كركشنجي دبح كبشو

عدوية رحل مع نهاية العام 2024 تاركا وراءه رصيدا كبيرا من الأغاني التي ستبقى راسخة بذاكرة المصريين والعرب.
الأحد 2025/01/05
فنان لا يموت بفنه الراسخ

من الأغاني الطريفة للفنان الراحل أحمد عدوية أغنية "كركشنجي" التي تقول كلماتها: "كركشنجى دبح كبشه/يا محلى مرقة لحم كبشه / سبع سلاطين استسلطناهم من عند المستسلطنين / تقدر يا مسلطن يا مستسلطن تستسلطن لنا سبع سلاطين/ زي ما استسلطناهم من عند المستسلطنين."

و"كركشنجي" هو الرجل الطيب أو الدرويش الذي يحمل صباح كل يوم مبخرته ويتنقل بين المحال التجارية لتبخيرها وإبعاد التأثيرات السلبية للحسد والعين عنها وعن أصحابها، مقابل بعض المبالغ المالية البسيطة التي يقدمها له أصحاب الخير ويعود بها إلى بيته وأسرته .

وبحسب قصة الأغنية فإن الكركشنجي كان محبوبا من أهل الحي الذين قرروا أن يساعدوه على شراء خروف العيد، فجمعوا له المبلغ الذي لم يكن يتجاوز سبع جنيهات، ولأن البعض كان يطلق على الجنيه اسم اللحلوح، فقد جاء في الكلمات: "سبع لحاليح استلحلحناهم من عند المستلحلحين / تقدر يا ملحلح يا مستلحلح تستلحلح لنا سبع لحاليح/ زي ما استلحلحناهم من عند المستلحلحين."

وصبيحة العيد  كان العم كركشنجي يحاول ذبح الأضحية دون جدوى باعتباره غير معتاد على ذلك ما جعله عاجزا عن السيطرة على الخروف الذي أفلت من بين يديه وهرب منه راكضا في الشارع، وهو ما صورته الأغنية بكلمات في منتهى المحلية: "عكشه.. فركش/نكشه.. طنش/ألشه.. إئلش" ترددت على ألسنة الأطفال وهم يتجمهرون في الشارع ليغنوا بصوت عال: "كركشنجي دبح كبشو."

وأغنية "كركشنجي" هذه من كلمات الشاعر الكبير مأمون الشناوي الذي كتب لأبرز نجوم الطرب من بداية الأربعينات إلى ثمانينات القرن الماضي، مثل أم كلثوم التي غنت له "أنساك يا سلام" 1961، "كل ليلة وكل يوم" 1964، "بعيد عنك" 1965، وجميعها من ألحان بليغ حمدي، وأغنية "ودارت الأيام" 1970 لحن محمد عبدالوهاب الذي كانت له معه مجموعة أغان من بينها "أنت وعزولي وزماني" و"انسى الدنيا"، و"آه منك يا جارحني"، و"كل ده كان ليه"، و"من قد إيه كنا هنا."

وكتب مأمون الشناوي عددا من أجمل أغاني فريد الأطرش مثل "حبيب العمر"، "بنادي عليك"، "أول همسة"، "الربيع"، "حكاية غرامي"، "خليها على الله"، "سافر مع السلامة"، "نجوم الليل"، ولعبدالحليم حافظ "أنا لك على طول"، "عشانك يا قمر"، "نعم يا حبيبي نعم"، "في يوم من الأيام"، "كفاية نورك"، "حلو وكداب" وغيرها.

ولكن كل ذلك الثراء في التجربة مع الكبار، لم يمنع مأمون الشناوي من التعامل مع أحمد عدوية، حيث التقى معه في إحدى مقاهي الإسكندرية في العام 1968، وكان معجبا بصوته،

فروى له القصة وقدم له الكلمات التي لحنها الفنان حسن أبوالسعود وتم إنتاجها في العام 1969، وانتشرت على نطاق واسع دون أن يعلم أغلب الناس المعاني التي تختزنها أو بالحكاية التي تقف وراءها .

رحل عدوية مع نهاية العام 2024 تاركا وراءه رصيدا كبيرا من الأغاني التي ستبقى راسخة في ذاكرة المصريين والعرب، والتي لا يمكن فصلها عن طبيعة وخصوصيات المرحلة التاريخية التي ظهرت فيها بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية. فالأغنية في جانب كبير منها هي توثيق لواقع وتأريخ لمرحلة.

18