كثرة التحديات تفرض حوكمة الديون في المنطقة العربية

أبوظبي - تتزايد قناعة صندوق النقد العربي بأن حكومات المنطقة أمام معركة مفصلية للإسراع في ضبط أوتار ديونها، والتي صارت مشكلة مزمنة للكثير منها نتيجة تراكم التحديات الاقتصادية بسبب الأزمات العالمية المتتالية.
وتواجه دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عاما آخر صعبا، وهو ما يتطلب حنكة من قبل المسؤولين ودراية بالمخاطر المحدقة خاصة مع المؤشرات التي تبثها المؤسسات المانحة من أن التضخم سيظل يضغط بشدة على أسواق المنطقة، ما سيزيد معدلي الفقر والبطالة.
ولا توجد إحصائيات دقيقة حول حجم الدين العام الإجمالي لدول المنطقة، لكن تقييمات صندوق النقد العربي، التي ظهرت في تقرير حديث حول “تقييم استدامة الديون لمواجهة التعرض للصدمات”، تؤكد أنها زادت بأكثر من الضعف في العقد الماضي.
ووفقا لتقديرات الصندوق، فقد ارتفع الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية المقترضة من نحو 47.1 في المئة بنهاية عام 2010 إلى حوالي 108.8 في المئة بنهاية العام 2021.
وفي ضوء ذلك يعتقد معدو التقرير أن تحسين القدرة على تحمل أعباء الدين العام وتخصيص المزيد من الحيز المالي لنفقات التنمية الاجتماعية باتا اليوم من الضرورات الملحة.
وأكد عبدالرحمن الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة الصندوق، أن الصدمات المتتالية التي تعرض لها الاقتصاد العالمي على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية أدت إلى تراكم الديون في معظم دول العالم وتحديدا مع تفشي جائحة كورونا وما تلاها من أحداث.
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية عن الحميدي قوله أثناء الاجتماع الثامن لوكلاء وزارات المالية العرب، والذي اختتم أعماله الخميس الماضي بأبوظبي، إن ذلك “دفع معظم الدول العربية إلى تشديد سياستها النقدية بسبب التضخم أو ارتباط عملاتها بالدولار”.
وأضاف “لقد تعرضت الدول العربية لضغوط على صعيد المالية العامة، وكان عليها مواجهة تحديات استقرار الاقتصاد والعمل على تعزيز القدرة على تحمل الديون”.
وتتوقع دراسات صادرة عن المؤسسات المالية المانحة أن يرتفع إجمالي الاحتياجات التمويلية للبلدان العربية غير النفطية، المصنفة ضمن بلدان الأسواق الناشئة ومتوسطة الدخل، إلى 384 مليار دولار خلال العامين الحالي والمقبل.
ويُرجع الخبراء ذلك إلى أسباب من بينها استمرار العجز المالي الأولي في ميزانياتها السنوية، وأيضا ارتفاع مدفوعات الفائدة، وزيادة الاعتماد على التمويل قصير الأجل.
من المتوقع ارتفاع إجمالي الاحتياجات التمويلية للبلدان العربية غير النفطية إلى 384 مليار دولار خلال العامين الحالي والمقبل
وتكمن المخاطر التي تتهدد دول المنطقة في استمرار ارتفاع أسعار السلع الأولية ونقص الغذاء، مما قد يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي وإثارة قلاقل اجتماعية وتعرض المالية العامة لضغوط أكبر قد تفضي إلى مخاطر على الاستقرار المالي.
ويقدر صندوق النقد العربي نمو الاقتصاد العربي خلال العام الماضي بنسبة 5.4 في المئة مقابل نسبة نمو بلغت 3.5 في المئة على أساس سنوي، متوقعا أن تبلغ نسبة النمو خلال العام الجاري نحو 4 في المئة.
وقال الحميدي إن “التحسن النسبي في مستويات الطلب العالمي، وارتفاع معدلات نمو قطاعي النفط والغاز، ومواصلة الحكومات العربية تبني حزم التحفيز لدعم التعافي الاقتصادي وتنفيذ برامج الإصلاح مكّنت من تعزيز فرص التعافي خلال 2022”.
ومنذ تفشي الوباء حتى نهاية 2022، قدمت الحكومات تحفيزات مالية بقيمة 400 مليار دولار، كما واصلت خططها المستقبلية التي تستهدف التنويع وإصلاح بيئة الأعمال وتشجيع القطاع الخاص ودعم سوق العمل وزيادة مستوى المرونة في مواجهة الصدمات.
وأشار الحميدي إلى أن سوق السندات والصكوك المستدامة في العالم شهدت نموا استجابة للاهتمام المتزايد باعتبارات السياسة البيئية والاجتماعية وبأهداف التنمية المستدامة.
ونتيجة لذلك، زادت أحجام الديون المستدامة خلال عامي الجائحة بأكثر من الضعف، لتتجاوز 2.9 تريليون دولار. ومن المتوقع أن يستمر هذا التوسع مع دخول جهات إصدار جديدة إلى السوق من أجل تلبية متطلبات الأهداف الاجتماعية والبيئية.