كتب تروي جوانب قديمة من تاريخ سلطنة عمان وتراثها

عمان كانت محطة التقاء الحضارات قبل العشرات من القرون.
الثلاثاء 2022/11/15
تاريخ عريق لعمان

تزخر سلطنة عمان بتاريخ عريق وحضارة ضاربة في القدم، تروي تفاصيلها وخصوصياتها اللقى الأثرية والبحوث التي أجراها علماء من عمان وخارجها لتتبع مسار الإنسان في هذه المنطقة. وقد صدر عدد من تلك البحوث الهامة في كتب تدون ملامح وأجزاء هامة من تاريخ السلطنة.

طلال المعمري

مسقط - أطلقت وزارة التراث والسياحة العمانية مؤخرا عددا من الإصدارات باللغة الإنجليزية ضمن سلسلة “التراث الأثري في عمان” بالتعاون مع دار النشر العالمية الأركيوبرس (Archaeopress).

وتهدف هذه الإصدارات إلى تزويد القارئ بمادة ثرية من الثقافة تغطي مواضيع شتى حول المسوحات الأثرية وتراث سلطنة عمان متمثلة في نتائج العديد من المشاريع المهمة التي تدعمها الوزارة على مدى العقود الماضية، وتسعى هذه الإصدارات إلى تلبية احتياجات المتخصصين والباحثين والمهتمين بالتراث الأثري في عُمان.

آثار الحضارة

حملت الكتب التي تتناول أجزاء مختلفة من تاريخ سلطنة عمان عناوين متعددة أولها “كتاب الأسلحة 1 و2” حيث يركز المجلد الأول منه على الأسلحة التقليدية الحادة المستخدمة في عمان، مثل السيوف والخناجر والفؤوس والرماح، والمجلد الثاني عن الأسلحة النارية مثل المسدسات والبنادق والمدافع. وكلاهما يمثل جانبا من تراث البلاد.

بوكس

وقد قام بتأليف هذين الإصدارين الدكتور فينسينزو كلاريزيا، خبير الأسلحة التقليدية في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وتطرق هذان الكتابان إلى موضوعات تحكي تاريخ اختراع وصناعة تلك الأسلحة التقليدية وكيف تم إدخال بعضها إلى عمان وكان لها دور وأثر في تغيير نهج وأساليب الصيد والمعارك.

ويمكن للقراء أيضا التعرف على الفروقات المفصلة في استخدام وصناعة الأسلحة نتيجة اختلاف محافظاتها ومناطقها في عمان لاسيما الخناجر، ومن السمات المميزة لهذين المجلدين أنهما يحتويان على العديد من النوافذ حول أسلحة معينة موجودة بالمتاحف العمانية، وتشكل تلك المقتنيات أهمية كبيرة لدى المؤرخين والمهتمين والسياح الراغبين في معرفة تاريخ وأصول وأنواع الأسلحة التقليدية العمانية، وذلك قبل زيارتهم للأسواق التقليدية المحلية.

ونجد كتابا آخر عنوانه “الصيادون في عمان في عصور ما قبل التاريخ: قرية رأس الحمراء من العصر الحجري الحديث”، يسلط الضوء على الحفريات في موقع ما قبل التاريخ في رأس الحمراء (RH-5) في منطقة القرم في مسقط.

وقد تم اكتشاف مقبرة من العصر الحجري الحديث في رأس الحمراء RH – 5 (الألفية الرابعة قبل الميلاد) من قبل البروفيسور الراحل ماوريزيو توزي منذ عام 1977، لتصبح من أول مواقع ما قبل التاريخ التي تم التنقيب عنها في عمان. وخلال العقود الماضية فرض التطوير السكني في القرم على الوزارة استئناف أعمال التنقيب في رأس الحمراء لتحديد امتداد الموقع وحمايته من الزحف العمراني.

وعمل خبراء دوليون في التنقيب الدقيق وتقنيات التأريخ اللازمة لدراسة التجمعات الساحلية من العصر الحجري الحديث تسمى “صدفة البحر”، لعدة مواسم جنبا إلى جنب مع فريق من قسم الحفريات والدراسات الأثرية العماني، حيث سلطوا الضوء على القرية المتعلقة بمقبرة الألف الرابع قبل الميلاد، ومستوطنة سابقة تعود إلى الألفية الخامسة.

