كردستان العراق وحيدا في مواجهة تمادي إيران

يتعرض إقليم كردستان في شمال العراق لهجمات متكررة من قبل الحرس الثوري الإيراني دون أن يجد أي دعم حقيقي سواء كان من قبل السلطة المركزية في بغداد، أو من المجتمع الدولي، وسط مخاوف من أن تجد قيادة الإقليم نفسها مضطرة إلى التعايش مع هذه الاعتداءات، طالما أنها لا تستطيع التنكر لبني جلدتها، كما أنها لا تملك أدوات التأثير للجم طهران.
أربيل (العراق) - يجد إقليم كردستان نفسه وحيدا في مواجهة تمادي إيران، في ظل وجود سلطة مركزية في العراق موالية بالكامل لطهران، ومواقف دولية ضعيفة، لم تتخط ردود أفعالها على الاعتداءت الإيرانية بيانات الشجب والتنديد.
وقتل شخصان وأصيب عشرة على الأقل بجروح في سلسلة ضربات إيرانية جديدة استهدفت الاثنين مقار أحزاب كردية إيرانية معارضة تتواجد في إقليم كردستان الذي يحظى بحكم ذاتي في شمال العراق.
وتكررت الهجمات الإيرانية على مواقع لأحزاب كردية معارضة في الإقليم منذ سبتمبر الماضي، في مسعى إيراني واضح لتصدير الأزمة الداخلية المتفجرة إلى الخارج.
وتواجه إيران احتجاجات واسعة منذ أكثر من شهرين في أعقاب وفاة الشابة أميني (22 عاما) بعد ثلاثة أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لعدم التزامها بالقواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية.
وتلقي طهران بالمسؤولية في تأجيج هذه الاحتجاجات على قوى المعارضة في الخارج، ومن بينها تلك التي تتخذ من كردستان العراق مقرا لها، وأيضا على دول إقليمية وغربية، وهو تمش لطالما اعتمدته السلطة في إيران مع كل هزة داخلية.
ونقلت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية عن مصدر قوله “شنّت إيران ضربات بالطائرات المسيّرة والصواريخ مستهدفة مراكز للأحزاب الإرهابية في منطقة شمال العراق”.
وقال مسؤول بمستشفى في مدينة كوية الكردية إن شخصين قُتلا وأصيب عشرة على الأقل بجروح جراء قصف إيراني بخمسة صواريخ استهدف مقرا للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني يقع في محافظة أربيل.
وأكد بيان لوزارة صحة الإقليم في وقت سابق مقتل شخص وإصابة ثمانية بجروح جراء القصف. ويقع المقر الذي تعرض للقصف في قضاء كويسنجق، التابع لمحافظة أربيل.
وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تصاعد أعمدة الدخان الأسود في السماء بعد وقت قصير من الغارات.
مقار أحزاب كردية إيرانية معارضة تعرضت لقصف نفّذته طائرة مسيرة تزامنا مع القصف
وتزامنا مع القصف، تعرضت مقار أحزاب كردية إيرانية معارضة، بينها “كومالا” والحزب الشيوعي الإيراني، لقصف نفّذته طائرة مسيرة.
وقال عطا سقزي القيادي في حزب “كومالا” “قصفت طائرة مسيرة حوالى الثامنة صباحا مقرات أحزاب ‘كومالا’ و’الحزب الشيوعي الإيراني’ في منطقة زركويز” الواقعة شرق مدينة السليمانية.
وأكد سقزي “عدم وقوع ضحايا لأن المقرات كانت خالية، لتلقيهم نداء إنذار”. وفي إيران، أكد مصدر عسكري إيراني وقوع هجمات بـ”صواريخ وطائرات مسيرة” على “مقار جماعات إرهابية في المنطقة الشمالية من العراق”.
وقبل شهرين، شنت إيران هجمات ضد كومالا والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني اللذين لهما قواعد في كردستان العراق، على الحدود مع إيران.
وتدعو هذه الأحزاب باستمرار إلى “مظاهرات سلمية” منددة في نفس الوقت بقمع الاحتجاجات التي تشهدها الجمهورية الإسلامية.
