كثرة التعقيدات تُعيق انفتاح سوق الاتصالات الليبي

تثير قضية عدم انفتاح قطاع الاتصالات الليبي على الاستثمارات الأجنبية جدلا واسعا بالبلد في ظل تخلفه عن مواكبة الطفرة العالمية في المجال جراء التعقيدات المالية والإدارية والسياسية، مما يضيع فرصة تطوير كفاءة الخدمات وإيجاد مناخ عمل تنافسي.
طرابلس - تجمع أوساط قطاع الاتصالات في ليبيا على أن السلطات لا تزال ترفض منح الشركات الأجنبية فرصة عرض خدماتها في البلاد مكتفية باحتكار كياناتها للنشاط حتى مع وجود محاولات ضعيفة من قبل القطاع الخاص للظفر بحصة من السوق.
ومع أن البلد النفطي بدأ في الخروج من قوقعة النظام الاشتراكي منذ تسعينات القرن الماضي، إلا أنه لم يؤسس نظاما اقتصاديا حرا. ولهذا يتكون هيكل الاتصالات من مؤسسات مملوكة للدولة تسيطر على السوق، دون تحقيق تنافسية قد تدفع لتطور المجال.
ويضم القطاع هيئة عامة للاتصالات والمعلوماتية مع شركة قابضة وتسع شركات، أبرزها ليبيانا والمدار الجديد وليبيا للاتصالات والتقنية وبريد ليبيا وهاتف ليبيا والاتصالات الدولية والجيل الجديد للتقنية والبنية للاستثمار والخدمات وشركة الاتصالات النوعية.
وقال مدير إدارة الحسابات الإلكترونية بهيئة الاتصالات علي الرويّاتي إنه “مع النظام الشمولي، تراكمت أعداد كبيرة من الموظفين في مؤسسات الدولة، وبعد انهيار النظام سنة 2011، زادت الأعداد بشكل غير طبيعي، ومؤسسات الاتصال ليست استثناء”.
وأوضح لوكالة الأنباء الألمانية “الآن، نريد التطوير، لكن دون مضاعفات بخصوص الموظفين الذين يجب أولا إعادة بناء قدراتهم من أجل المنافسة في السوق حال فتحه”.
ومع أن القطاع فتح منذ سنين فسحة صغيرة للشركات الخاصة، فإنه لا يقبل إلا المحلية منها، ويصر على احتكار خدمات الفئة الأولى.
ويؤكد الرويّاتي أن دخول الشركات الخاصة أوجد نوعا من الضغط الإيجابي على القطاع العام، ولو بقيت الإنترنت حكرا على شركات الدولة، لكان الأمر أسوأ، فوجودها خلق بعض المنافسة، وهذا هو المطلوب مرحليا.
وقال “نحن في مرحلة التحول التدريجي نحو الخصخصة، ويجب على القطاع العام الاستعداد لذلك، وقد فتحنا الباب في الفئتين الثانية والثالثة لمزودي خدمات الإنترنت أما الأولى فربما ستفتح لاحقا”.
وأضاف “وفرنا نوعا من المنافسة بين الشركات العامة، ونُنْذِرُهُم دائما باقتراب فتح السوق، ونحثّهم على الاستعداد المبكر لذلك”.
ويعاني القطاع من أعطال متكررة خلال السنوات الأخيرة بسبب انقطاعات التيار الكهربائي وأضرار في البنية التحتية ناتجة عن البناء دون ترخيص والتخريب والسرقة، إلى جانب سوء الخدمات وارتفاع الأسعار.
ويرجع البعض السبب إلى غياب المنافسة الحقيقية، وتكاليف التشغيل المبالغ فيها بسبب أعداد العاملين، فضلا عن الوضع الأمني المتردّي.
ووفق رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات القابضة السابق فيصل قرقاب، فإن هذا يعود إلى “تغوّل الدولة على إدارات وإيرادات الشركات، وتحميلها بنفقات خارج تخصصاتها”.
وقال في تصريحات سابقة “لا تحظى الشركات الخاصة المحلية بنصيب وافر من السوق، وبالكاد تحقق إيرادات سنوية مجتمعة، بنحو 200 مليون دينار (41.4 مليون دولار)”.
وأشار قرقاب إلى أن إيرادات الشركة القابضة تناهز 5 مليارات دينار (أكثر من مليار دولار)، وتُقدّر أصولها الثابتة بنحو 18 مليار دينار (3.72 مليار دولار) والنقدية بتسعة مليارات دينار (1.86 مليار دولار).
وبحسب بيانات ديوان المحاسبة لسنة 2021، فقد حققت شركة المدار أرباحا بقيمة 1.79 مليار دينار (370 مليون دولار)، يقابلها 270.1 مليون دولار من الإنفاق. أما شركة ليبيانا، فقد حققت 310 ملايين دولار أنفقت منها 192.3 مليون دولار.
