كتب عن حماس فأهانه العرب وكتب عن إسرائيل فهاجمه اليهود

يبقى الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون من أبرز الأسماء الأدبية التي تكتب بالفرنسية، عقود من التجربة قدم خلالها روايات وكتبا رسّخت اسمه وتجربته التي تثير أحيانا الجدل بسبب مواقف الكاتب، ومنها ما تعرض له مؤخرا بسبب مواقفه من الحروب. وفي هذا اللقاء يكشف الكاتب عن صوته الإنساني المنحاز إلى الحياة وضد كل تطرف.
ياسمين كاليونجي أوغلو
أنقرة - اتهم الكاتب والروائي الفرنسي من أصل مغربي الطاهر بن جلون، الإسرائيليين بأنهم غير مهتمين بالسلام، وأن ما يحدث في قطاع غزة مأساة، مشددا على أن هناك ضغوطا كبيرة في العالم لوقف الجريمة، ومبينا أن خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجيشه هي مسح كل الفلسطينيين من الوجود.
جاء ذلك في حوار مع بن جلون، على هامش لقاء في جامعة أنقرة مع الطلاب والأكاديميين، تطرّق فيه لعدة مواضيع من بينها التطورات في قطاع غزة.
الانتصار للإنسان
عندما بدأ بن جلون الكتابة وهو في المغرب واجه أوقاتا عصيبة في النشر وما زال يواجهها بعد تجربته الأدبية الطويلة
الطاهر بن جلون كاتب معروف سواء للقراء العرب أو غيرهم، ولديه العديد من الكتب والروايات والقصص وحصل على جائرة غونكور الفرنسية، وترجمت عدة أعمال له إلى لغات مختلفة منها اللغة التركية.
وفي معرض حديثه عمّا يجري في غزة، قال بن جلون “ما حدث في غزة هو ألم بالنسبة إلينا، صحيح أنني أدنت علنا هجوم حماس في 7 أكتوبر من خلال مقال، لكن الشيء الفظيع هو أن إسرائيل تمنع وصول المساعدات الغذائية منذ 6 أشهر لقتل المدنيين والأطفال، وقبل كل شيء تجويع الشعب الفلسطيني”.
وأضاف “ما حدث في غزة مأساة وهناك ضغوط كبيرة في العالم لوقف الجريمة، خطة نتنياهو وجيشه هي تدمير كل الفلسطينيين وهذا هو بالتحديد هاجسه، قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين حتى لا يبقى فلسطينيون على وجه الأرض”.
ولفت إلى أن “الإسرائيليين لا يريدون أن تُستخدم كلمة الإبادة الجماعية لوصف أيّ شيء آخر غير الإبادة الجماعية لليهود، وعندما تقصف مستشفى أو مدرسة أو قرية بها عائلات نائمة وتذبح الجميع هذه أيضا إبادة جماعية”.
وأكد “المأساة هي أننا لا نستطيع أن نرى أيّ حوار وتفاوض يؤدي إلى تسوية، وهم لا يريدون ذلك، الإسرائيليون غير مهتمين بالسلام، ولذلك لا أعتقد أن هذه المأساة ستكون لها نتائج إيجابية”.
وردا على سؤال إن كان لديه خطط لكتابة ما يجري في غزة أجاب بالقول “كتبت قصائد ومسرحيات عن فلسطين، ونشرت كتابا صغيرا في إيطاليا بعنوان ‘الصرخة’ لأهل غزة، لأن البيئة لم تكن مناسبة للنشر في فرنسا، لقد شرحت 7 أكتوبر فأهانني أصدقائي العرب بسبب كتابتي عن هجمات حماس، ومن ناحية أخرى عندما نشرت نصوصي عن الجيش الإسرائيلي، هاجمني أصدقائي اليهود واتهمت بمعاداة السامية”.
وأضاف “أنا مثقف حر يقول ما يفكر فيه ولا أحاول إرضاء أحد، كإنسان أدين ما أراه كل يوم وأكتب هذا كل ما عليّ فعله، كما أنني كتبت رسالة مفتوحة إلى نتنياهو قبل شهر، ونشرت هذه الرسالة في عدة صحف”.
وأوضح “قلت لنتنياهو لقد خسرت الحرب لأنه حتى لو قتل الجميع، فإن فلسطين ستبقى هناك، والشعب الفلسطيني سيبقى موجودا إلى الأبد، فاتهمتني إحدى الصحف بأنني معاد للسامية، كتبت مقالة لشابة يهودية في صحيفة لوبوان أهانتني وشهرت بي”.
ولفت “هناك الكثير من ردود الفعل ضدي في إسرائيل، وكانت هذه رسالة وصلت إلى الأمم المتحدة وقرأها العديد من المسؤولين هناك، لقد اتصلوا بي من الأمم المتحدة بشأن هذا الأمر، وما تزال الرسالة متداولة على شبكات التواصل الاجتماعي”.
وحول ظاهرة الإسلاموفوبيا والإسلام، قال بن جلون “كتبت كتابا حدثت فيه الأطفال عن الإسلام، كما كتبت كتابا، حدثت فيه ابنتي عن العنصرية، ليس كأديب وكاتب وعالم اجتماع، بل كمواطن عادي ورجل عائلة، لتشجيع الأطفال الفرنسيين على فهم ما هو الإسلام، هذه مسألة تربية وتعليم”.
