كتابان يرصدان أخطاء كتّاب السيناريو ويقدمان دليلا شاملا للسيناريو الناجح

يتسع الاهتمام بكتابة السيناريو ويرافقه سؤال يطرحه الكثيرون عن التطورات المرتبطة بكتابة السيناريو، وذلك بالتزامن مع التدفق الهائل في الإنتاج السينمائي وإنتاج المسلسلات محدودة الإنتاج أو تلك ذات الإنتاج الضخم مما يشاهده الملايين من المتابعين في مختلف أنحاء العالم كل يوم، بل كل ساعة.
القاهرة - يا ترى إلى أين وصلت تلك المهارات والأساليب في كتابة السيناريوهات؟ ومن جهة أخرى ما هي الأخطاء التي يمكن أن يتجنبها كاتب السيناريو لكي يقدم سيناريو ناجحا ومتماسكا؟ ذلك ما يخدم الدارسين والمهتمين بهذا التخصص الذي يجمع بين السرد في شكله الأدبي والسرد السينمائي ومتطلبات لغة الصورة.
ولعل السؤال عن مهارات كتابة السيناريو يذهب في الغالب باتجاه البحث عن الكتب التي تعلم المهارات الأساسية لكتابة السيناريو وأغلبيتها مترجَمة عن لغاتٍ أخرى.
لكن الإشكالية الأهم التي قد لا ينتبه إليها الكثيرون هي أن تعلم المهارات الأساسية لكتابة السيناريو مرتبط بشكل وثيق بالأخطاء التي يقع فيها كتاب السيناريو بمختلف مستوياتهم وخبراتهم، وهي أخطاء متكررة ولا يكاد يسلم منها كاتب سيناريو في مرحلة من مراحل مسيرته في هذا المجال.
دليل كتابة السيناريو

كتاب "دليل كتابة السيناريو" إضافة نوعية مهمة، فهو مكتنز بالمعلومات حيث يعلّم ما يمكن أن نسميه أسرار الصنعة
بعد أن ترجم ونشر عدة كتب ومقالات في مجال كتابة السيناريو وقام بإطلاق العديد من الورشات في هذا المجال، فضلا عن تدريسه هذا التخصص الدقيق في الجامعة، يقدم لنا الأكاديمي والناقد العراقي طاهر علوان كتابين مهمين في مجال كتابة السيناريو خلال فترتين متقاربتين، ربما يعدان من أهم كتب السيناريو هذا العام.
الكتاب الأول حمل عنوان “دليل كتابة السيناريو”، وهو من تأليف راتشيل بلون وصدر عن دار إبداع بالقاهرة.
يشكل هذا الكتاب إضافة نوعية، فهو كتاب مكتنز بالمعلومات حيث يعلم ما يمكن أن نسميه “المزيد من أسرار الصنعة” والمزيد من العوامل التي تمكن المهتمين بهذا الفن والإبداع المهم إلى من الاحتراف في مجال كتابة السيناريو.
ولأن المؤلفة هي في الأصل محترفة وأستاذة متمرسة في الجامعات الأميركية وتجمع بين تخصص علم النفس وكتابة السيناريو وتنظيم الورشات الخاصة باكتساب مهارات كتابة السيناريو، بحسب مقدمة المترجم، فقد أبدعت في تقديم معلومات غزيرة وعملية تساعد كتاب السيناريو بصرف النظر عن مستواهم وخبراتهم في التعرف على أسرار جديدة في كتابة السيناريو واجتياز العقبات التي تواجههم، كما أنها فضلا عن ذلك اختتمت كل فصل بعدد من الأسئلة والمناقشات.
تقول المؤلفة إن كتاب السيناريو سواء أكانوا مبتدئين أو محترفين أو هواة يلتقون جميعا في نقطة واحدة وهي أصول وقواعد كتابة السيناريو. وهم في أمس الحاجة إلى تجديد معلوماتهم في هذا المجال.
وتضيف المؤلفة “لكل من يبحث عن تعلم تلك المهارات في كتابة السيناريو، أقول له إن هذا الكتاب موجه لك، وسوف تصبح لديك من خلال قراءته وبعد قراءته معرفة متميزة عن بناء القصة السينمائية الصحيحة ومعرفة واسعة في مجال بناء وتطوير الشخصية في السيناريو”.
علاوة على ذلك يتيح هذا الكتاب التفاعل مع المعلومات من خلال التمارين والتطبيقات الخاصة بكتابة السيناريو، المتاحة في نهاية كل فصل، والهدف منها هو الاقتراب من إتقان حِرفة كتابة القصة السينمائية والتلفزيونية على حد سواء من خلال التطبيقات والإجابة عن الأسئلة.
