كرة القدم الأخرى

بين الهزيمة الوطنية المؤدية للسجون الوطنية، والانتصار الوطني المفضي إلى الأمجاد والأموال والشهرة، صافرة حكم أو خطأ لاعب أو سوء تقدير أو كلاهما.
الثلاثاء 2018/11/06
اللعبة التي اقتحمت كل بيوت العالم

احتفل الإنكليز بذكرى تأسيس نادي شيفيلد، أقدم ناد لكرة القدم في العالم، الذي أنشئ يوم 24 أكتوبر 1857. خلوّ المناسبة من الضجيج الإعلامي لم يحُلْ دون طرح أسئلة كثيرة؛ من نوع ما شكل العالم من دون اللعبة التي اقتحمت كل بيوت العالم، وإن احتكرتها شركات تسعى إلى مقايضة المتعة والشغف بمقابل مالي غير زهيد.

اللعبة التي ظهرت في إنكلترا، والتي قالت عنها شعوب أخرى أنها استنساخ للعب قديمة، لم يفعل الإنكليز سوى أن طوّروها وزوّدوها بقوانين كثيرة وقواعد شتى، ازدهرت لدى الشعوب الفقيرة التي كانت تجيد الرقص أيضا، وفي اللعبة ضروب كثيرة من الرقص؛ تبدأ من جمال الحركات ولا تنتهي عند الاحتفال بتسجيل الأهداف.

كرة القدم الجميلة التي برع فيها البرازيليون وحوّلوها إلى رقصة كبرى وشغف وطني، ترسم لنفسها خطا موازيا للتاريخ، أو هي تختط لنفسها تاريخا يسير تماما جنب التاريخ الرسمي، ولذلك اقتحمتها السياسة والأموال والدعاية والأيديولوجيا والإعلام وظلت مجال توظيف واستعمال وركوب وحتى مراوغة وتسديد بقدر ما توفره اللعبة من جماليات.

في الهوامش المتعلقة بكرة القدم، تذكر الروايات أن معمر القذافي منع معلقي مباريات الكرة في ليبيا من نطق أسماء اللاعبين خوفا من شهرتهم، وكان يتم الاكتفاء بأرقام اللاعبين، مضافا إليها وصف من قبيل “حارسنا العربي الليبي”، فضلا عن اعتبار “مدرجات الملاعب العامة معدة أصلاً للحيلولة دون الجماهير والميادين والملاعب، أي لكي تمنع الجماهير من الوصول إلى ميادين الرياضة..”. وفي الروايات أيضا أن الرئيس الإيفواري الأسبق، روبرت غوي، أمر باعتقال كامل منتخب كرة القدم، الذي فشل في الترشح للدور الثاني لكأس أفريقيا للعام 2000، وكانت تعلّق على الفريق آمال وطنية كثيرة، مثلما علّق عليه الرئيس أخطاءه التنموية الكثيرة. وقدم الأمر على أن الهزيمة تمثل خدشا للكرامة الوطنية المهدورة على عشب ملعب أكرا.

بين الهزيمة الوطنية المؤدية للسجون الوطنية، والانتصار الوطني المفضي إلى الأمجاد والأموال والشهرة، صافرة حكم أو خطأ لاعب أو سوء تقدير أو كلاهما.

أفيون ابتدعه الإنكليز واستجلب الناس بالآلاف إلى مدارج يمقتها القذافي، وأجبر ملايين المتابعين على المرابطة في البيوت لمتابعة كلاسيكو الأرض في إجراء لم تتوصل إلى صنعه كل نساء الدنيا، تتقاذفه اليوم شركات الدعاية والقنوات التلفزيونية، ويلتقطُ نتائجه الرؤساء بحثا عن فرحة معوّضة لبؤس جماعي، والفارق بين نتيجة وأخرى، قد تصنعه صافرة حكم لا تبقي أملا ولا تذر انتظارات وطنية.

24