كاظم القريشي: الدراما العراقية أمامها فرص كثيرة للتطور

ينظر النقاد والمتابعون للقطاع الدرامي في العراق نظرة خارجية واسعة، في حين تكون نظرة العاملين فيه أكثر دقة وعمقا، فهم الأعلم بكواليسه وهم القادرون على تقييمه وتقديم صورة أوضح عن نواقصه ونقاط قوته. في هذا السياق يقدم الممثل كاظم القريشي في تصريحات له نظرته الخاصة للدراما العراقية، فيصف حاضرها مستشرفا المستقبل بناء على ما حققته من إنجازات حتى الآن.
بغداد - ظلت الدراما العراقية لسنوات حبيسة الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة، فلم تقدم منجزا فنيا يمكنها من خوض المنافسة العربية، ولم يحقق لها الإشعاع المطلوب، فالدراما عامة أحد أهم الفنون التي تقدم صورة عن البلد والحراك الفني المحلي للخارج.
كاظم القريشي واحد من الممثلين العراقيين، والعالمين بكواليس هذا القطاع والتحديات التي واجهها ولا يزال، وتصدر عنه من حين إلى آخر مواقف وآراء ناقدة لقطاع الإنتاج الدرامي.
وفي تصريحات لوكالة الأنباء العراقية، قال القريشي إن “الدراما العراقية حققت حضورا عربيا”، فيما أشار إلى أن الفرص الفنية متاحة أكثر من السابق.
والقريشي هو من مواليد العام 1967، وهو حاصل على جائزة أفضل ممثل عن مسلسل “أمطار النار” وجائزة أفضل ممثل عراقي لعام 2009 عن عمل “الدهانة”، وكأفضل ممثل عراقي لعام 2011 عن عمل “أبوطبر”. تولى إدارة المسارح العراقية في دائرة السينما والمسرح من عام 2013 وحتى عام 2015 وكان مديرا لمهرجان بغداد الدولي للمسرح. وحاز على العشرات من الجوائز والتكريمات داخل وخارج العراق وكرم في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 2015. كما قدم الكثير من المسلسلات الإذاعية ويصنف بأنه يمتلك صوتا رخيما ومميزا، وكان أحد حكام لجنة التحكيم في برنامج شاعر العراقية لتقييم الأداء والصوت.

كاظم القريشي: الفنان يجب أن يؤدي جميع الأدوار المختلفة وأن يضع أمام عينيه النجاح بتلك الأدوار وأن يحترم الثقة التي منحت له
وفي حديثه عن تجربته الفنية، قال القريشي “دخلت الفن في عمر متأخر وكان أول ظهور تلفزيوني لي عبر الفيلم السينمائي العراقي حفر الباطن عام 2000، وبالرغم من دراستي الأكاديمية الفنية كانت في بداية التسعينات، إلا أن الظروف الاقتصادية والأمنية آنذاك أخرت خوضي في هذا المجال”.
وأضاف القريشي أن “الفرص الفنية لم تكن متوفرة في السابق كما هي الآن، فكان مخاضا عسيرا أن تطرح نفسك فنانا أمام فنانين لهم تاريخهم الفني، إذ كان لا بد من مرحلة إثبات الذات ومن ثم الحصول على الفرصة الذهبية الأولى التي تعد المفتاح الرئيس نحو أبواب النجاح في أي مجال”، مردفا “كنت أتواصل يوميا مع دائرة السينما والمسرح وأجلس لساعات طويلة في الكافيتريا المخصصة للدائرة برفقة عدد من الفنانين سعيا للحصول على فرصة عمل”.
وتابع “كنت أحلم بأن أصبح مذيعا إذاعيا، إلا أنني أحببت عالم الفن أكثر وأعتقد لو مضيت بحلمي في مجال الإعلام لنجحت نجاحاً مدوياً كوني أمتلك صوتا رخيما وحضورا جميلاً”.
وعن رأيه بالأعمال الدرامية العراقية في الفترة الأخيرة، لفت القريشي إلى أن “هناك تطوراً في الأعمال الدرامية العراقية التي انتجت مؤخرا عبر مختلف القنوات العراقية المهمة، واستطاعت أن تحقق حضورا طيباً اجتماعيا بين الأسر العراقية وبعضها حققت حضورا عربياً أيضا، ما ولد منافسة مشروعة بين الأعمال الفنية في ظل استقطاب مخرجين من الشباب الواعي المثقف والعمل معهم متعة من ناحية التطوير والرؤى العميقة في عملية الإخراج”.
وخلال العقود الماضية قدمت الدراما العراقية أعمالا هامة مثل مسلسلات المتنبي، الحداد لا يليق بالفرسان، وا معتصماه، الأيام العصيبة، عين المدينة، رياح الماضي وغيرها من الأعمال الباقية في الذاكرة والتي ستبقى. وفي حين أن نسبة الإنتاج الدرامي تراجعت خلال العامين الماضيين بسبب جائحة كورونا، في أغلب الدول العربية، فإن العراق شهد طفرة درامية إن صح التعبير حيث زاد عدد المسلسلات كما لقي بعضها رواجا عربيا، رغم مواضيعها المحلية.