وما قد يؤكد صحة كلام قرقاب هو اقتصار إيراد الاتصالات المُدوّن في بيانات الديوان العام الماضي على 397.3 مليون دينار (82.2 مليون دولار)، حصّل منها 197.5 مليون دينار (40.85 مليون دولار). ووصف الديوان هذه الإيرادات بـ”غير الدقيقة”.
ويقول المدير التجاري لشركة قيقا الخاصة صابر الهازل إن خدمات شرائح الاتصالات لازالت مقتصرة على القطاع العام.
وأضاف “نسمع دائما عن نية الدولة فتح المزيد من المجال أمام القطاع الخاص، ولم نر شيئا، ونحن قادرون على المنافسة في حال فُسِح المجال”.
أما في الجنوب، فيؤكد مدير شركة نسمة رامي حمدان “شبه الغياب التام لبنية الاتصالات والكهرباء أيضا”. ويبدي تذمره من “صعوبة تقديم الخدمات للزبائن هناك”.
ويرى مدير شؤون التنظيم بهيئة الاتصالات رياض الزيتوني أن البداية يجب أن تكون من “قانون الاتصالات”. ويفسر قائلا “هناك قصور تشريعي في القطاع منذ آخر قانون سُن عام 2010، بشوائب كثيرة، لهذا، نحتاج مواكبة قانونية وتشريعية”.
وأكد شروع الهيئة في “إعداد نسخة لمسودّة قانون جديد”، مشيرا إلى انفتاحهم على كل الآراء بالخصوص، سواء من المؤسسات والشركات أو الأفراد.
ونظمت الهيئة العديد من الندوات حول المسودة، وطرحتها في الشبكات الاجتماعية لإبداء الرأي من العموم. وأكدت استعدادها لأخذ الملاحظات بالاعتبار أثناء إعداد المسودة النهائية التي ستحال للحكومة، ومنها للجهة التشريعية.
كما ستُنَظَّم ورش عمل مع بيوت الخبرة المحلية، قبل التوجه لبيوت الخبرة الإقليمية والدولية في مصر وتونس والمغرب وسلطنة عُمان والإمارات، بالإضافة إلى بريطانيا وأستونيا.
ويتوقّع الزيتوني الانتهاء من صياغة القانون خلال الربع الأول من 2023، مبديا الأمل في أن يكون “في صالح القطاع الخاص”.
ويؤكد مسؤول البحث العلمي والتطوير بإدارة تطوير قطاع الاتصالات محمد الضبع على أهمية “مزامنة تغيير القانون مع تطوير بنية الاتصالات التحتية السيئة، والاهتمام بالبحث العلمي وحاضنات الأعمال ومراكز التميز”.
وأبدى تطلّعه إلى أن يكون القانون “مواكبا لتوقعات التطور التي ستحدث خلال السنوات العشر القادمة، حتى لا يُضطروا لتعديله في الوقت القريب”.
وعلى النقيض، لا يرى مدير عام الشركة الألمانية - التونسية - الليبية المختصة في التطبيقات البرمجية (أم.تي.دي غروب) وسام بن عمر، داعيا لـ"تكبيل القطاع بالمزيد من القوانين".
وقال “ليبيا مثل تونس، تُصدر العديد من القوانين دون فائدة، فمشكلتنا في الوطن العربي هي تأويل القوانين بأشكال لا تخدم حرية وانسيابية العمل. كما أن بعض القوانين تتم صياغتها على مقاس جهات بعينها، والفساد يعمل عمله”.
ويقر بن عمر بأهمية القوانين، لكنه يفضلها “بسيطة وواضحة وغير مكبلة”، بحيث تسمح بالمبادرة والعمل، وتقود لتنظيم السوق تلقائيا وانفتاحه على العالم.
وفي أروقة هيئة الاتصالات، يطرح الرويّاتي توقعاته لمستقبل السوق قائلا “سيفتح الباب أمام الشركات العالمية عندما تَرتقي خدمات الشركات العامة إلى مستوى مرضي، وتَنخفض توقعات المشاكل المصاحبة”.
وقال “شركاتنا لن تقاوم بِوضعها الحالي، وموظفينا ليست لديهم القدرة على العمل في شركات عالمية، وسنجد أنفسنا أمام شركات دون دخل، وعائلات بلا عائل”.
وحول توقيت فتح السوق، يستطرد “بدءِ العد العكسي لفتح القطاع مرتبط بعودة الدولة الغائبة”.
وأضاف “هي سلسلة متكاملة، فعندما يُنجز الدستور؛ وتُتَداول السلطة بشكل سلمي سلس وتَهتم السلطات بالقطاع، وتتبنّاه بالخطط والميزانيات سنستطيع تحديد كم نحتاج من الوقت لفتح سوق الاتصالات بشكل كامل”.