كتاب عن الانتقال من زمن البداوة الرقمية إلى عصر الترحال التواصلي

السبت 2014/10/25
مراد يهتم بمسألة تأثير الثقافة الرقمية على الدماغ البشري والإعلام وعلوم اللغة

يهتم كتاب “الإنسانيات الرقمية”، الصادر عن “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر”، بيروت (2014)، لمؤلفه الباحث اللبناني غسان مراد بمسألة تأثير الثقافة الرقمية على الدماغ البشري والإعلام وعلوم اللغة، وكيفية معالجتها الآلية عن طريق تناول أسس تقنيات رصد المعلومات، الثابتة والمتحركة. يقع الكتاب في 294 صفحة من القطع الكبير.

يشير الباحث غسان مراد إلى أن أهم التأثيرات التي تنقلها معها، هي التوجه إلى العمل الجماعي، بين باحثين في مجالات مختلفة، ويهدف هذا الأسلوب الجماعي في العمل إلى التفتيش عن لغة مشتركة -بل صنعها- بهدف دعم الإنتاج المعرفي المشترك، ويجري البحث جماعيا أيضا عن طرق مناسبة لتعليم المعلوماتية وإدخالها في العلوم الإنسانية المتنوعة وفي مراكز البحوث أيضا، لوضع مناهج علمية مناسبة لهذا النوع من التفاعل.


دور الإنترنت


حول دور الإنترنت في التغيير يرى المؤلف أن المساحة الافتراضية ثنائية التوجه، إذ تحتوي تنظيما ذاتيا من جهة، وإنتاجية للمعلومات وتشغيلا لها من جهة أخرى، ولا يوجد في العالم الفعلي ما يوازي ذلك.

ويبدو التقارب بين الفعلي والافتراضي، وكأنه ناتج عن جهد يبذله هذا الأخير، إذ يستطيع الأفراد نشر معلومات وآراء على الإنترنت، وما ينشر يربط العالم الافتراضي بالواقع، بل إنه يفرض على العالم الفعلي، وتتميز الشبكة العنكبوتية بأنها منفتحة.

كما ينبذ التحكم والرقابة على الرغم من محاولة مجموعة من الحكومات (وبعض الشركات أحيانا) السير في اتجاه مغاير لهذه الحرية، وذلك من خلال التجسس الذي يمارس بالأخص من قبل الأميركيين، وأكبر دليل على ذلك التجسس القائم على الدول الأوروبية والذي كشف عنه في شهر أكتوبر 2013، وتظهر هذه الشبكة قابلية للامتداد، فلا يوجد تحكم في كمية المعلومات التي تدخل يوميا إليها.

لتقنيات الرقمية وضعت الكتابة والقراءة في القلب من المهارات الأساسية التي ينبغي أن يتموضع فيها كل فرد

كما أن التقنيات الرقمية وضعت الكتابة والقراءة في صلب المهارات الأساسية التي ينبغي أن يتموضع فيها كل فرد، ويعتبر هذا من المفارقات التي ولدتها ثورة الإنترنت، والبريد الإلكتروني، وعولمة تدفق المعلومات وغيرها، إذ دفعت هذه الأمور لتحويل القراءة والكتابة إلى مهارات لا يمكن لأحد أن يجهلها أو يتجاهلها، أكان ذلك لتقديم طلب على موقع “ويب” أم للتقدم بطلب للحصول على وظيفة عن طريق البريد الإلكتروني أو غير ذلك.

أرشفة الويب


كما أن مؤسسة “غوغل” صاحبة محرك البحث المشهور على الإنترنت قد فتحت باب المناقشة لعشرة مشاريع “في الإنسانيات الرقمية” ولم يستطع الفوز بها إلا جامعات أنغلو ساكسونية وأميركية، بينما لا يزال النقاش في هذا الموضوع شبه غائب في العالم العربي، مع العلم أن علم الإنسانيات الرقمية يعتبر من أهم القطاعات المعاصرة التي تستطيع دعم عملية التنمية، فضلا عن كون هذه العملية في حد ذاتها تترافق مع تغيير جذري في مجال البحوث الأكاديمية كافة.

