كثرة الثغرات تبطئ جهود مكافحة الفساد في العراق

اعتبر خبراء أن التقدم في تحسين منظومة مكافحة الفساد في العراق، وخروجه من قوائم المراقبة الدولية، لا يزال يحتاج إلى المزيد من الجهود لسد الثغرات التكنولوجية والقانونية التي يواجهها النظام المالي بالبلاد لكي تحقق السلطات أهدافها المرجوة بما يعود بالنفع على الاقتصاد.
بغداد - تلقى العراق دفعة مهمة في مسار طويل نحو مكافحة غسيل الأموال، بعدما تقدم بثلاث نقاط و14 مركزا في أحدث تقارير منظمة الشفافية الدولية لمدركات الفساد.
وبات البلد في المرتبة 140 عالميا، فيما احتل المرتبة الثامنة ضمن قائمة الدول العربية الأكثر فسادا للعام 2024 من أصل 180 مدرجة في التصنيف.
وقالت هيئة النزاهة الاتحادية الأربعاء في بيان أوردته وكالة الأنباء العراقية الرسمية إن هذا التصنيف “يعكس جدية مؤسسات الدولة لاسيما الرقابية منها في سعيها لتحقيق الشفافية والحكم الرشيد”.
وأضافت أن “ذلك يأتي بعد الجهود التي بذلتها الحكومة العراقيَّة بمُؤسَّساتها كافة والأجهزة الرقابيَّة، لاسيما بعد تبسيط الحكومة للعديد من الإجراءات في المُؤسَّسات الخدميَّة”.
وأوضحت أن ذلك ضمن “تقليل الاحتكاك بين الموظفين ومراجعي المؤسسات وعكست الهيئة ذلك عبر تنفيذ استبانات قطاعية في الدوائر الخدمية وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد، لرفع مستويات النزاهة في مؤسسات الدولة كافة”.
وأرجعت الهيئة هذا التحسن أيضا إلى امتثال العراق للاتفاقيات الدولية والإقليمية لمكافحة الفساد، وعقد الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وتطرقت كذلك إلى إشراك النزاهة العراقية للشباب والمرأة في مواجهة الفساد، وتحقيق نسب عالية من النزاهة في الانتخابات، والسعي لإقرار قانون حق الحصول على المعلومة.
ومنذ عام 2018، تمكن العراق من الخروج من قائمة مجموعة العمل المالي (فاتف) للدول الخاضعة للرقابة، كما رُفع اسمه من قائمة الاتحاد الأوروبي للدول عالية المخاطر في 2021.
لكن مسؤولين عراقيين يعترفون بأن هناك حاجة إلى المزيد من التعديلات التشريعية لمواكبة التهديدات المستمرة.
وقال حسين المقرم، معاون مدير عام مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في العراق، لبلومبيرغ الشرق، إن “المكتب لا يزال يعمل على تحديث الإطار القانوني والتشريعي لمواجهة التحديات المستجدة.”
وتعد العقارات أبرز القطاعات المعرضة لمخاطر غسيل الأموال في العراق، وفقا لتقرير التقييم الوطني لمخاطر غسيل الأموال الصادر عام 2022.
ونتيجة لذلك، فرضت الحكومة قيودا جديدة، حيث اعتمدت آلية تلزم سداد ثمن شراء أي عقار من خلال الجهاز المصرفي وبدعم من البنك المركزي.
كما قررت عدم إجراء نقل الملكية إلّا بعد ورود دائرة التسجيل العقاري إشعارا من المؤسسة المالية، بما يضمن قيام الأخيرة بالتحري عن مصدر الأموال وسلامة المعاملة المالية ومشروعيتها.
لكن فعالية الإجراءات لا تزال موضع تساؤل في بلد يواجه تحديات بخصوص فرض الرقابة المالية، وفق عزيز البياتي مدير سابق لقسم إبلاغ في أحد المصارف العراقية.
وقال إن “العراق منطقة حرجة وهو عرضة لنمو عمليات غسيل أموال بسبب اعتماده بشكل كبير على عمليات النقد في التعاملات التجارية وتقدم بطيء في عمليات الدفع الإلكتروني.”
وأشار في حديثه مع بلومبيرغ الشرق إلى بقاء مبيعات البنك المركزي تناهز 300 مليون دولار يوميا، وهو رقم كبير قياسا بحجم السلع التي تدخل للسوق المحلية.
ويكافح العراق الذي شهد حروبا وفترة حصار طويلة منذ أكثر من أربعة عقود بحثا عن حلول تساعد في تحفيز القطاع المالي حتى يسهم بدور فعال في تنمية الاقتصاد، الذي ظل متوقفا منذ الغزو الأميركي في 2003، عبر تخفيف مستوى البطالة وتضييق دائرة الفقر.
وفي ظل التطور التكنولوجي المتسارع تشكل العملات المشفرة تهديدا متزايدا، حيث أكد المقرم أن السلطات العراقية تواجه صعوبة في تتبع المعاملات الرقمية، بسبب درجة السرية التي توفرها هذه العملات.
ويرى المقرم أن في ضوء هذه التحديات تتبع الجهات المعنية عدة إستراتيجيات لمكافحة غسيل الأموال باستخدام العملات الافتراضية.
140
هو ترتيب العراق من بين 180 بلدا في أحدث تصنيف لمؤشر مدركات الفساد
ويشمل ذلك العمل على التعاون والتنسيق المستمر مع المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية والإبلاغ عن التعاملات مجهولة المصدر، وكذلك إعداد لجان مشتركة من الجهات الحكومية لتتبع المتعاملين والمضاربين بها.
لكن مدى فاعلية هذه الجهود في ظل ضعف البنية التقنية يبقى محل تساؤل. وكان التحدي الأول تشريعيا، وقد نجحت الجهات المعنية في الحد منه إلى أدنى مستوى ممكن، بإشراف الجهات الرقابية الدولية.
ويبقى التحدي الأبرز هو التكنولوجي في بيئة أعمال متغيرة، وفق الاستشاري في شؤون مكافحة غسيل الأموال مرتضى خالد.
ويرى أن المسؤولين بحاجة إلى قدرة رقابية فعالة للتكيف مع هذه التحديات، خاصة في القطاعات غير المالية، التي تستحوذ على الحصة الأكبر من عمليات غسيل الأموال، وعلى رأسها العقارات والذهب.
ورغم انضمام العراق إلى مجموعة إيجمونت المعنية بتبادل المعلومات المالية بين الدول، فإن التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ الفعلي للإصلاحات.
ويتطلب تحسين الرقابة المالية تطوير القدرات التقنية والموارد البشرية، وهي نقطة ضعف أشار إليها المكتب العراقي نفسه. كما أن استمرار الحاجة إلى تحديثات تشريعية متكررة يعكس خللا في مواكبة البلد العضو في منظمة أوبك لمعايير المكافحة العالمية.
وبينما يتحدث المسؤولون عن تحقيق تقدم، تظل هناك أسئلة مفتوحة حول مدى القدرة على تنفيذ هذه الإصلاحات في بيئة مالية لا تزال تعاني من تحديات سياسية وأمنية.
وفي 2024، أدرجت الولايات المتحدة 14 بنكا عراقيا، تمثل نصف إجمالي مؤسسات القطاع المصرفي، على القائمة السوداء، ومنعتها من إجراء معاملات بالدولار للاشتباه في استخدامها لغسيل الأموال وتحويل الأموال إلى إيران وسوريا.