وقام بتأليف هذا الإصدار الدكتور لابو جياني ماركوتشي من جامعة باريس، فرنسا، والدكتورة إميلي باديل من نفس الجامعة، والدكتور فرانشيسكو جينشي من جامعة روما، إيطاليا. ويحتوي على إثني عشر فصلا بأكثر من مئتي صفحة ومئتي صورة ملونة تصف بالتفصيل أنشطة البحث ونتائجها التاريخية والمنهجية المهمة، ويعد هذا الإصدار ذا أهمية قصوى للباحثين والطلاب والمهتمين.

بوكس

أما الكتاب الثالث فكان عنوانه “الإنسان الأول في عمان: آثار العصر الحجري القديم في هضبة نجد” ويتحدث هذا الإصدار عن الآثار التي خلفها السكان الأولون الذين سكنوا ظفار (وعمان بشكل عام)، وذلك قبل حوالي مليون سنة مضت، حيث كان المناخ العالمي مختلفا تماما عما هو عليه في التاريخ الحديث بما في ذلك منطقة شبه الجزيرة العربية، وكان المناخ بالمنطقة المذكورة رائعا وكانت الأراضي تكتسي فيها باللون الأخضر لكثرة النباتات في ذلك الوقت، وكانت توجد في ظفار أنهار دائمة التدفق والجريان تغذي الأراضي الرطبة والغابات، حيث جذبت البيئات الخضراء ومناطق ينابيع المياه العذبة والطرائد الوفيرة من الحيوانات، الصيادين وجامعي الثمار، الذين أقاموا حضارات ازدهرت على طول مجاري ظفار المائية، بالإضافة إلى وجود العديد من النتوءات الصخرية التي ساعدتهم في صناعة أدواتهم الحجرية.

واستهل هذا الإصدار بوصف الآلية التي يتبعها علماء الآثار لتحديد ماهية الأدوات الحجرية واللقى الأثرية التي عثروا عليها واستخداماتها، والتي تشكل البقايا الأثرية الوحيدة لهذه الفترات الزمنية القديمة، كما يروي هذا الكتاب بعد ذلك خصائص الثقافات المختلفة التي عاشت في تلك المنطقة لأكثر من مليون سنة قد خلت من المهن البشرية المتتالية. ويظهر هذا الإصدار أنه لم تكن ظفار وعمان بشكل عام مجرد محطة على طريق الهجرة للمجموعات البشرية الخارجة من أفريقيا، بل كانت عمان مركزا مهما في النشأة ونقطة انتشار لجنسنا البشري حول العالم.

الإصدار الرابع هو كتاب “كنز اللقى المعدنية من العصر الحديدي المبكر في منطقة الخوض”، ويستعرض نتائج الدراسة والتحليل لعدد كبير من الأدوات المعدنية التي تم الكشف عنها عام 2004 داخل حرم جامعة السلطان قابوس.

ويقدم هذا الكتاب ملخصا تمهيديا للأدبيات الأثرية ذات الصلة بالمواد المعدنية من العصر الحديدي المبكر (1200 – 300 قبل الميلاد)، ويصف الكتاب ظروف العثور على مجموعة من الأدوات الأثرية الممثلة في كنز الخوض: رؤوس السهام، والفؤوس/ القدوم، والأساور، والخناجر، والسكاكين، ورؤوس الرماح/ رؤوس الحراب المجوفة، والأواني المعدنية، والشفرات، والخواتم، والسيوف، والملاقط، وهي في الغالب مصنوعة من النحاس.

كما أدت إعادة تقييم عامة لإنتاج المعادن في هذه الفترة إلى اقتراح أن “قاد” (اسم عمان في الألفية الأولى قبل الميلاد) كان أكثر أهمية من “Magan” (اسم عمان في الألفية الثالثة قبل الميلاد) من حيث إنتاج النحاس والتجارة الدولية.

ويستعرض الكتاب ويوزع بشكل غير متزامن أهم سياقات المعثورات ذات الصلة في شبه الجزيرة العمانية والتي تحتوي على معدن من فترة أم النار إلى العصر الإسلامي من أجل بناء التسلسل الزمني النسبي، والتوزيع المكاني لفئات المعثورات المختلفة بهدف مناقشة وظيفة كنز الخوض المعدني.

