كتب محظورة ترى النور في مكتبات سوريا بعد رحيل الأسد

مؤلفات من الأدب السوري تباع علنا بعد سنوات من المنع.
الجمعة 2025/05/02
نظرة على كتب لم تكن متاحة من قبل

أصوات أدبية كثيرة أسكتها النظام السوري السابق ومنع تداول مؤلفاتها، هي اليوم تحتفي بنيلها حرية النشر وحرية أن تكون موجودة ضمن معروضات المكتبات السورية، بينما اختار بعض الكتاب الاحتفاظ بأفكارهم داخل عقولهم وفي نسخ لم يجرؤوا على طباعتها. وهاهم اليوم يستعيدون شغفهم بالكتابة الحرة دون قيود أو رقابة مشددة.

دمشق - ربما لم يتخيل مخرج فيلم الخيال العلمي “فهرنهايت 451” والذي أثار جدلا عند عرضه، أن أحداثه يمكن أن تقع بالفعل على أرض الواقع، ففي الفيلم تقوم السلطة المعادية للفكر بإحراق الكتب، وهذا ما حدث في سوريا مع نظام بشار الأسد، حيث واجه الناشرون قيودا صارمة اعتبارا من حظر كتب معينة إلى إحراقها.

ويقول الروائي السوري نزار أباظة (80 عاما) “لأكثر من 53 عاما كنت أحتفظ بهذه الرواية مسجلة داخل رأسي، وكنت أعلم أنه سيأتي اليوم الذي أستطيع نشرها فيه قبل أن أموت.” وأمضى أباظة عقودا من الزمن وهو يحتفظ بالكثير من أفكاره لنفسه ولا يبوح بها لأحد، خوفا من أن تؤدي مجرد الأفكار التي تراود مخيلته ويعتقد نظام الأسد أنها غير مؤيدة له، إلى إلقائه داخل إحدى السجون الكثيرة في سوريا وتعرضه للتعذيب.

ويضيف “احتفظت بهذه الأفكار قيد الكتمان في قلبي، وهي أفكار تصف ما كان يتعين عليّ أنا والكثير من السوريين أن يتعرضوا له كل يوم، والآن يمكن لهذه الأفكار في نهاية المطاف أن تنطلق وتشق طريقها إلى العلانية.” ويقول الناشرون السوريون إنه تحت حكم بشار الأسد خضعت المئات بل الآلاف من عناوين الكتب للرقابة، وتمت إزالتها من المكتبات أو حظرها، في محاولة من النظام لخنق عدم الولاء له.

ويقول وحيد تجا المسؤول الصحفي لدار الفكر للنشر بدمشق، وهو اسم يتناقض بطبيعته مع سياسات الحكومة التي لا يروق لها الفكر، إن نظام الأسد كان ينظر إلى الكتب على أنها تمثل تهديدا للحكم الاستبدادي للحكومة أو تشكك فيه، أو تتبني أيديولوجية مختلفة عن تلك التي ينشرها النظام، وبالتالي فإنها تكون بشكل خاص مصدر خطر.

◙ تحت حكم بشار الأسد خضعت المئات بل الآلاف من عناوين الكتب للرقابة، وتمت إزالتها من المكتبات أو حظرها
◙ تحت حكم بشار الأسد خضعت المئات بل الآلاف من عناوين الكتب للرقابة، وتمت إزالتها من المكتبات أو حظرها

ويضيف تاجا “تعرضنا لضغط هائل أثناء حكم بشار الأسد، حيث اعتاد أن يرسل رجاله ليفحصوا ما لدينا من كتب.” ويشير إلى أن وزارة الإعلام كانت تصدر بانتظام قوائم تحدد الموضوعات التي يجب حظرها. ويوضح تاجا قائلا “في حالة عثورهم أثناء زياراتهم التفقدية، على كتب غير مسموح بنشرها يقومون بإحراقها،” ومن هنا كان يتم إخفاء الكتب التي تناقش موضوعات ذات حساسية، ويتم إخفاؤها في أيّ أماكن يعتقد أنها آمنة حتى لو كانت داخل مواسير الصرف الصحي.

ويقول تاجا “كنت أخفي الكثير من الكتب وأحرسها مثلما أحرس كنزا”، وكان يضعها في أماكن مختلفة مثل بيوت الأصدقاء والمخازن المقامة تحت المنازل. ويضيف إنه قام عندما تمت الإطاحة بالأسد بـ”نفض الأتربة التي تراكمت على صفحات الكتب.” وأعادها إلى أماكنها الطبيعية تحت ضوء النهار، ويتابع “كان يوما للتحرير ليس فقط للمواطنين وإنما أيضا للأدب السوري.”