ويرى القريشي أن “الممثل العراقي مازال يدور في فلك المحلية ما لم يتحقق أمران مهمان هما استقطاب نجوم عرب لهم حضورهم وتأثيرهم الكبير للعمل في أعمال درامية عراقية، والأمر الآخر مشاركة الفنانين العراقيين للظهور في أعمال عربية مهمة، وبذلك يتم تسويق الدراما العراقية عربيا”.
وبيّن الممثل العراقي أن “الأعمال الدرامية المقتبسة أو المتشابهة من أعمال أخرى ليس فيها عيب بشرط عدم استنساخ العمل حرفيا”، مشيرا إلى أن “بعض المسلسلات التي اقتبست من مسلسلات أخرى تم شراء حقوقها ومشروعة قانونا ولا تعد سرقة فنية إطلاقا، نحن في زمن الاقتباسات والعالم أصبح قرية صغيرة وأغلب مواضيع الحياة متشابهة”.
وذكر أن “تجسيده لشخصية وجيه في مسلسل الدهانة للكاتب حامد المالكي، كانت تشبهه كثيراً في الواقع، وكل من شاهد المسلسل يرى قصة القريشي ابن الريف الذي جاء للمدينة ليبدأ قصة كفاحه وإثبات الوجود في مجال الفن”، مبينا أن “أسباب منع عرض الفيلم السينمائي (حفر الباطن) الذي أنتج عام 2000 كان بسبب حادثة تناولها الفيلم هو قصة دفن الجنود العراقيين وهم على قيد الحياة من قبل القوات الأميركية، لذا قررت الحكومة العراقية آنذاك أن تمنع عرض الفيلم في التلفزيون نهائياً كونها بررت أنه كيف يتم التعامل مع الجنود العراقيين بهذه الصورة الضعيفة في الفيلم، على الرغم من موافقة الحكومة منذ البداية على تفاصيل وأحداث الفيلم بالكامل”.
وأعرب عن “حزنه بقرار منع الفيلم كونه أول عمل تلفزيوني لم يحظ بالعرض ولا يعلم أين اختفى الفيلم بعد ذلك”.
وأردف بالقول “أحلم بأن أجسد شخصية الزعيم عبدالكريم قاسم هذه الشخصية الجدلية في المجتمع، وكنت على وشك التعاقد على عمل درامي يتناول شخصية الزعيم من تأليف الكاتب حامد المالكي، إلا أن الجهة المنتجة أوقفت إنتاج المسلسل دون توضيح الأسباب”.
الممثل العراقي مازال يدور في فلك المحلية ما لم يتم استقطاب نجوم عرب ومشاركة العراقيين في أعمال عربية
وتابع “كنت أتمنى أيضا تجسيد شخصية الشاعر المتنبي التي قام بتجسيدها الفنان السوري سلوم حداد، كوني أعشق المتنبي”، مبينا أن “تجسيده لدور كوميدي في مسلسل (غايب في بلاد العجائب) لم يعد مغامرة كونه بعيدا عن منطقة الكوميديا وقريبا من الأعمال التراجيدية”.
ولفت إلى أن “الفنان يجب أن يؤدي جميع الأدوار المختلفة وأن يضع أمام عينيه النجاح بتلك الأدوار وأن يحترم الثقة التي منحت له”، مشيرا إلى أن “المسلسل حقق حضورا كبيراً ومشاهدات عالية، كون الأعمال الكوميدية تحظى بمشاهدة عالية وتأثير بالمتلقي أكثر من الأعمال التراجيدية التي لها جمهورها أيضاً”.
ولم يقتصر القريشي على ممارسة التمثيل بل تولى مهاما إدارية رأى أنها عرقلت مشواره الفني وأبعدته عن الساحة، حيث أعرب عن “ندمه على توليه إدارة المسارح العراقية سابقا، خاصة وأن العمل الإداري يأخذ من جرف الفنان ويبعده عن عمله الإبداعي” مؤكدا “لم أقف أمام الكاميرا طيلة فترة ترؤسي للمسارح العراقية بسبب العمل الإداري”.
وعزا القريشي أسباب ابتعاده عن المسرح، أيضا إلى “ظروف جائحة كورونا التي تتطلب بعض الإجراءات والضوابط وتوقف بعض العروض المسرحية المتفق عليها للعمل”.
وشهدت الدراما العراقية في السنوات القليلة الماضية ظهور وجوه جديدة، يرى البعض أنها تضر بالقطاع لضعف الموهبة أو المراهنة على الجمال الجسدي أكثر من الأداء، في حين يرى البعض في وجوه أخرى مشروع ممثلين ناجحين في المستقبل.
وفي هذا الإطار، وصف القريشي الوجوه الفنية الجديدة في مجال التمثيل بأنها “حالة صحية ترفد المجال الفني بالطاقات الشبابية وسيخرج منهم نجوم وعمالقة الدراما العراقية لاحقا”.
وتابع “حتما الجمهور لديه عيون فاحصة ويميز بين من يمتلك المؤهلات الفنية ومن لا يمتلكها، لذا فإن الساحة الفنية متاحة لمن يستحقها”.