كردستان العراق تحت ضغط إيراني شديد لمنع تحوله إلى ملاذ بديل للقوات الأميركية

العلاقة المتينة القائمة بين إقليم كردستان العراق والولايات المتّحدة جعلته عرضة لضغوط سياسية واقتصادية من قبل حلفاء إيران العراقيين، قبل أن يتحوّل مؤخرا إلى ميدان حرب تشنّها الميليشيات الشيعية تحت عنوان تضامن “محور المقاومة” مع قطاع غزّة، لكنها جزء من حرب إيرانية بالوكالة هدفها منع استقرار القوات الأميركية في الإقليم.
أربيل (العراق) - تجاوزت الضغوط المسلّطة على إقليم كردستان العراق من قبل الأحزاب والفصائل العراقية المشكّلة لمعسكر الموالاة لإيران السياق السياسي والاقتصادي واكتست بعدا أمنيا من خلال الهجمات المتكرّرة التي تشنّها الميليشيات الشيعية على مواقع داخل الإقليم، الأمر الذي أثار حفيظة حكومته وزاد من توتير علاقتها بالحكومة الاتحادية برئاسة محمد شياع السوداني.
وعلى إثر هجوم شنته الميليشيات على موقع في أربيل يضم مقرّا لقوات البيشمركة الكردية اتهمت حكومة الإقليم الحكومة الاتحادية بالعجز عن ضبط الميليشيات المسؤولة عن تلك الهجمات ودفع رواتب عناصرها من المال العام في مقابل تجويع سكان الإقليم بعدم تحويل حصته من الموازنة العامّة للدولة.
ومع تكرار تلك الهجمات وجد الإقليم نفسه في خضمّ حرب تخوضها إيران بالوكالة عن طريق أذرعها العراقية المسلّحة ضدّ الولايات المتّحدة الأميركية لمنعها من تأسيس وجود راسخ لقواتها هناك بالاعتماد على صداقتها مع سلطات الإقليم المدين لواشنطن بتجربة الحكم الذاتي التي دخلها بعد الغزو الأميركي للعراق.
ووجدت إيران في حرب غزّة فرصة لتحريك ميليشياتها ضدّ ما بقي من قوات أميركية على الأراضي العراقية تحرص واشنطن على عدم مغادرتها بهدف معلن هو تقديم المشورة والمساعدة الفنية للقوات العراقية في حربها على الإرهاب، وآخر مضمر يعلمه الإيرانيون جيّدا ويتمثّل في البقاء قريبا من مناطق التحرّك الإيراني على محور طهران – بغداد – دمشق – بيروت.
وتجد إيران في الوضع السياسي والأمني القائم في العراق فرصة لخلخلة الوجود العسكري الأميركي على أراضيه، حيث لا تعوّل فقط على ميليشياتها بل تحاول الاستثمار إلى أقصى حدّ ممكن في وجود الأحزاب والفصائل الشيعية الموالية لها في سدّة الحكم ممثلة بالإطار التنسيقي المشكّل لحكومة السوداني لتنفيذ هدفها الذي بدأت بالعمل عليه منذ مقتل قائد حرسها الثوري قاسم سليماني في ضربة جوية قرب مطار بغداد الدولي قبل أربع سنوات.
واستأنفت الأحزاب والفصائل الشيعية النافذة مؤخّرا مطالبتها بإخراج القوات الأميركية من العراق فيما اضطر رئيس الحكومة إلى مسايرتها.
وتثير حكومة إقليم كردستان العراق حنق إيران وحلفائها العراقيين بالعلاقة المتينة التي تربطها مع الولايات المتّحدة التي قد تجد في أراضي الإقليم البعيدة نسبيا عن دائرة تحرّك الميليشيات الشيعية ملاذا مناسبا لقواتها في حال اضطرت إلى الانسحاب من باقي القواعد الموجودة في أنحاء أخرى من العراق.
ويقول خبراء عسكريون إنّ احتفاظ الولايات المتّحدة بقوات في إقليم كردستان دون موافقة بغداد أمر وارد نظرا لأن الأخيرة لا تملك خيارات لإخراجها عنوة بدليل عجزها عن طرد القوات التركية التي أقامت لها قواعد على أراضي العراق دون تنسيق مع حكومته وما تزال تحتفظ بها بل تعمل على دعمها وفق ما أعلنه مؤخّرا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وعلى هذه الخلفية يتهم مسؤولون في حكومة الإقليم أحزابا وفصائل شيعية مشاركة في تشكيل حكومة السوداني بتسليط ضغوط اقتصادية ومالية وأمنية على إقليمهم بهدف إضعافه وخلخلة استقراره.