وعلى الرغم من أنه لم تعد توجد في الوقت الراهن قوائم بأسماء الكتب المحظور نشرها، فإن دار الفكر للنشر تتردد في نشر الكتب التي تتعرض بالنقد للأديان، في ضوء تولي حكومة جديدة إسلامية سدة الحكم بدمشق، حتى بالرغم من عدم وجود إعلانات ملموسة حول هذا الموضوع.

ومن ناحية أخرى يقول أدهم عجمي مشيرا إلى حكومة بشار، “إنهم لا يريدون التثقيف، إنهم لم يسمحوا لنا حتى بالتفكير.” وأمضى عجمي العقد الماضي في بيع الكتب في سوق الكتب المقامة في الهواء الطلق، تحت ما أصبح يعرف اليوم باسم جسر الحرية في دمشق. ويتذكر قائلا إنهم جاؤوا ذات مرة ومعهم الجرافات لتدمير كل أكشاك بيع الكتب، وكانت أيّ كلمة مثيرة مثل “ثورة” في عنوان كتاب تكفي لمصادرته من السوق.

ويضيف عجمي إنه كان يعتقد دائما أن الأسد سيختفي من سوريا ذات يوم، وأن التثقيف سيعود مرة أخرى ليسطع وسط الناس، ولعدة سنوات كان يبيع الكتب المحظورة الكثيرة سرا، والآن أصبحت هذه الكتب معروضة علنا. وتحت نظام الأسد تم تحويل العديد من المكتبات ومتاجر بيع الكتب في مختلف أنحاء سوريا إلى متاجر بسيطة لبيع الأدوات المدرسية. ومع ذلك يشعر الآن عبدالله حمدان الذي يبيع الكتب الدينية في الكشك المجاور لعجمي، بالقلق بعد مقابلة مع أنصار القيادة السورية الجديدة.

◙ تحت نظام الأسد تم تحويل العديد من المكتبات ومتاجر بيع الكتب في سوريا إلى متاجر لبيع الأدوات المدرسية

وجاء بعضهم إليه بعد سقوط الأسد ووجهوا انتقادات للكتب التي يعرضها، وتصور رموزا أو نقوشا مسيحية وطلبوا منه إحراقها. ووقتها رد حمدان عليهم قائلا “لا ترتكبوا نفس أخطاء النظام السابق.” ورغم أن حمدان اضطر إلى إحراق الكتب وفقا لما طلب منه، فإنه يؤكد قائلا “نحن جميعا نريد الحرية والتثقيف، والأدب يعني الحرية.” غير أن قطاعات ثقافية أخرى تتشكك في جوهر التغيير الذي طرأ على الساحة الثقافية السورية، بالرغم من أن المراقبين في الخارج استقبلوا هذا التحول بآمال عريضة.

وعلى سبيل المثال تقول رولا سليمان المؤسسة المشاركة لقاعة زوايا لعرض الأعمال الفنية في حي مسيحي بدمشق، “إن ما نراه الآن هو شكل من أشكال النسخ واللصق للنظام السابق.” وتضيف في ظل النظام السابق كانت هناك دولة أمنية، أي دولة تقوم على السيطرة على الأجهزة الأمنية والمخابراتية والشرطة والجيش، أما اليوم فإن الحكومة الانتقالية تعتمد على نظام ديني، وتؤكد رولا أنه “لا توجد حرية في أي من النظامين.”

وتصف رولا تطورات الأحداث الأخيرة من وجهة نظرها، فتقول إنه منذ بداية ديسمبر الماضي، تقدم المتمردون تحت قيادة هيئة تحرير الشام بسرعة البرق، صوب دمشق في سعي للإطاحة بالأسد. وتضيف “عندما اقتربوا من دمشق جمعت كل الأعمال الفنية من معرضنا وأخفيتها في منزلي.” ولم تجرؤ على إعادة القطع الفنية إلى قاعة العرض إلا بعد مرور ثلاثة أسابيع من سقوط نظام الأسد.

وقامت امرأة يفترض أنها تنتمي إلى الحكومة الانتقالية الجديدة، بزيارة قاعة المعروضات الفنية لرولا، ووصفت أعمال النحت المعروضة بأنها “حرام” أو تمثل معصية. وتؤكد رولا أن النحت يمثل أحد أقدم الفنون في سوريا، وتقول “إنني أشعر بالخوف، لأننا لا نريد حقا إعادة مولد النظام القديم.”

10

14