كامل ادريس يعين وزيرين للدفاع والداخلية ضمن إعادة هيكلة للحكومة السودانية

الخرطوم – شهدت الخرطوم تحركا سياسيا لافتا تمثل في إصدار رئيس الوزراء السوداني، كامل الطيب إدريس، قراراً بتعيين الفريق محاسب حسن داؤود كبرون كيان وزيراً للدفاع، والفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى وزيراً للداخلية، وهي خطوة محورية تأتي ضمن سلسلة تعيينات تهدف إلى تفعيل المؤسسات السيادية للدولة في خضم النزاع المستمر منذ أكثر من عام بين الجيش وقوات الدعم السريع.
هذا القرار، الذي يمثل أول محاولة فعلية لإعادة ترتيب هياكل الحكومة المركزية منذ استقالة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في يناير 2022 واندلاع الحرب في أبريل 2023، يُنظر إليه على أنه يعكس بوضوح توجهات الجيش نحو الحسم العسكري، فيما قوبل برفض واسع من أطراف مدنية وقوى موقعة على اتفاق السلام، معتبرة إياه "انفرادا بالسلطة وتقويضا لمكتسبات المرحلة الانتقالية".
وقالت وكالة السودان للأنباء "سونا"، إن إدريس أصدر قراراً بتعيين الفريق حسن داؤود كبرون كيان وزيرا للدفاع، والفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى علي وزيراً للداخلية.
ووجه القرار وزارتي الدفاع والداخلية والجهات المعنية الأخرى اتخاذ إجراءات تنفيذ القرار.
وتُمثل التعيينات الأخيرة، أول محاولة فعلية لإعادة ترتيب هياكل الحكومة المركزية منذ استقالة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في يناير 2022، في أعقاب انقلاب 2021، ومن ثم اندلاع الحرب المفتوحة في أبريل 2023.
لكن الحكومة الجديدة قُوبلت برفض من عدة أطراف مدنية وقوى موقعة على اتفاق السلام، اعتبرت الخطوة انفرادا بالسلطة وتقويضا لمكتسبات المرحلة الانتقالية، في وقت شكّلت فيه قوات الدعم السريع حكومة موازية تُعرف بـ"حكومة السلام والوحدة"، تُدير من خلالها المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ويُشار إلى أن تعيين وزيري الدفاع والداخلية وغيرهما من المناصب الأمنية من اختصاص المكون العسكري، وليس لرئيس الوزراء يد في تسميتهم.
ووُلد الفريق حسن داؤود كبرون في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان عام 1962، وهو ضابط محاسب في القوات المسلحة، ووالد الملازم أول عماد حسن، أحد الضباط المشاركين في العمليات القتالية ضمن ما يُعرف بـ"معركة الكرامة".
وشغل داؤود مناصب متقدمة داخل المؤسسة العسكرية، كان أبرزها مدير الإدارة المالية للجيش السوداني، كما عُيّن في عام 2021 من قبل البرهان رئيسا للجنة مراجعة أعمال شركة "زادنا" الزراعية التابعة للجيش. وفي مايو 2022، تمت ترقيته إلى رتبة فريق.
وتسلّط سيرته الضوء على دوره البارز خلال اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، حيث كان متواجدا داخل القيادة العامة للقوات المسلحة، وشارك في القتال من داخل محيطها لمدة عامين.
وظهر في عدة تسجيلات مصوّرة يُشجّع الجنود على الثبات، وكانت له عبارة تداولها كثيرون حينها "إما أن نحمل علم السودان عاليًا، أو نحمل على الأكتاف إلى مثوانا الأخير."
ويُنسب له، إلى جانب عدد من كبار الضباط، الفضل في صمود مقر القيادة العامة وعدم سقوطه في يد قوات الدعم السريع، ما أكسبه حضورا رمزيا داخل المؤسسة العسكرية ودوائر أنصار القوات النظامية.
ويُنظر إلى تسمية الفريق داؤود تحديدًا وزيرا للدفاع كمؤشر على نوايا الجيش لمواصلة الحسم العسكري في معركته ضد الدعم السريع، بحسب مراقبين. كما يُعتقد أن التعيين يندرج ضمن محاولة لإعادة تفعيل وزارة الدفاع سياسيا وميدانيا، بعد أن ظلّ دورها محدودا نسبيا خلال الحرب لصالح رئاسة الأركان والمكاتب التنفيذية الأخرى.
ويُعد وزير الداخلية الجديد بابكر سمرة مصطفى من الكوادر الأمنية ذات الباع الطويل في العمل الشرطي والأمني، حيث شغل خلال مسيرته المهنية عدداً من المواقع الحيوية داخل الشرطة السودانية.
ووُلد الفريق سمرة بمدينة جبيت في الأول من يناير 1957، وتلقى تعليمه الأساسي بمدارس جبيت وسنكات وبورتسودان قبل أن يلتحق بكلية الشرطة متخرجاً برتبة ملازم في أبريل 1980.
وحصل لاحقا على درجة البكالوريوس في القانون من جامعة الرباط الوطني، ما أهّله لشغل مناصب رفيعة ذات طابع إداري وقانوني، حيث تولى مناصب مدير الإدارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية، ومدير الإدارة العامة للتفتيش، ورئيس هيئة الشؤون الإدارية والتخطيط (آخر منصب قبل التقاعد)، كما عمل في عدد من الوحدات الأمنية بولايات البحر الأحمر ودارفور وشمال السودان.