اقرأ أيضاً:
وقال المتحدث باسم حكومة الإقليم بيشوا هورماني إنّ الحكومة الاتحادية “صامتة وعاجزة أمام المجاميع الخارجة عن القانون التي يتم تمويلها بالرواتب وتسليحها من قبل الحكومة الاتحادية وهي تتحرّك أمامها وتنقل الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيّرة وتنفّذ هجمات إرهابية على مؤسسات رسمية وعسكرية. لكن الحكومة ذاتها تجد ما يكفي من الشجاعة لقطع قوت شعب كردستان، فيما يتم تمويل هذه المجاميع بنفس تلك الأموال”.
وحذر هورماني من أنّ “الهجوم الإرهابي الذي نفذته قوة خارجة عن القانون على مقر للبيشمركة يعد أمرا خطيرا وإيذانا بالحرب”.
كما أدان رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني الهجوم وكتب في حسابه بمنصة إكس “يجب على الحكومة الاتحادية أن تنظر إلى أي هجوم على إقليم كردستان على أنه هجوم على العراق بأكمله، وأن تتصدى له بالإجراء المناسب. فالتقاعس المستمر سيشجع هؤلاء الجناة على مواصلة ارتكاب جرائمهم”، مضيفا قوله “هؤلاء يستغلون أموال الدولة وأسلحتها لمهاجمة إقليم كردستان وزعزعة استقرار البلاد بأسرها مما يعرضها لخطر إعادة اشتعال الصراع في بلد شهد ما يكفي من سفك الدماء”.
وردّت الحكومة العراقية بالقول عبر متحدّثها باسم العوداي إنّ تصريح المتحدّث الكردي “تضمن شتى الاتهامات غير الواقعية وغير المسؤولة لما ورد فيه من خلط لمعلومات مضللة وأكاذيب باطلة، وخصوصا الادعاء بتجويع المواطنين”.
ورغم ما أثاره الهجوم المذكور من توتّر، جدّدت الميليشيات، الثلاثاء، استهدافها لمواقع داخل الإقليم، بحسب ما أعلنه مصدر أمني قال إن طائرة مسيرة مسلحة أُسقطت فوق مطار أربيل حيث تتمركز قوات أميركية ودولية.
وتعليقا على هذه الهجمات، قال العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي ناصر هركي إنّه “لا يوجد مبرر لهجمات الجماعات المسلحة على إقليم كردستان”، مؤكّدا أن “الجماعات الخارجة عن القانون التي تهاجم الإقليم غالبا ما يتم التعرف عليها خلال التحقيق لكن الحكومة العراقية لا تتمكن من اعتقالها”.
وردّد هركي موقف حكومة الإقليم قائلا في تصريحات صحفية “العراق بلد ميليشيات مستعد لقطع رواتب موظفي إقليم دستوري لكنه في المقابل يخصص ميزانية ضخمة للجماعات المسلحة التي تخالف القانون وتهاجم إقليم كردستان بالمسيرات”.
ومن جهته طالب مريوان قرني، نائب رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي، حكومة السوداني بأن تجد “حلا لتلك المجموعات المسلحة”، مشيرا إلى أنّ “الحزب ليس مع تأزيم الأوضاع في العراق لكنّه لا يقبل بمحاولات إضعاف إقليم كردستان”.
وأضاف في تصريحات لموقع كردستان “أربع وعشرون”، “نحن في الحزب الديمقراطي ركزنا دائما على التعايش والسلام، وكنا دائما مع حل المشاكل من خلال تطبيق الدستور العراقي، ولم نكن معنيين أبدا بتعقيد الأوضاع في العراق، لكننا لا نقبل بأي شكل من الأشكال أن تتسبب بعض الأطراف بإضعاف إقليم كردستان”، مؤكّدا أنّه يتم “دعم الجماعات المخالفة للقانون من داخل الحكومة العراقية ويتم تخصيص تمويلات لها”.
كما اعتبر أنّ “الحكومة العراقية تعرف جيدا من هي هذه المجموعات الميليشياوية ولمن تعمل، وهي على علم بكل تحركاتها”.