ويقدم الجزء الثاني من هذا الكتاب نماذج أدوات معدنية مشابهة في سياقات بلاد ما بين النهرين وجنوب آسيا وذلك من أجل توسيع مجموعة المقارنات في ما يتعلق بوظيفة المعثورات المعدنية المكتشفة في الخوض.

البناء الاجتماعي

استيطان

جاء الإصدار الخامس بعنوان “أنماط الاستيطان والتطور والتغير الحضاري في شمال شبه الجزيرة العمانية: منهج متعدد المستويات لتحليل اتجاهات الاستيطان طويلة الأمد” وهو كتاب باللغة العربية، وهو ترجمة لكتاب نشر باللغة الإنجليزية بواسطة دار النشر المعروفة الأركيوبرس (Archaeopress) لمؤلفه البروفيسور ناصر الجهوري، أستاذ علم الآثار بقسم الآثار في جامعة السلطان قابوس.

ويقدم هذا الكتاب دراسة وقياسا وتقييما نقديا لتاريخ الاستيطان في شمال شبه الجزيرة العمانية بدءا من العصر الحجري، مرورا بالعصر البرونزي والعصر الحديدي وفترات ما قبل الإسلام، وكذلك الفترات الإسلامية المختلفة. ويعد هذا الكتاب مقدمة شاملة لتاريخ الاستيطان في المنطقة بفتراته المختلفة، ويخدم شريحة كبيرة من المجتمع.

ومن أهداف الدراسة التي احتواها هذا الكتاب هي دراسة الأنماط والاتجاهات طويلة الأمد، ومحاولة تحديد تاريخ الاستيطان في شبه الجزيرة العمانية من فترات ما قبل التاريخ إلى الفترات الحديثة، كما تركز الدراسة على البحث في الاستمرارية والانقطاع في أنماط الاستيطان، ودراسة المشهد الثقافي للمستوطنات الزراعية القديمة من مستجمعات مياه الأودية شمالا إلى مناطق السهول الحصوية المنبسطة جنوبا.

وقد تم تحقيق هذه الأهداف من خلال اتباع منهج متعدد المستويات لمسح الاستيطان وتحليله. فعلى المستوى الأكثر شمولا فهي تدرس المواقع المعروفة في الأدبيات المنشورة من شمال شبه الجزيرة العمانية، وتستخدم هذه المعلومات بطريقة كمية ونوعية لتنظر في الاتجاهات الأكثر شمولا على مستوى الإقليم والإقليم الفرعي.

أما على المستوى التالي فإن الدراسة تأخذ وجهة نظر محلية حيث تنظر بشكل تفصيلي في نتائج المسوحات الميدانية المنشورة، والتي أجريت في منطقة الدراسة المحددة من أجل تقديم رؤية في ما يتعلق بأنماط التطور المحلية. وبعد ذلك يأتي المستوى الآخر الذي يستخدم نتائج العمل الميداني المكثف الذي أجراه الباحث في أحد أنظمة الأودية لتقديم دليل استيطاني وجنائزي كمي على المستوى الأكثر شمولا باستخدام منهجية صممت خصيصا لهذه المهمة ولهذا الإقليم المحدد، وذلك للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالتغيرات والتطورات عبر الزمن، وهو ما يساعد على فهم وتوضيح التغيرات في كثافة الاستيطان وتطوره وتنظيمه على مساحات واسعة وفترات طويلة من الزمن لتوفير رؤية حاسمة عن التغير الاقتصادي والديمغرافي والسياسي والثقافي بشكل أكثر عمومية.

أما على المستوى الأكثر تفصيلا، فإنها تدرس تنظيم وتخطيط عدد من المواقع الفردية من أجل توفير نظرة عن البناء الاجتماعي للمجتمعات التي سكنت هذه المنطقة، وتحاول الخاتمة دمج البيانات التي تم جمعها من كل مستوى من مستويات المسح في سرد متماسك يحدد تطور الاستيطان طويل الأمد في شمال شبه الجزيرة العمانية.

14