وأردف “لكن هناك قضايا كثيرة مثل الأحداث المتعلقة بالحجاب، وتحول الإسلام إلى أيديولوجيا، والإرهاب، هناك خلط بين الإساءة في استخدام الدين الإسلامي وعقيدة الدولة الإسلامية، هناك نقص في المعرفة حول ماهية الإسلام في الغرب، وإظهار الإسلام بشكل مختلف، هناك عدد قليل جدا من الأشخاص الذين يمكنهم التحدث بصدق عن الإسلام”.
وبيّن “الإسلام كدين له صورة سيئة للغاية في فرنسا، هناك من لا يحب الإسلام والمسلمين، ومن يدافع عن العنصرية المناهضة للإسلام المعروفة بالإسلاموفوبيا، هناك الكثير من الناس يخافون من الإسلام، المثقفون والفنانون والكتاب في الغرب لا يهتمون كثيرا بالإسلام والسكان المسلمين”.
وشدد “لدينا أحزاب سياسية يمينية متطرفة تجعل من الإسلام موضوعا للكراهية، على سبيل المثال يقول صحافي سابق يدعى إيريك زمور، وهو ليس لديه حزب لكنه شارك في الانتخابات وهو سياسي موال جدا لليمين المتطرف، إن الإسلام يشكل خطرا على فرنسا، وإن المرأة المحجبة مسجد متحرك، قالها وكررها كثيرا، وأدين بالتحريض على الكراهية العنصرية لكن هذا لم يمنع انتشار المشاعر المعادية للمسلمين”.
عشاق الدار البيضاء
في ما يتعلق برأيه في الأدب التركي أفاد بن جلون “كنت أقرأ يشار كمال عندما كنت صغيرا، وهو أشهر كاتب تركي في فرنسا، قرأت أعمال أورهان باموق وصديقي نديم غورسيل الذي يكتب بالفرنسية والتركية، أنا متعاطف جدا مع الثقافة التركية والسينما التركية”.
وأردف “هناك أوجه تشابه كثيرة بين المغرب وتركيا، حيث تحظى تركيا باحترام كبير في المغرب، ولها حضور على المستوى الصناعي والتجاري والحرفي، هناك علاقات كبيرة بين البلدين، وهذا أيضا ممتع”.
وقال أيضا “قد تفاجأ أن مسلسلا تركيا تم بثه باللغة العربية في المغرب منذ حوالي 10 سنوات لقي استحسانا كبيرا، ولذلك فإن تركيا بلد مألوف وودود للغاية بالنسبة إلينا”.
وفيما يخص العمل الأدبي وتأثيراته، قال الكاتب “أعمل على تكملة روايتي ‘عشاق الدار البيضاء‘ التي صدرت العام الماضي، قصة عن الزواج في الطبقة الوسطى في المغرب المعاصر أذهب إلى هناك لمدة تتراوح بين 4 – 5 أشهر في السنة”.
وأكمل “أحتاج إلى المغرب لأن معظم كتبي تدور حوله، عندما بدأت الكتابة واجهت أوقاتا عصيبة ولا زلت أواجهها في النشر ولكن اعتدت عليها منذ أن كنا في طنجة عندما كنت صغيرا، لم يكن هناك سوى القليل من عوامل التشتيت، كانت هناك مكتبة فرنسية حيث كنت أستعير وأقرأ كتابين في الأسبوع”.
ولفت “قرأت بلزاك وفيكتور هوغو وجول فيرن وشعراء مختلفين، عندما بدأت الكتابة، الأشخاص الذين أثروا فيّ أكثر من غيرهم لم يكونوا الكتاب بل صانعو الأفلام، يتطلب أسلوب السرد القصصي منك الحرص على عدم إزعاج القارئ أو المشاهد، لقد ألهمني مخرجون سينمائيون عظماء مثل ألفريد هيتشكوك، وفريتز لانغ، وجون فورد”.
وأكد “نعيش في زمن المهاجرين في كل مكان، وسببهم سياسات الاستعمار والتخلف والسياسات العنصرية، والآن نضيف مشكلة المناخ إلى هذه الأسباب، وفي فرنسا كانت الهجرة نتيجة مباشرة للاستعمار، وفي الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي، ذهب الفرنسيون إلى الجزائر والمغرب وتونس للعمل في مصانعهم والحصول على الأيدي العاملة”.
وتابع “قررت الحكومة الفرنسية جمع المهاجرين وعائلاتهم معًا من منظور إنساني، كان للرجال العاملين الحق في إحضار زوجاتهم وأطفالهم، ومن تلك اللحظة ستبدأ ولادة جديدة وسيظهر جيل جديد ليس من المهاجرين، بل من أبناء المهاجرين، لقد عانى هؤلاء الأطفال من هذا الأمر بشدة، وشعروا أنه لم يتم الاعتراف والترحيب بهم بشكل صحيح، والتحقوا بمدارس ذات نوعية رديئة وأصبحوا في نهاية المطاف فرنسيين من الدرجة الثانية”.