وتأتي هذه التعيينات في حقيبتي الدفاع والداخلية لتعكس توجهات الجيش الواضحة نحو الحسم العسكري في صراعه مع قوات الدعم السريع، فمن خلال تعيين شخصية عسكرية مخضرمة مثل الفريق كبرون كيان وزيرا للدفاع، يرسل الجيش إشارة قوية بنيته مواصلة القتال وتعزيز الفاعلية الميدانية لوزارة الدفاع بعد فترة من الدور المحدود.
وهذا التركيز على الجانب العسكري يشير إلى أن الحكومة الجديدة، رغم تصنيفها "مدنية"، تهدف في المقام الأول إلى دعم المجهود الحربي للجيش، مما قد يطيل أمد الصراع ويجعل الحل السياسي أكثر تعقيداً في المدى القريب.
وعلى الجانب الآخر، تبرز طبيعة الرفض المدني الواسع لهذه التعيينات كعقبة كبيرة أمام أي محاولة لبناء شرعية للحكومة الجديدة، فرفض القوى المدنية وبعض أطراف اتفاق السلام لهذه الخطوة بوصفها "انفراداً بالسلطة وتقويضاً لمكتسبات المرحلة الانتقالية" يعكس تخوفاً عميقاً من تهميش الدور المدني في الحكم واستمرار سيطرة المكون العسكري على مفاصل الدولة.
وهذا الرفض لا يقتصر على انتقادات كلامية، بل يمتد إلى تشكيل حكومة موازية من قبل قوات الدعم السريع، مما يعمق الانقسام السياسي ويجعل مهمة توحيد المؤسسات أمراً صعب التحقيق في ظل غياب التوافق حول آليات الحكم والمشاركة.
وبالنظر إلى هذا المشهد المعقد، يتضح أن هذه التعيينات، ورغم أنها تمثل محاولة لإعادة ترتيب هياكل الحكومة المركزية، قد لا تُسهم بالضرورة في تقريب وجهات النظر أو إيجاد مخرج للأزمة، بل قد تزيد من حدة الاستقطاب وتعمق من الشرخ بين الأطراف المتنازعة. فغياب توافق واسع حول هذه الخطوات يعني أن الطريق نحو استقرار سياسي دائم في السودان لا يزال محفوفاً بالمخاطر، مع استمرار الشكوك حول مدى رغبة الأطراف الفاعلة في التوصل لحل شامل يقود إلى انتخابات حقيقية.
وأعلنت حركة العدل والمساواة السودانية برئاسة جبريل إبراهيم، الثلاثاء، تمسكها الكامل باتفاق جوبا للسلام، بما في ذلك الحقائب الوزارية.
وقال المتحدث باسم حركة العدل والمساواة، محمد زكريا فرج الله، في بيان ردًا على ما تداولته بعض وسائل الإعلام بشأن موقف أطراف السلام "نؤكد أن تمسكنا باتفاق جوبا لسلام السودان هو تمسك كامل بمبادئه واستحقاقاته، بما في ذلك المواقع التنفيذية التي أُقِرّت بموجبه".
ومنحت الحركات المسلحة، بموجب الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه في أكتوبر 2020، نسبة 25 في المئة من مقاعد السلطة، منها 6 مقاعد وزارية، و3 مقاعد في مجلس السيادة، ومنصب الحاكم في إقليم دارفور والنيل الأزرق، وعدد من ولاة الولايات.
وأوضح زكريا في تصريح نقله موقع "المحقق" أن اتفاقية جوبا للسلام تنص في أحد بنودها على أن المواقع التي تحصل عليها الحركات تظل لهذه الأطراف حتى نهاية فترة الانتقال.
وأضاف "اتفقنا مع الحكومة على هذه المواقع قبيل التوقيع على الاتفاقية، بأن المواقع التي تحصل عليها أطراف السلام نحافظ عليها حتى نهاية الفترة الانتقالية".
ولفت إلى أن المشاورات ما زالت جارية حول المواقع مع رئيس الوزراء كامل إدريس.
ويشغل رئيس الحركة جبريل ابراهيم موقع وزير المالية منذ حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، فيما تحدثت تقارير الايام الماضية عن احتمالات نقله لمنصب آخر وهو ما يبدو أن الحركة تعترض عليه.
وكان إدريس قد أعلن عبر خطاب في 19 يونيو الجاري، أنه يعتزم تشكيل حكومة تتكون من 22 وزارة، مشيراً إلى أنه سيشرع مباشرة في إعلان شاغلي الحقائب الوزارية بشكل تدريجي.
وتعهد رئيس الوزراء السوداني الجديد بـ"تحقيق تعيينات عادلة وأساسها الأكفأ والأكثر خبرة وجدارة والأميز سمعة ونزاهة"، لافتاً إلى أنه سينأى عن المحاصصات في اختياراته للوزراء.
واعتبر أن التحديثات الماثلة أمام البلاد بما في ذلك التنمية والاستقرار بحاجة إلى "رجال دولة قادرين على النهوض بالبلاد ووضعها في مصاف الدول المتقدمة".
وأضاف إدريس أن هذا الأمر يقتضي أن "نمسح من قاموسنا المحاصصة والمحسوبية بكافة أشكالها وألوانها والاعتبار بمبادئ العدالة والشفافية والقانون".
وكان رئيس الوزراء الجديد قد أبلغ طاقم الحكومة المكلفة السابق خلال اجتماع، في الأول من يونيو الجاري، بقرار حلها وتكليف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير المهام إلى حين تشكيل حكومة جديدة.