السيناريو الجيد يحول العمل إلى رحلة عاطفية ونفسية وعقلية تخوضها الشخصية مستجمعة قواها لفعل شيء إزاء المشكلة
من جهة أخرى تمكن فصول هذا الكتاب المختصرة والمكثفة من التعرف على كيفية الانطلاق من الثيمة والعمل عليها حتى الانتهاء من السيناريو الكامل، والذي تتم كتابته بشكل احترافي بموجب منهجية هذا الكتاب العملي.
ويشتمل الكتاب على عشرين قسما تفتتحه بالتساؤل: كتابة السيناريو، أهي عملٌ سهلٌ أم صعب؟ وبمقولة هيتشكوك الشهيرة: “لكي تصنع فيلما عظيما، فإنك تحتاج إلى ثلاثة أشياء، وهي: أولاً السيناريو، وثانيا السيناريو، وثالثا السيناريو”.
وتتحدث المؤلفة عن تجربتها الواسعة في هذا المجال قائلة “بالنسبة إلي، أود أن أوضح للقراء أنني بدأت لأول مرة بتدريس ورش عمل كتابة السيناريو في الجامعة في لوس أنجلس، وفي ورشات إعداد كتاب السيناريو منذ أكثر من عشرين عاما، كما نظمتُ حلقات دراسية لكتابة السيناريو في معهد الفيلم الأميركي”.
وتقول الكاتبة أيضا “إن أولئك الذين ينجحون ككتاب للسيناريو لا يستسلمون أبدا بل يكتبون ويعيدون الكتابة مرات ومرات بلا ملل. لديهم العنصر الأكثر أهمية للكتابة وهو المثابرة والرغبة في تحقيق النجاح والرغبة الجامحة في أن يصبحوا كتابا للسيناريو. إنهم قادرون على تسمية أنفسهم كتاباً للسيناريو لأنهم أتقنوا حرفتهم من خلال القيام بالعمل الصعب المتمثل في الكتابة وليس لأنهم يريدون فقط أن يُعرفوا بالكتاب”.
ثم تدخل الكاتبة أقسام الكتاب العديدة في رحلة مشوقة وممتعة وبأسلوب سلس، وهو ما يجعل هذا الكاتب إضافة نوعية لكتب السيناريو المترجمة إلى العربية وفيه مجهود حقيقي من طرف المؤلفة والمترجم، وذلك لتحقيق هدف المهتمين بكتابة السيناريو والمتمثل في أن يكونوا بمستوى احترافي عال.
رصد الأخطاء

"موسوعة كاتب السيناريو" كتاب يشكل إضافة معرفية هامة بفضل شموليته وتنوعه وغزارة المعلومات الواردة فيه
أما الكتاب الثاني الذي حمل عنوان “موسوعة كاتب السيناريو”، والصادر حديثا عن دار خطوط وظلال في عمان، فإنه يشكل في حد ذاته إضافة معرفية هامة أخرى بسبب شموليته وتنوعه وغزارة المعلومات الواردة فيه.
يقول مترجم الكتاب، الدكتور طاهر علوان، “لقد أدركتُ أن الأخطاء التي يقع فيها، أو يمكن أن يقع فيها، كاتب السيناريو هي الجديرة بأن تُدرَس بعناية ويدركها كتاب السيناريو وخاصة الشباب منهم”.
ويضيف “لهذا فقد بدأت منذ سنوات بجمع الكثير من المقالات والدراسات القيمة لكتاب سيناريو ومتخصصين مرموقين في مجال كتابة السيناريو كلها تتركز في الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها كاتب السيناريو، وبهذا تكونت هذه السلسلة القيمة من المقالات التي شكلت أول موسوعة عربية لكتابة السيناريو موضوعها الأساس هو الأخطاء التي يقع فيها كتاب السيناريو”.
ويتابع علوان “الحاصل أنني وجدتُ في ما ترجمتُه مادة غزيرة وثمينة ولا غنى عنها بالنسبة إلى أي كاتب للسيناريو مهما كان مستواه، فضلا عن أن هذه الموسوعة تحتل أهمية خاصة بالنسبة إلى كل دارسي السرد البصري – السمعي ودارسي الفن السينمائي فضلا عن المهتمين بمهارات عملية الإعداد والاقتباس إلى الشاشة وسائر المهارات الأساسية التي يحتاج إليها كاتب السيناريو”.
وفي هذا الصدد تتبع المترجم على مدى سنوات ما كان قد نشره العديد من كتاب السيناريو والباحثين وأساتذة السيناريو في العالم واختار من بينهم ما يقرب من خمسة عشر كاتبا ترجم عنهم فصولا من أطروحاتهم في هذا المجال، نذكر منهم مثلا: إيليوت جروف، كليف فراين، ديميتري فورونتزوف، وليام سي مارتلوكت، كين مياموتو، نويل بوفام، مايكل هاوج، نيس أوريل.
