كثرة رسوم التوريد تخنق التجار المُنهكين في غزة

أصحاب الأعمال في معركة مفتوحة مع حكومة حماس لإلغاء الضرائب الإضافية.
الاثنين 2023/05/01
يا له من جهد أن تبقى على قيد الحياة

يواجه التجار المنهكون في غزة فترة قاسية بعدما حوصروا بالصعوبات التي فاقمتها حكومة حماس التي أرهقت كاهلهم بكثرة الضرائب المفروضة على التوريد، وسط محاولات مضنية من أصحاب الأعمال لإيقاف هذه التيار عبر الضغط من بوابة الإضراب واللجوء إلى القضاء.

غزة - يشتكي التجار الفلسطينيون في غزة من ركود تجاري خانق قد يتفاقم في أسواق القطاع بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة في أعقاب استمرار تشديد حكومة حماس إجراءات استيراد السلع والبضائع دون مراعاة للحالة الاقتصادية لأصحاب الأعمال والمستهلكين.

ويعتبر التجار والمستوردون وحتى السكان العاديون أن ما تشهده غزة يمثل حربا تستهدف إنهاك ما تبقى من اقتصادها العليل أصلا عبر تضييق إدخال السلع وخاصة الاستهلاكية والمتعلقة بالقطاع الصناعي وكذلك عرقلة إدخال المواد الخام بشكل غير مباشر.

مازن العجلة: الضرائب غير قانونية وهي تعكس عدم المهنية والابتزاز
مازن العجلة: الضرائب غير قانونية وهي تعكس عدم المهنية والابتزاز

وعندما أعلنت حكومة القطاع الصيف الماضي ضرائب جديدة على بعض الصادرات والواردات، لجأ التجار إلى الإضراب والقضاء ضمن إجراءات قانونية نادرة الحدوث احتجاجا على القرارات التي اعتبروها “غير عادلة”.

وزادت الحكومة في يوليو الماضي قيمة رسوم الاستيراد على قائمة تضم نحو 24 سلعة غذائية من بينها حليب الأطفال والمياه المعدنية وغيرها، إلى جانب رسوم إضافية على سراويل الجينز.

وعلى الفور زادت قيمة رسوم استيراد حليب الأطفال أربعة أضعاف للطن الواحد، و15 ضعفا بالنسبة إلى المياه المعدنية المستوردة، وطال القرار أيضا الزعتر المستورد من الضفة الغربية، الذي زاد رسم استيراده عشرة أضعاف.

وشكلت هذه القرارات ضغوطا إضافية على سكان غزة الذين يعانون أصلا من نسبة فقر مرتفعة وتداعيات حصار تفرضه إسرائيل منذ عقد ونصف العقد.

ويقول الخبير الاقتصادي مازن العجلة لوكالة الصحافة الفرنسية إن الرسوم المفروضة “غير قانونية”.

وأشار إلى أن الحكومة في غزة اعتمدت على “التقدير الجزافي لتحديد قيمة هذه الرسوم، وتقوم بالتفاوض عليها مع التاجر وهذا يعكس عدم المهنية والابتزاز”.

ودخلت الإجراءات الضريبية حيز التنفيذ في أغسطس 2022، وأُجبر التجار على دفع قيمة رسوم جديدة للإفراج عن بضائعهم التي حجزتها حكومة حماس في مخازن معبر كرم أبوسالم التجاري في جنوب القطاع، بحسب ما أكد عدد منهم.

وفي أكتوبر الماضي، توجه أكثر من 40 تاجرا في غزة إلى القضاء، في خطوة هي الأولى في هذا المجال، لتعطيل تنفيذ الإجراءات الضريبية الجديدة التي اعتبروا أنها “غير عادلة وتضر بمصالحهم”.

وجاء رد القضاء بتجميد تنفيذ هذه الزيادات لحين البت في القضايا المرفوعة، لكن ذلك لم يمنع زيادة أسعار العديد من المنتجات في السوق المحلي.

ركود تجاري خانق
ركود تجاري خانق

وأثارت الحكومة الإسلامية التي تسيطر على غزة منذ 2007 جدلا مجددا في مارس الماضي بعد فرضها ضرائب جديدة على تصدير الأسماك من القطاع وعلى الفواكه المستوردة.

وزادت على الإثر أسعار بعض أنواع حليب الأطفال من شيكل واحد (0.27 سنتا) إلى تسعة شواكل (2.47 دولارا) للعلبة الواحدة، على ما أكد أصحاب صيدليات في غزة.