واستنكرت بعثة الأمم المتحدة في العراق الضربات الإيرانية في تغريدة جاء فيها “ندين تجدّد الهجمات الإيرانية بالصواريخ والطائرات المسيرة على إقليم كردستان، والتي تنتهك السيادة العراقية”.
وأعربت الولايات المتحدة بدورها عن استنكارها للهجمات الإيرانية في الإقليم، وقالت السفيرة الأميركية في العراق آلينا رومانوسكي، عبر تغريدة لها على موقع تويتر، “تُدين الولايات المتحدة بشدة الهجوم بالصواريخ والمسيرات الإيرانية على إقليم كردستان العراق”، داعية إيران إلى “التوقف عن مهاجمة جارتها العراق والشعب العراقي”.
وأكدت أن بلادها ستقف مع قادة الإقليم وتدين هذه الانتهاكات للسيادة العراقية، وسط تساؤلات نشطاء أكراد عن نوعية هذا الدعم الأميركي، فيما واشنطن سمحت بسيطرة كلية للقوى الموالية لإيران على السلطة العراقية.
في نهاية سبتمبر، لقي ما لا يقل عن 14 شخصاً حتفهم وأصيب 58 آخرون بجروح، بينهم نساء وأطفال، وفقا لقوات مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان العراق، جراء استهداف مواقع أحزاب كردية إيرانية معارضة تنتقد قمع التظاهرات في إيران.
بعد تلك الضربة القاتلة، أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه سيواصل شن هجمات ضد هذه الفصائل المتواجدة في إقليم كردستان الذي تربطه علاقات متوترة مع الحكومة المركزية في بغداد، ويعتبر مسرحاً لقصف تركي متكرر يستهدف عناصر حزب العمال الكردستاني.
وتستهدف أنقرة مناطق قريبة من الحدود مع تركيا، تعتبرها قواعد خلفية للجماعة المسلحة الكردية التركية التي تصنفها أنقرة وحلفاؤها على أنها “إرهابية”.
مراقبون يرون أن تصريحات السوداني لا تعدو كونها ذر رماد على العيون
ولم تتخذ حكومة بغداد أي إجراء حاسم لوقف الهجمات التي يشنها الأتراك والإيرانيون على الإقليم.
وقال رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السودني خلال لقاء مع الصحافيين السبت ببغداد في هذا الخصوص إن حكومته يجب أن “تتخذ كل الإجراءات وفقا للسياقات القانونية الدولية”.
وأضاف “نرفض أي عدوان من أي دولة سواء كانت إيران أو تركيا”.
ويرى مراقبون أن تصريحات السوداني لا تعدو كونها ذر رماد على العيون، فالأخير وصل إلى سدة رئاسة الحكومة بضوء أخضر إيراني وأيضا بتسهيلات تركية، وما تصريحاته المنتقدة لتدخلات الطرفين سوى للتسويق الداخلي.
ويلفت المراقبون إلى أنه في غياب رد عراقي، وفي ظل ضعف الموقف الدولي حيال الاعتداءات الإيرانية المتكررة على كردستان، هناك تخوف من أن يجد الإقليم نفسه مضطرا إلى التعايش مع هذا الوضع، لعدم قدرته من جهة على التخلي عن دعم الأحزاب الكردية الإيرانية، ومن جهة ثانية لا يملك القدرة على ردع إيران.
وقال رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني الاثنين إن الإقليم لا يريد أن يشكل خطراً على دول الجوار، بل عامل استقرار في المنطقة، داعيا الحكومة العراقية إلى التحرك في مواجهة الاستهداف الإيراني المتكرر للإقليم.
وأوضح بارزاني في كلمة له خلال حفل افتتاح معهد الإبداع والتجديد بأربيل، “للأسف، تعرضت منطقة كويسنجق وبعض المناطق الحدودية للقصف، إن إقليم كردستان يريد أن يكون عاملا للاستقرار في المنطقة، وله علاقات جيدة مع جميع جيرانه، لكن يجب على الحكومة العراقية أن تضع حداً لهذه الخروقات”.