كردستان العراق يواجه شبح النزوح بسبب التصحر المتفاقم

محافظ السليمانية يرى الإقليم قادرا على دور محوري في معالجة الأزمة البيئية بفضل مساحاته الخضراء ووعي المجتمع، لكن الدعم الاتحادي والإقليمي ضروري لتحقيق ذلك.
الأحد 2025/04/20
الجنة الخضراء مهددة بالتصحر

السليمانية (كردستان العراق) - يواجه إقليم كردستان العراق، الذي طالما أسَرَ الألباب بجماله الطبيعي الأخاذ وجباله الشاهقة ومساحاته الخضراء وأراضيه الخصبة، خطرا وجوديا متصاعدا يتمثل في التصحر والجفاف الحاد.

وهذه الأزمة، التي تلوح في الأفق كنتيجة حتمية لتغير المناخ والاحتباس الحراري، وتفاقمت بفعل سياسات مائية إقليمية مجحفة، تنذر بموجات نزوح جماعي قد تعصف باستقرار الإقليم وهويته.

وكما هو الحال في دول المنطقة، يشهد الإقليم الكردي شبه المستقل تراجعا حادا في معدلات هطول الأمطار، مما أدى إلى انخفاض غير مسبوق في مناسيب مصادر المياه وتقلص المساحات الخضراء التي كانت سمة مميزة لطبيعته الخلابة.

وتشير البيانات الرسمية إلى انخفاض معدل الأمطار إلى 600 ملم سنوياً، وهو الأدنى منذ عقود، بعد أن كانت تتراوح بين 600 و1300 ملم سنوياً.

وتعتمد أربيل، عاصمة الإقليم، بشكل أساسي على الآبار الارتوازية لتأمين أكثر من 65 بالمئة من احتياجاتها من المياه الصالحة للشرب. وقد وصل الأمر إلى جفاف نحو 200 بئر وانخفاض مستوى المياه الجوفية إلى 60 متراً على الأقل، وفق ما أعلنت السلطات المحلية في يوليو الماضي.

وتؤكد مديرية الموارد المائية على حفر أكثر من 49 ألف بئر في الإقليم، نصفها تقريبا غير مرخص ومخالف للشروط، مما يزيد من الضغط على المخزون المائي الجوفي المحدود.

وفي السليمانية، حذرت إدارة السدود من انخفاض حاد وغير مسبوق في مناسيب المياه مقارنة بالعام الماضي. فقد سجل سد دربنديخان انخفاضا بأكثر من 7 أمتار، وسد دوكان 8 أمتار، نتيجة لشح الأمطار وقطع إيران لمياه نهر سيروان الذي يغذي سد دربنديخان بنحو 75 بالمئة.

وأطلق محافظ السليمانية هافال أبوبكر اليوم الأحد ناقوس الخطر، مؤكدا أن العراق يُعد رابع دولة عالميا في مواجهة مخاطر التصحر والتلوث، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة تمثل تحديا خطيرا لجميع مناطق البلاد، إلا أن السليمانية وإقليم كردستان يمتلكان فرصة للتحول إلى جزء من الحل لهذه الأزمة البيئية.

وأكد أبوبكر خلال مؤتمر صحافي أنه إذا لم تُعالج مشكلات التصحر والتلوث بصورة علمية، فمن المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة موجات هجرة من محافظات الوسط والجنوب باتجاه مناطق إقليم كردستان، مما قد يؤدي إلى تغييرات ديموغرافية وجغرافية، تنعكس سلبا على سوق العمل وقد تتسبب باندلاع صراعات كما حدث في مناطق أخرى من العالم.

وتطرق المحافظ إلى ملف الأمطار هذا العام، مشيرا إلى أن كمية الأمطار لم تتجاوز نصف كمية العام الماضي، إلا أنه اعتبر أن هذه النسبة لا تمثل خطرًا على التصحر في السليمانية، إذ أن التصحر لا يُقاس بسنة واحدة فقط.

ولطالما تمتع كردستان بوفرة مائية نسبية مقارنة ببقية مناطق العراق، مما ساهم في ازدهار زراعته وسياحته، لكن التغيرات المناخية وسياسات دول الجوار بدأت تقوض هذه الميزة.

فقد أدى التصحر إلى تدهور الغطاء النباتي وزيادة العواصف الترابية، بينما يهدد نقص المياه الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي. كما أن جفاف المناظر الطبيعية يضر بالقطاع السياحي الحيوي، ويزيد الضغط على الموارد والبنية التحتية مع تزايد السكان واللاجئين.

وأدى الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إلى تدهور الغطاء النباتي وتصحر الأراضي، مما قد يؤثر على التنوع البيولوجي ويزيد من خطر العواصف الترابية.

ويعتمد جزء كبير من اقتصاد الإقليم على الزراعة، وتراجع مناسيب المياه يؤدي إلى نقص في مياه الري وتدهور جودة التربة، مما يهدد الأمن الغذائي وسبل عيش المزارعين.

وتعتمد السياحة في الإقليم بشكل كبير على جمال الطبيعة ووفرة المياه، إلا أن جفاف المناظر الطبيعية وتراجع مصادر المياه قد يؤثر سلباً على هذا القطاع الحيوي.

ومع تزايد عدد السكان واللاجئين في الإقليم، يضيف تراجع الموارد المائية ضغطاً إضافياً على البنية التحتية والخدمات الأساسية.

ويفاقم الأزمة شكوى العراق المستمرة من سياسات تركيا وإيران المائية، حيث أدى بناء السدود وتحويل مسارات الأنهار إلى تقليل حصص العراق المائية بشكل كبير، وتسبب قطع إيران لنهر سيروان في أضرار جسيمة لإقليم كردستان.

وأشار محافظ السليمانية إلى أن الإقليم يمتلك مقومات تجعله قادرا على لعب دور محوري في معالجة الأزمة البيئية، بفضل مساحاته الخضراء وتوفر مصادر المياه (رغم تراجعها) فضلاً عن الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على البيئة، لكنه شدد على أن تحقيق هذا الدور يتطلب دعماً من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان.

وكشف أبوبكر أن إدارة السليمانية طلبت من حكومة الإقليم تخصيص مليار وخمسمئة مليون دينار لإقامة مشاريع إيصال المياه العذبة لبعض المناطق، وقد وافقت حكومة الإقليم على تخصيص هذه المبالغ، ما سيسهم في تنفيذ المشاريع وضمان وصول المياه للمواطنين.

وبينما يبدي الإقليم استعداده للمساهمة في حل الأزمة البيئية، فإن تحقيق ذلك يتطلب دعما حقيقياً من الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، بالإضافة إلى ضرورة التوصل إلى اتفاقيات عادلة مع دول الجوار لضمان تدفق المياه بشكل مستدام. إذ أن تجاهل هذه الأزمة المتفاقمة قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة ليس فقط على إقليم كردستان، بل على عموم العراق والمنطقة.