية، ناقلا إلى الخشبة أسلوبه المتأثر بتاريخ الموضة والفولكلور والرسم.
وقال المصمم الفرنسي في حديث لوكالة فرانس برس في المركز الوطني للأزياء والمسرح في مولان (وسط فرنسا)، حيث افتُتِح معرض لأعماله الممتدة على مدى السنوات العشرين المنقضية، “عندما كنت طفلا، كنت أفكر في أزياء الممثلين، كنت أفكر في السينما، كنت أفكر في المسرح.”
وكتب لاكروا على لوحة عند مدخل هذا المعرض الذي يستمر إلى يناير 2026 “قبل أن تنحرف مسيرتي في اتجاه آخر لنحو 30 عاما، من 1981 إلى 2009، من خلال الهوت كوتور، حلمت وتخيلت وأردت دائما أن أصبح مصمم أزياء للعروض الأدائية.”
وقبل أن يؤسس داره للأزياء عام 1987، كان كريستيان لاكروا شغوفا بتاريخ ملابس الممثلين، وعمل خلف الكواليس في ورش العمل المسرحية والأوبرالية. وقال عن ذلك “خلطت الاثنين، ولم أعرف أيهما أختار.”
وكان لنشأة لاكروا في مدينة آرل تأثير كبير على شخصيته، فهي مدينة ذات طابع ثقافي وتاريخي غني، وكان لهذا تأثير كبير على ذائقته الفنية. منذ صغره، كان مفتونًا بالتاريخ والفن والأزياء التقليدية. التحق بجامعة مونبلييه لدراسة الأدب، ثم ذهب إلى باريس لدراسة تاريخ الفن في مدرسة اللوفر، بعد ذلك اتجه نحو تصميم الأزياء.
أطلق أول مجموعة أزياء “هوت كوتور” في عام 1987 وكانت مليئة بالألوان والطباعات الباروكية والكورسيهات المستوحاة من العصور الماضية، ما جعله محط الأنظار فورًا.
ومع أنه حصل مرتين على جائزة الكشتبان الذهبي المرموقة التي تُمنح لمصممي الهوت كوتور، في عامي 1986 و1988، شعر بأن هذا المجال ليس مكانه. وقال “لم تكن الملابس تثير اهتمامي كفني، ولم أكن أرغب في الخياطة، أنا لست مصمم أزياء حقيقيا في الواقع.”
وفاز لاكروا عام 1995 بجائزة موليير في الاحتفال الأبرز في فرنسا بالجوائز المسرحية، عن أزياء الممثلين التي صممها لمسرحية “فيدر”، ثم أتبعها بجائزة أخرى عام 2006 عن تلك التي ابتكرها لمسرحية “سيرانو دو بيرجوراك”، وكلتاهما لحساب مسرح “لا كوميدي فرانسيز” في باريس.
ونيله الجائزة أثار في نفسه “شعورا بالفخر الشخصي” وقال لنفسه “إذا التقيت بالطفل الذي كنتَه (…) في الشارع، فستتمكن من النظر في عينيه.”
واعتزل كريستيان لاكروا تصميم الهوت كوتور عام 2009 بعد النكسات المالية لداره التي باعها، وانصرف مذّاك إلى أزياء الخشبة. وعلّق على هذا التحوّل قائلا “نعم، إنها مهنتي الحقيقية!”
وبات في رصيد لاكروا المسرحي اليوم أكثر من مئة إنتاج، لحساب أهم مسارح العاصمة الفرنسية، وفي مقدّمها “لا كوميدي فرانسيز”، إضافة إلى “بوف دو نور” و”أوبرا غارنييه” و”أوبرا كوميك” و”لو تياتر دي شانزليزيه”.
ومعرض “كريستيان لاكروا آن سين” هو الثالث الذي يخصصه له المركز الوطني الفرنسي للفنون الجميلة، وهو رئيسه الفخري. وتعكس صالات المعرض اهتمامه بتاريخ أزياء الخشبة، إذ تتوالى بحسب الترتيب الزمني، من عصر النهضة إلى نهاية القرن التاسع عشر.
ويميّز التول والتفتا والترتر والتطريز والكشكشة والزهور ملابس الممثلين، وأحيانا تكون مصنوعة من عناصر من الإنتاجات القديمة. وشرح لاكروا أنه يحب “فكرة عودة زي من الماضي، وأن يكون مفيدا مجددا.”
وشرح لاكروا انجذابه إلى المسرح قائلا إنه “نابع من خوف من الحياة الحقيقية،” واعتبر أن “العمل استنادا إلى الرسم والفن والأدب” يشكّل “حصنا” في فترة “تتبدد فيها مُثُل” مراهقته.
وأكثر ما يقلقه “انقراض الثقافة” و”خطابات نائب الرئيس الأميركي” جاي دي فانس أو الرئيس دونالد ترامب و”الطريقة التي تتم بها مقاربة العالم والإنسانوية،” والأخبار الكاذبة والذكاء الاصطناعي.
وفي عام 2025 تُعرض على خشبات فرنسية مسرحيات وعروض أوبرا عدة صمّم أزياءها، ومن بينها “لا فيّ دو ريجيمان” في “أوبرا رويال” في فرساي، و”فوست” في “أوبرا ليل” و”لو فيسّو فانتوم” في دار “كابيتول” للأوبرا في مدينة تولوز.
وقال “أعتقد أن العرّابات الساحرات والملائكة الحارسة هن اللاتي أوصلنني إلى هذه النقطة التي جعلتني أحقق مشاريعي وتخيلاتي تقريبا.” وأضاف “في بعض الأحيان أسأل نفسي، ما هو الحلم الذي يمكنني أن أحققه الآن؟”