وحول أرشفة الوثائق الرقمية يرى المؤلف بأنه سيكون من الصعب على المؤرخين، بعد فترة من الزمن معرفة حاجتهم لكي يكتبوا التاريخ، فالمعلومات كثيرة وهائلة، وكثرة المعلومات تبعث على الضياع في بحر من الوثائق الإلكترونية هذا، وقد آن الأوان للكلام على أرشفة “الويب” وتخزينه للأجيال القادمة. يرى المؤلف أن الشكل الحالي للوثائق الإلكترونية يغير في طبيعة النصوص، ففي زمن الطباعة، كان يمكن للنص أن يكون صفحة أو جملة أو عمودا أو فقرة أو اقتباسا أو إشارة على الهامش، وفي زمن الوثائق الإلكترونية صار “النص” قابلا للجميع بين الكلام المكتوب والصورة والصوت، بل أضيف إليه البعد الزمني أيضا (الذي يشار إليه بالديناميكي والتفاعلي والتبادلي، في الوقت والحي وغيره) وتدمج تلك الأشياء في ما يسمى بالنص المتعدد الوسائط.

الكاتب يطلق دعوة إلى تبسيط العلوم بما يؤدي إلى خلق ثقافة علمية تشرك الناس في أمور البحث


زحف ثعبان التقنية


يتحدث المؤلف عن الرصد الاستراتيجي للمعلومات (أعرف.. أحلل.. أجدد) وهو مصطلح أو عبارة تجمع أنواعا من استراتيجيات متعددة، يتخصص كل منها في مجال محدد، منها مثلا الرصد التكنولوجي والرصد الاقتصادي والرصد السياسي والرصد القانوني.

يتميز كتاب “الإنسانيات الرقمية”، بتناوله مجموعة كبيرة من الموضوعات على شكل مداخلات أو مقالات مطوّلة ومبسطة علميا في آن واحد، وهي تشبه التغيرات الحاصلة في عادات القراءة الراهنة. كما تتماشى مع الدعوة التي يطلقها الكاتب لتبسيط العلوم “بما يؤدي إلى خلق ثقافة علمية تشرك الناس في أمور البحث”.

وقد امتازت عناوين هذه المداخلات بتضمينها استعارات لغوية شيقة تدعو الى قراءتها من دون ملل.

من بين العناوين التي غلب عليها طابع العنوان الصحفي، نشير إلى “الذكاء الجمعي: مملكة النمل” و”التقنيات المرتقبة: زحف ثعبان التقنية نحو سحاب الشبكات” و”أبعد من هوية ملتبسة: رقاقات تُغرس في الجسد وتغيّر هوية الإنسان” و”الإنسان البيونيقي: صورة أولية لجسد الكومبيوتر” و”المواطن يكسر التلقي ويرمي قفاز التحدي في وجه الإعلام العام” و”فريميوم: تزاوج المعلومات ومجانيتها” و”رموز القراءة الرقمية: الإصبع النقاف” و”التحول من الكبس إلى اللمس”و”الانتقال من زمن البداوة الرقمية إلى عصر الترحال التواصلي”.

يذكر أن غسان مراد هو مدير مركز علوم اللغة والتواصل بالجامعة اللبنانية. حاصل على دكتوراه في علوم اللسانيات الحاسوبية، من جامعة السوربون – باريس، فرنسا. وهو أيضا أستاذ في اللسانيات الحاسوبية في جامعة السوربون، وأستاذ اللسانيات الحاسوبية في الجامعة اللبنانية، ومدير مختبر “ليلاس” في الجامعة اللبنانية، وبــاحث مشارك في مختبر “لاليك” في باريس.

16