التمرد على أرسطو
الأفلام تصنعها الحبكة
في القسم الأول من الكتاب يتحدث كاتب السيناريو البريطاني إيليوت جروف، وهو نفسه مدير مهرجان ريندانس السينمائي، قائلا إنه “في البدء لا بد من القول إن مهنتي ككاتب ومحلل ومحاضر في مجال كتابة السيناريو قد امتدت معي لسنوات طويلة من العمل الجاد في هذا الاختصاص. درست بشكل معمق كيفية كتابة السيناريو فضلا عن تحليله وتفكيك عناصره وإعداده. وعندما أسست مهرجان ريندانس السينمائي الدولي في بريطانيا وخاصة خلال السنوات بين 1992 و2003 شكلت الفترة الذهبية عندي بالمزيد من التعمق وإلقاء المحاضرات وعقد الحلقات الدراسية وإقامة الورشات التدريبية، وأنتجت خلال ذلك أكثر من 2500 سيناريو نال الكثير منها فرصته إلى الشاشة”.
ويضيف “مجموعة الخبرات التي اكتسبتها في مجال كتابة السيناريو، وخاصة الأخطاء التي يقع فيها كتاب السيناريو بشكل متكرر، هي الثيمة التي وجدت من المهم أن أشتغل عليها، ولهذا يسرني أن أقدم لكم هذه القائمة من الأخطاء التي يقع فيها كاتب السيناريو”.
ويستعرض جروف في محاضرة شاملة مجمل الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها كاتب السيناريو.
وتحت عنوان “ما يجب أن يعلمه كاتب السيناريو” يكتب الباحث والناقد ديفيد جريفيت “لقد سبق أن ألفت كتاب ‘المرشد العملي لكاتب السيناريو’ الموجه خصيصا إلى عموم كُتاب السيناريو من مختلف الأجيال والتجارب، وكنت قد كتبته بالأساس إلى مؤسسة الشاشة الإسكتلندية ثم زدته إضافات في عام 2012 حتى تكامل ونشرته حافلا بالمعلومات والتجارب والإرشادات والجوانب النظرية والتطبيقية، ولهذا أعده إضافة مهمة خاصة لكتاب السيناريو الجدد، ومن حيثيات ذلك الكتاب سأستمد بعض الأفكار في تلامس الأخطاء الأكثر شيوعا التي يقع فيها الكثير من كتاب السيناريو”.
ويستعرض الباحث في البدء إشكالية الأنواع السينمائية/ السردية قائلا إنه “يجب أن نعلم أن هنالك أنواعا سينمائية/ سردية قد تطورت بشكل سريع، ومنها دراما الرعب والخيال العلمي والإثارة، والتي قد لا تبدو في الظاهر متوافقة مع القواعد التي أرساها أرسطو، ولكنها خرجت من قلب الدراما الأرسطية ومن قواعدها الأساسية”.
طاهر علوان تتبع في كتاب "موسوعة كاتب السيناريو" ما كان قد نشره العديد من كتاب السيناريو والباحثين وأساتذة السيناريو في العالم على مدى سنوات
ويرى أنه من الملفت للنظر أيضا أننا في الأزمنة الحديثة زاد إحساسنا بالكوميديا ربما أكثر مما كان في منطلقات أرسطو، فضلا عن إنتاج شخصيات حملت صفة البطولة وبدت أكثر تعقيدا مثل شخصية مكبث وإيلين كارول في فيلم “الوحش” وترافيسبيكل في فيلم “سائق التاكسي”، وهي شخصيات درامية لا تبدو للوهلة الأولى متطابقة تماما مع مبادئ أرسطو فيما يتعلق بشخصية البطل الكلاسيكي.
أما كاتب السيناريو تيموثي كوبر فإنه يجمع أهم 15 خطأ يقع فيها كتاب السيناريو، ومنها مثلا النقص أو الضعف في بناء صراع متماسك ومؤثر في السيناريو، وهو عيب آخر بل هو العدو القاتل للسيناريو، مضيفا “تذكر أن لا سيناريو دراميا بلا صراع قوي، هذا الضعف ينعكس بالتالي على الشخصية ويشكل عيبا ونقصا فيها، لكن هذا لا يجب أن يُفهم على أن المطلوب هو أن تتصارع الشخصيات بشكل دائم، وإنما من المهم أن ينساب تحت كل متغير قدر من التوتر الذي يجب أن تصنعه وتقوم بتصعيده أو أن تدفعه باتجاه الصراع المقبل”.