وأشار أحد الصيادلة في حديثه مع وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن “الأسعار تشهد زيادة عالمية ولا تحتمل زيادة في الرسوم هنا”.

ويعتمد اقتصاد غزة وأسواقها بشكل رئيسي على رواتب الموظفين البالغ عددهم نحو 58 ألف موظف مدني وعسكري، يضاف إليهم 40 ألف موظف عينتهم حماس بعد الانقسام.

وبالنسبة إلى الأسماك، يستورد قطاع غزة المطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط نحو 120 طنا من السمك من مصر شهريا، بينما يسمح لتجار القطاع بتصدير 60 طنا شهريا إلى الضفة الغربية وإسرائيل، بحسب مسؤول في نقابة الصيادين.

أسامة نوفل: الرسوم ليست بهدف الجباية، بل لدعم المنتجات المحلية
أسامة نوفل: الرسوم ليست بهدف الجباية، بل لدعم المنتجات المحلية

ويقول تاجر أسماك، فضل عدم الكشف عن هويته “كنا في السابق ندفع شيكلا واحدا ضريبة لكل كيلوغرام سمك نستورده من مصر عبر بوابة صلاح الدين (الحدودية مع مصر)، وبحسب الضريبة الجديدة سندفع 5 شواكل لكل كيلو نستورده من مصر”.

ودفع إضراب نفذه التجار استمر أسبوعين، الحكومة إلى التراجع عن قرار الضريبة الجديدة المفروضة على الفواكه، بحسب عدد من كبار التجار.

ويرى وسيم الحلو مالك شركة استيراد وتصدير مواد الغذائية “الأصل في القانون ألا ندفع أي رسوم لأننا ندفع الضرائب في الموانئ الإسرائيلية لصالح السلطة الفلسطينية”.

ويتابع “التزمنا بدفع رسوم على البضائع في غزة لسنوات أما زيادة الضرائب بهذا الشكل فغير معقول”.

ويشير الحلو وهو عضو في الغرفة التجارية، إلى أن قيمة الرسوم زادت “بنسبة 100 في المئة على الأقل وهذا يضر بالاقتصاد المتهالك أساسا”.

في المقابل، يقول مدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد أسامة نوفل إن الرسوم “ليست بهدف الجباية بقدر ما هي بهدف دعم المنتج المحلي وهو بالفعل ما حصل”.

ويوضح مسؤول اللجنة الاقتصادية في الغرفة التجارية رياض السوافيري، أنه إلى حين بت القضاء في شكوى التجار، اشترطت حكومة حماس على التجار التعهد بدفع قيمة الرسوم الجديدة بأثر رجعي في حال جاء الحكم لصالحها.

وعمد التجار إلى تقليص كميات البضائع المستوردة إلى النصف تقريبا خصوصا المياه المعدنية المستوردة. وتعليقا على هذه الخطوة، يقول نوفل إن هدف الحكومة في هذا الجانب يتمثل في “دعم مصانع تحلية المياه في القطاع”.

24

سلعة تضمها القائمة التي فُرضت عليها ضرائب إضافية وتشمل حليب الأطفال والمياه المعدنية

لكن العجلة يشدّد على أن “دعم المنتج المحلي لا يتم عبر فرض ضريبة على الأصناف المستوردة، وإنما بإلغاء ضريبتي الدخل والقيمة المضافة المفروضة على المواد الخام أو بتوفير كهرباء مجانية” للمصانع.

ويعاني القطاع من شح مياهه الجوفية ونسب تلوث عالية، وتعتمد غالبية سكانه البالغ عددهم أكثر من 2.3 مليون نسمة على شراء مياه في قوارير بلاستيكية.

وطالت الإجراءات الضريبية قطاع الملابس، حيث فرضت عشرة شواكل على كل سروال جينز وكل عباءة مستوردة.

ويقول أمين سر نقابة تجار الملابس ناهض السودة “رفضنا هذا القرار المجحف، ورفعنا قضية ضده انتهت بالتوصل إلى اتفاق مع وزارة الاقتصاد يسمح باستيراد 600 ألف بنطلون و150 ألف عباءة وجلباب سنويا معفية من الرسوم”.

وبحسب السودة فإن قطاع غزة يستورد ما بين ثلاثة إلى 4 ملايين سروال سنويا.

وأدى الانقسام السياسي الفلسطيني والحصار إلى انخفاض عدد مصانع الخياطة والنسيج من 900 إلى بضع عشرات. وكانت القطاع يستوعب في السابق أكثر من 30 ألف عامل ولكن عددهم تقلص بشكل متسارع.

10