"كريستال أفريقي" بحث عن الأموال العراقية المنهوبة في أفريقيا

لندن - تتخذ رواية “كريستال أفريقي” للكاتب والروائي الكردي السوري هيثم حسين من القارة الأفريقية مسرحا لأحداثها، حيث تتشابك قصص الشخصيات في إطار درامي مشوق يجمع بين الواقعي والسحري، وتطرح أسئلة وجودية عميقة عن الطموح والهوية والانتماء في عالم مضطرب.
تسرد رواية “كريستال أفريقي”، الصادرة حديثا عن دار عرب للنشر والترجمة في لندن، حكاية صحافي كردي بريطاني مستقل يتحول إلى مغامر ومهرب، يرتحل إلى قلب القارة الأفريقية في محاولة محفوفة بالمخاطر لاسترداد أموال مفقودة تابعة لمسؤولين عراقيين سابقين.
تبدأ القصة بمكالمة هاتفية غامضة تغير مسار حياته، حيث يعرض عليه دور غير مألوف يستغل خبرته السابقة في الصحافة والإعلام ليصبح وسيطا في عملية محفوفة بالريبة والشك.
تبرز في الرواية جدلية الهوية والانتماء كموضوع مركزي. من خلال شخصية الراوي، الذي يخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر، تتضح الرغبة في الهروب من الماضي وفي الوقت نفسه السعي لاكتشاف الذات. هذه الثنائية تجسد صراع الإنسان بين جذوره وأحلامه، بين انتمائه وتجربته في عالم أوسع.
الأموال العراقية المنهوبة تشكل محورا سرديا رئيسيا في الرواية، لكنها تتجاوز كونها مجرد أموال إلى رمز للطمع البشري والانحراف الأخلاقي. الربط بين الكريستال النقي وبين هذه الأموال الملوثة يخلق مفارقة فلسفية، فالكريستال يصور في الرواية كرمز للنقاء المفقود، في حين أن الأموال العراقية المنهوبة تمثل الفساد المستشري. هذا التناقض يثير تساؤلات عميقة حول كيف أن الجشع الإنساني يفسد كل ما هو نقي، سواء كان ذلك الثروات الطبيعية في أفريقيا أو المبادئ الإنسانية التي كان يجب أن تحكم إدارة تلك الأموال.
الأموال المنهوبة تظهر كعنصر مغر يجذب الشخصيات إلى رحلة البحث والمغامرة. لكنها في الوقت ذاته تجسد وهما يستهلك الشخصيات ويضعها في مواجهة مع أنفسها. الكريستال، على النقيض، يرمز إلى الأحلام النقية التي تبدو مستحيلة في ظل عالم يسوده الاستغلال. هذا الربط يسلط الضوء على التناقض بين القيم المثالية والواقع المشوه.
الحلم الكردي الأفريقي هو واحد من المحاور الرمزية المهمة في رواية “كريستال أفريقي”، حيث يقدم الكاتب رؤية متداخلة تجمع بين الهوية الكردية والقارة الأفريقية في إطار البحث عن الحرية والعدالة. من خلال الحكاية، ينكشف الحلم الكردي كمرآة للتجربة الإنسانية التي تعاني من القهر والشتات، ويتجسد في الرواية عبر رحلة البحث عن الذات والتمسك بالأمل في بيئة مليئة بالتحديات.
وتربط الرواية بين مصير الأكراد في الشتات وظروف القارة الأفريقية، حيث يقدم حلم التواصل مع أفريقيا كفرصة لتجاوز المعاناة المشتركة بين الشعوب المقهورة. الشخصيات الكردية، خاصة البطل، تسعى في عمق أفريقيا لإيجاد معنى جديد للوجود، وتحاول الهروب من القيود التي فرضتها الجغرافيا والسياسة في مناطقها الأصلية.
وتسرد الرواية تفاصيل عن وجود عدد صغير من الأكراد مروا بأفريقيا أو استقروا فيها في ظل ظروف غامضة. هؤلاء الأكراد يحملون قصصا عن النفي القسري، ويمثلون نموذجا للشتات الكردي الذي وجد موطئ قدم في بيئات بعيدة وغير متوقعة، ما يعزز فكرة ارتباط الحلم/ الوجود الكردي بأفريقيا كفضاء للتجدد والتواصل.
وتتعدد الشخصيات في “كريستال أفريقي”، حيث يقدم هيثم حسين لوحة إنسانية متشابكة تتناغم مع أبعاد الرواية الفلسفية. البطل، الذي يجسد تناقضات الإنسان بين المثقف المغامر والمضطر إلى مواجهة قسوة الحياة، يسير في خط سردي متشابك مع شخصيات أخرى كميديت، رفيقته الذكية والحالمة، وآلن، الشخصية العملية التي تثير تساؤلات حول الخيارات الأخلاقية في مواجهة الصراعات.
الشخصيات الثانوية في الرواية تلعب دورا محوريا في تعميق النص، بدءا من المترجم العراقي؛ المسؤول السابق الفاسد الذي يدفع بالأحداث إلى سكان أفريقيا المحليين الذين يعكسون تنوع القارة بين السحر والواقع.
وتطرح الرواية تساؤلات فلسفية عن الوجود والطموح والحدود الأخلاقية. وتشكل مسرحا لصراع داخلي وخارجي، حيث يصبح المال رمزا للطمع الإنساني ومحركا للأحداث، لكنه في ذات الوقت يقود الشخصيات إلى مواجهات مع حقيقتها.
يشار إلى أن لوحة الغلاف هي للفنان التشكيلي الكردي السوري خضر عبدالكريم، والرواية تقع في 234 صفحة من القطع الوسط.
وهيثم حسين هو روائي كردي سوري، من مواليد عامودا 1978، مقيم في لندن، وعضو جمعية المؤلفين في بريطانيا، مؤسس ومدير موقع الرواية نت. ترجمت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والتشيكية والكردية.
من أعماله الروائية والنقدية: “آرام سليل الأوجاع المكابرة”، “رهائن الخطيئة”، “إبرة الرعب”، “عشبة ضارة في الفردوس”، “قد لا يبقى أحد”، “العنصري في غربته”، “الرواية بين التلغيم والتلغيز”، “الرواية والحياة”، “الروائي يقرع طبول الحرب”، “الشخصية الروائية.. مسبار الكشف والانطلاق”، “لماذا يجب أن تكون روائيا؟”.