كتاب يفسر أزمة النهضة العربية

عمان- يؤكد كتاب “الجوهر والتجليات: نقدٌ ثقافيّ لأزمة النهضة العربية” للباحث سامر خير أحمد على أهمية أن تكون الثقافة مدخلا للتنمية في العالم العربي، وصولا إلى فتحها آفاق النهوض الحضاري.
ويوضح في كتابه الصادر مؤخّرا أن التنمية الثقافية تمثل في جوهرها شأنا سلوكيا خالصا؛ فهي المجال الذي ينتقل بقيم المجتمعات من حال إلى حال، ويغير مفاهيمها ومعاييرها، ما يمكنها من تغيير سلوكها بطريقة تخدم خطط التطوير والنهوض.
ويرى أن الثقافة -بهذا المعنى- تمثل ما هو أوسع من حدود المنتجات الثقافية التي تتراوح بين الرواية والقصة والقصيدة واللوحة والصورة والعمل المسرحي والموسيقي والسينمائي وغيرها، لأن تلك منتجات تمثل وسائل للتنمية الثقافية القيمية والسلوكية، لا غايات بذاتها، كي يكون ممكنا انتظامها في خطط كبرى، تمثل فيها أساسا متينا للتنمية.
ويوضح الباحث أن هناك بين المثقفين والمشتغلين في الثقافة خلطا في المفاهيم المتعلقة بالثقافة ودورها، ومِن ثَم دور المبدعين فيها، إذ إن شريحة واسعة منهم تفهم الثقافة على أنها “مجموعة المنتجات الثقافية التي ينتجها مثقفون وفنانون؛ من كتب وأعمال فنية مسرحية وتشكيلية وموسيقية.. إلخ”، وبهذا فإن معنى التنمية الثقافية بالنسبة إليهم هو “تنمية مكتسبات المثقفين”، بدل أن يكون “تنمية تأثير الثقافة في المجتمع”.
ويؤكد الباحث أن تنمية تأثير الثقافة في المجتمع تنعكس إيجابا على وعي الناس وسلوكهم وترسيخ قيم الحق والجمال بينهم، وتسهم في نهوض الدول ونجاح خطط التنمية فيها، انطلاقا من أن الثقافة هي تلك القيم التي تنعكس على سلوك الفرد وممارساته وطريقة إدارته لحياته اليومية. واستنادا إلى ذلك يكون واجب العمل الثقافي تيسير وصول المنتجات الثقافية إلى الناس، على قاعدة الاهتمام بجودة تلك المنتجات، لتكون أهلا لحمل ما هو إيجابي وجميل.
ويشدد الباحث على أن التنمية الثقافية من الممكن أن تكون طريقا إلى التقدم الحضاري الشامل؛ لأن تطوير منظومة القيم السلوكية لدى الأفراد والمجتمعات ينعكس إيجابا بالضرورة على جميع حقول العمل والإنتاج والانتماء والمواطنة، ويرتقي بفرص وإمكانات الدول والمجتمعات، مذكرا بحقيقة أن التنمية الثقافية ليست عملية نخبوية، بل تشاركية يلزمها توظيف الطاقات المتوفرة في المجتمعات، في حقول الثقافة والفنون والفكر، على أساس الشراكة في المسؤولية.
ومن هنا يقدم الباحث في كتابه رؤية تربط النظري بالعملي تجاه “التنمية الثقافية” وفلسفتها ومراميها، وما يحيط بالسعي لتطبيقها من أجل إحداث تغيير ثقافي عميق.
وفي هذا السياق يتناول بداية “تعريفا ثقافيا بأزمة النهضة العربية” عبر ثلاث قضايا جوهرية فيما يخص النهضة الحضارية العربية، أولاها مسألة “التأسيس البراغماتي للمشروع النهضوي العربي”؛ إذ يؤكد الباحث أن البراغماتية (فلسفة العالم الجديد) التي قام عليها المشروع النهضوي العربي في بداياته، لم تكن من النوع التلفيقي المتردد الذي يحاول الجمع بين الأضداد عنوة، بل كانت “براغماتية واعية”، أدركت عدم وجود تناقض أساسي بين أنظمة الأوروبيين وجوهر فلسفة الإسلام وغاياته الإعمارية.
التنمية الثقافية تمثل شأنا سلوكيا خالصا، فهي المجال الذي ينتقل بقيم المجتمعات من حال إلى حال
أما القضية الثانية فهي “الاستعمار والرد عليه”، ويشير الباحث في هذا السياق إلى أن المشاريع الأيديولوجية في الفترة اللاحقة أخذت تمارس سلوكا براغماتيا يعدل بعض أيديولوجيتها أو يتجاوزها، لكن تلك المساعي “البراغماتية” بدَتْ غير متزنة، وأخفقت في تحقيق المصالح التي تريدها، كما يتوقف هذا الفصل عند قضية “الجوهر الثقافي لأزمة النهضة العربية”.
ويحلل الكاتب تاليا “التجليات الثقافية لأزمة النهضة العربية”، ملقيا الضوء على العديد من المسائل التي أصبحت موضوعا جديرا بالنقاش، وهي: “الأبوية والمدنية”، و”الشعور بالهامشية”، و”المواطنة وأحلام الهجرة”، و”الإعلام والتواصل الاجتماعي”، و”استيعاب الأزمة الحضارية”، وأوضح أن ما احتاجه العرب لم يكن يتمثل في اكتشاف “قضية مركزية”، بل صياغة “خطة مركزية” وتنفيذها فعلا.
وفي الفصل الأخير الذي جاء بعنوان “التنمية الثقافية من أجل النهوض الحضاري”، بيّن الباحث أهمية تشجيع الناس على التعاطي اليومي مع الثقافة، من خلال زيادة فاعليتها وتركيز الإعلام عليها، وجذبهم لحضورها، لعل الثقافة تصير جزءا من يومياتهم.
ويخلص الباحث إلى أن إدارة التنمية الثقافية في العالم العربي يمكن أن تكون منظورا للنهوض الحضاري الشامل، لأن التنمية الثقافية المعنية بتطوير منظومة القيم السلوكية لدى الأفراد والمجتمعات، تنعكس إيجابا بالضرورة على جميع حقول العمل والإنتاج والانتماء والمواطنة، وترتقي بفرص وإمكانات الدول والمدن والمجتمعات.