ويضيف “من الأخطاء الأخرى ما يتعلق بالشخصيات في السيناريو، ومنها الشخصيات قليلة الأهمية، وذلك من خلال إعطاء شخصيات غير مهمة وزنا أكثر مما تستحقه. في بعض الأحيان يحتاج وصف الشخصية وأفعالها بضعة أسطر وليس كمّا كبيرا من الجُمل. ليس هنالك استعداد لدى قارئ السيناريو ولا لدى المشاهد لأن يمضيا المزيد من الوقت وأن يعطيا مساحة ذهنية للشخصية التي لا يكون لها دور فاعل ذهابا وإيابا خلال مسار الأحداث في كونها متحركة وفاعلة”.
وتتحدث كاتبة السيناريو زارا والدباك باستفاضة عن نفس المحور المتعلق بالشخصية، فإذا كانت الشخصيات تسعى للحصول على شيء ولكنها تواجه صعوبة في الحصول عليه، فإنك تكون واقعيا قد حصلت على نواة القصة؛ وجود عائق أمام الشخصية يحول دون بلوغ أهدافها هو الخطوة الأولى باتجاه بناء القصة المطلوبة، ولكن كن متأكدا من أن المشكلة مرتبطة مباشرة بفكرة القصة وذلك سيتطور قدما وسينمو مع نمو أحداث القصة، ويجعل الأشياء أكثر تماسكا بالنسبة إلى الشخصيات، ويخلق فرصا نحو رحلة عاطفية ونفسية وعقلية تخوضها الشخصية وهي تستجمع قواها لفعل شيء إزاء المشكلة التي تعترضها، وتقول “تذكر أن لا شخصية في الدراما دون مشكلة تواجهها، وهنالك بالطبع أمثلة كثيرة في هذا المجال يمكن الإحاطة بها من خلال العديد من الأفلام والمسلسلات”.
أهمية الحوار
الثغرات في الحبكة هي الفجوات أو ذلك التضارب في القصة الدرامية الذي يتعارض مع التدفق المنطقي للأحداث
أما كاتب السيناريو كين مياموتو فإنه يخصص محاضرته لموضوع الحوار في السيناريو قائلا “إذا كان هنالك من عنصر مهم في مجال كتابة السيناريو يرغب معظم كتاب السيناريو في إتقانه، فهو الحوار. بل إن من واجب كاتب السيناريو أن يتقنه إذا كان ينشد الوصول إلى السيناريو الناجح”.
ويضيف أن كاتب السيناريو ليس في حاجة إلى المبالغة في وصف المشهد بلاغيا وشعريا؛ ما وراء كل ذلك والذي يتعدى مجرد الكلمات المكتوبة داخل السيناريو هو الحوار، فالحوار هو ما يهتم به كاتب السيناريو غالبًا، وهو محق في ذلك.
ويمكن لحوار طويل مثلاً أن يأخذ حيزاً صغيراً ويكون له تأثير ضئيل بينما يمكن لحوار موجز وقصير ومكثف أن يكون له أبلغ الأثر. الحوار هو الذي يكمل الدائرة في عملية كتابة السيناريو في نهاية المطاف. ومن دونه تبقى تلك الدائرة ناقصة.
هنا لدينا سبعة أسرار، وهي تكشف عن سبعة أخطاء أساسية من الممكن أن يقع فيها كاتب السيناريو ولهذا ينبغي مراعاتها بكل دقة، لكي تصل إلى السيناريو المتكامل والذي يكون فيه الحوار عنصراً جوهرياً ناجحاً.
ثم ينتقل الكاتب إلى موضوع الحبكة في السيناريو قائلا: لا بد من التذكير بأن الحبكة هي في حقيقتها الأحداث الرئيسية في المسرحية أو في الرواية أو في الفيلم أو في أنواع مماثلة هي من ابتكار الكاتب، وهو الذي يقدمها في تسلسل مترابط يؤدي إلى إحداث تحولات مهمة وتأسيس وتطوير عنصر الدراما والصراع.
الثغرات في الحبكة هي تلك الفجوات أو ذلك النوع من التضارب في القصة الدرامية الذي يتعارض مع التدفق المنطقي للأحداث وهي تسير نحو التصعيد والصراع الذي تحتويه القصة، أو هي إغفال وعدم قدرة على تقديم المعلومات ذات الصلة بالحبكة بما يسهم في تطويرها وإنتاج حبكات ثانوية.
وتشمل هذه الثغرات السلوك أو التصرفات غير المتوقعة التي تصدر عن الشخصيات ، أو الأحداث غير المنطقية أو المستحيلة، أو الأحداث التي تحدث دون سبب واضح ودون دافع حقيقي، أو العبارات والأحداث التي تتعارض مع الأحداث السابقة في القصة الدرامية.