كثرة التحديات تفرض تطوير صناعة التأمين في المنطقة العربية

تواجه دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات في طريق تحسين وتطوير وتعزيز كفاءة صناعة التأمين لكي تتماشى مع برامج الإصلاح، التي تتبعها معظم حكومات المنطقة ولتواكب تنوع الأخطار التي بدأت تتكاثر في السنوات الماضية، مما يخلق منافسة أكبر.
أبوظبي - تتزايد قناعة الخبراء بأن حكومات المنطقة العربية أمام معركة مفصلية للإسراع في تعديل أوتار سوق التأمين، التي باتت أحد القطاعات المهمة في مسار تنشيط القطاعات الإنتاجية والحفاظ على الثروات وممتلكات الأفراد.
ويلعب هذا القطاع، الذي يحتاج إلى مواكبة الطفرة التكنولوجية بشكل أسرع، دورا هاما في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي والتنمية، بما يوفره من حماية لممتلكات الأفراد والمؤسسات والمحافظة على الثروات الوطنية.
وتبرز أهمية نشاط التأمين من خلال مساعدته في استقرار الأعمال وتعويض الأشخاص عن الأضرار التي تطول الممتلكات، باعتباره إحدى وسائل معالجة المخاطر من خلال نقل تلك المخاطر إلى الغير.

عبدالرحمن الحميدي: ثمة حاجة للاستفادة من كل الفرص في ظل الأزمات
وتجد الشركات نفسها اليوم في معضلة بسبب تزايد تهديدات الأمن الإلكتروني بفعل موجة الرقمنة وتلك المتعلقة بالتغيرات المناخية، ما يستدعي البحث عن مقاييس جديدة لمعرفة حجم المخاطر والتعويضات التي يمكن أن تساعدها في تنمية أعمالها.
وتملك المنطقة سوقا ضخمة للتأمين، وتشهد الكيانات التي تحتاج إلى إعادة التأمين محليا ودوليا زيادة في الأسعار، حيث تسعى شركات التأمين الكبيرة إلى تحقيق معدلات أعلى وأسعار أقل بشكل عام.
وبينما تحتاج الشركات التي تعاني من زيادة الخسارة، أو القيم ذات الأصول العالية أو التعرض لمخاطر عالية، إلى تعزيز كفاءة نشاطها، فإن شركات أخرى لديها خبرة في إدارة المخاطر بشكل جيد وهي مستعدة لتطوير نشاطها.
وطيلة سنوات سعى قطاع التأمين العربي إلى التأكد من التغطية، ولاسيما بالنسبة لانقطاع الأعمال الطارئة، والاستقطاعات، وفترات انتظار انقطاع الأعمال والحد من تعرضها للخسائر الكبيرة كما مرت به أثناء الأزمة الصحية.
وعلى الرغم من أن الكثير من القطاعات في بلدان المنطقة عانت خلال العامين الماضيين جراء قيود الإغلاق، إلا أن قطاع التأمين العربي استطاع تحقيق نمو في قيمته بنهاية العام الماضي.
وشهدت المنطقة منذ 2017 نموا في أسواق التأمين على الرغم من المنافسة بين الشركات، والتي غيرت العديد من استراتيجيات شركات التأمين، مما جعلها تسعى إلى الانتقاء الجيد للمخاطر.
وتشير إحصائيات صندوق النقد العربي إلى أن القطاع نما خلال السنوات الأخيرة تزامنا مع التطورات التي تشهدها اقتصادات المنطقة العربية، حيث فاق القيمة الإجمالية لهذه السوق 40.9 مليار دولار بنهاية العام الماضي، مرتفعا بنسبة 1.8 في المئة بمقارنة سنوية.
ومع ذلك، فإن البيانات تؤكد تواضع مستويات عمق التأمين في المنطقة إلى ما لا يزيد عن 1.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتباينه ما بين الدول العربية.
وقال عبدالرحمن الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة الصندوق، خلال افتتاح الاجتماع الخامس لهيئات الإشراف على التأمين في الدول العربية بتقنية فيديو كونفرانس، إن “حجم أقساط سوق التأمين العالمية يتجاوز أربعة تريليونات دولار”.
وأشار في الاجتماع الذي حمل عنوان “التأمين الأخضر والمستدام في ظل مخاطر تغيّرات المناخ وتداعيات ما بعد الجائحة” إلى أن سوق التأمين العالمي يدير أصولا تجاوزت قيمتها 24 تريليون دولار بنهاية العام الماضي.
وأكد الحميدي في كلمته، التي نقلت مقتطفات منها وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية الخميس، أن أقساط التأمين تمثل حوالي 6.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
40.9
مليار دولار قيمة سوق التأمين في الدول العربية خلال 2021 وفق صندوق النقد العربي
ومع التفاوت الكبير بين الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة، والتأثير المضاعف لمدفوعات المطالبات في اقتصاد متعدد القطاعات، يمكن أن يمتد التأثير غير المباشر للتأمين إلى حوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ومن المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على التأمين بنحو 3.9 في المئة في عام 2022 وفق التقديرات الدولية بوتيرة للتعافي تعتبر الأقوى والأسرع على مدار العقدين الماضيين، في ظل زيادة الطلب على خدمات القطاع في أعقاب الوباء.
وفي ظل الأوضاع الراهنة تبرز الحاجة إلى سعي شركات التأمين، وخاصة في المنطقة العربية، للاستفادة بشكل كامل من الفرص التي يوفرها التوجه نحو الاستدامة في إطار أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
وقال الحميدي إن “هناك ضرورة للعمل على تطوير البرامج والسياسات المناسبة وبناء القدرات في هذا الشأن”.
ومن المرجح أن يسهم توجّه قطاع التأمين نحو هذا النهج الاستراتيجي المستدام، في الحدّ من المخاطر وتطوير حلول مبتكرة وتحسين أداء الأعمال، وفي الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، حيث تصبح جميع أنشطة قطاع التأمين مستدامة.
وأكد الحميدي أن المنطقة العربية تتوافر لديها إمكانات كبيرة لزيادة مساهمة التأمين، وبالتحديد في مجال التأمين المستدام بما يساهم في تعزيز الاستقرار المالي وتعبئة المدخرات وتنميتها لتمويل التنمية المستدامة.
كما أنها تفتح الباب أمام تحقيق قيمة مضافة أكبر من خلال توفير الحماية للأفراد والممتلكات، لاسيما في ظل التحول الرقمي الذي بات أحد محددات نمو القطاعات.
وتتيح التقنيات الحديثة فرصا كبيرة تتمثل في تسهيل الوصول إلى الخدمات التأمينية، وتطوير النظم الداخلية وخدمات ومنتجات جديدة.
ويعمل النقد العربي على تعزيز جهوده في سبيل دعم دور السلطات الرقابية بكافة دول المنطقة، من أجل تطبيق مبادئ التأمين الأخضر والمستدام في المنطقة العربية، من خلال التعاون البنّاء والشراكة المستدامة مع المؤسسات الإقليمية والدولية.