كازاخستان تضع إنتاجها النفطي في صدام مع أوبك+

رغم التضارب في تصريحات مسؤوليها تسير كازاخستان في مسار تصادمي مع أوبك+ بسبب خططها الجديدة وتجاوزها المستمر لحصص إنتاج النفط المحددة، ما يهدد بتقويض استقرار السوق وزيادة التوترات داخل التحالف الذي يعمل وفق إستراتيجية تنسجم مع التقلبات العالمية.
أستانا - أثارت كازاخستان هذا الأسبوع توترات جديدة داخل مجموعة أوبك+ من خلال التأكيد على أن إستراتيجية إنتاج النفط الخاصة بها ستخضع للمصالح الوطنية بدلا من الحصص الجماعية، مما يثير أسئلة حول الامتثال في المستقبل والتماسك داخل الكارتل.
وتجاوز البلد مرارا حصص الإنتاج المتفق عليها داخل المجموعة على مدار العام الماضي، ما أدى إلى غضب بعض أعضاء أوبك+، بما في ذلك أفضل المنتجين السعودية التي دفعت إلى ارتفاع أسرع من إنتاج أوبك+ في الاجتماع الأخير.
وتضخ كازاخستان نحو اثنين في المئة من الإنتاج العالمي ويعتمد معظمه على الاستثمارات العالمية، مثل مشاريع شركة شيفرون الأميركية، التي استثمرت المليارات من الدولارات في البلاد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
ويعتقد البعض من المحللين أن هذا الموقف العدائي بقدر ما يخاطر الآن بتعقيد جهود الموازنة الهشة بالفعل داخل التحالف النفطي، إلا أنه قد يكون مدفوعا من منتجين، حيث تلعب كازاخستان بالنيابة عنهم ضد السعودية والتي هي أكبر منتج في أوبك.
ويرى شق من المحللين أنه بما أن كازاخستان تعتمد على صادرات النفط كمصدر رئيسي للدخل، وفي حال واجهت ضغوطا اقتصادية، فإن زيادة الإنتاج لزيادة الإيرادات سيكون مهمّا لها حتى لو كان ذلك مخالفا لحصتها المتفق عليها ضمن أوبك+.
وتبلغ حصة كازاخستان وفقا للمتفق عليه في أوبك+ أكثر من 1.46 مليون برميل يوميا، وهي حصة لا تبدو مؤثرة كثيرا بين منتجي الكارتل والبالغة أكثر من 41 مليون برميل يوميا.
وسجلت البلاد انخفاضا بنسبة 3 في المئة بالإنتاج في الأسبوعين الأولين من شهر أبريل من متوسط شهر مارس 2025، لكنه لا يزال يتجاوز حصة التحالف.
وفي مارس، أنتجت البلاد 1.85 مليون برميل يوميا، متجاوزة حصتها. وفي سبتمبر 2024، بلغ إنتاجها 1.63 مليون برميل يوميا، متجاوزة حصتها بنحو 170 ألف برميل.
ولكن أيّ زيادة جديدة في الإنتاج قد تكون وسيلة لجذب الشركات الأجنبية، خاصة أن كازاخستان، أكبر دولة حبيسة في العالم، تمتلك احتياطات ضخمة من النفط، وهي في حاجة إلى شركاء تكنولوجيا وتمويل لتطويرها والاستفادة منها.
وحتى الآن لم ترشح أيّ معلومات تفصيلية حول الأسباب الكامنة للخطوة، التي غلفتها كازاخستان، وهي من أكبر منتجي العالم بكمية بلغت 1.55 مليون برميل يوميا في المتوسط خلال 2024، بتصريحات مفادها أن قرارها يأتي للمصلحة الوطنية البحتة.
وكان وزير الطاقة الكازاخي إيرلان أكينجينوف، الذي تم تعيينه الشهر الماضي، قد قال في مقابلة مع رويترز “سنحاول ضبط أفعالنا. إذا لم يكن شركاؤنا… راضين عن تعديل أفعالنا، ثم سنتصرف مرة أخرى وفقا للمصالح الوطنية مع جميع العواقب التي تلت ذلك.”
وأضاف “هذه صياغة واسعة، لكنها تغطي الموقف بأكمله تماما الآن. التصرف فقط وفقا للمصالح الوطنية.” وتابع أن بلاده “غيرة قادر على تقليل الإنتاج في مشاريعها الثلاثة الكبيرة لأنها تسيطر عليها التخصصات الأجنبية، وخاصة في حقل تنغيز بقياد شيفرون.”
1.46
مليون برميل حصة كازاخستان من حجم إنتاج التحالف البالغ 41 مليون برميل يوميا
كما أصدرت وزارة الطاقة بيانا مقتبسا من الوزير قال فيه إن “كازاخستان كانت مشاركا مسؤولا في مجتمع الطاقة الدولي وكانت مهتمة بإمكانية التنبؤ وتوازن الطلب والتوريد.”
وذكر أكينجينوف أن “مشاركتنا في أوبك+ هي أداة مهمة لضمان الاستقرار العالمي، وتوفير شروط لتنفيذ الخطط وجذب الاستثمار. نحن ملتزمون بالعمل البناء في إطار الاتفاقية والوفاء بالتزاماتنا.”
لكن كازاخستان عادت وأعربت عن التزامها بسياسة الإنتاج في المجموعة النفطية التي تقودها السعودية وروسيا، مؤكدة أنها تتعاون مع التحالف لإيجاد حلول مقبولة للطرفين بشأن قضية إدارة الإمدادات المحلية.
وقال أكينجينوف في رسالة عبر البريد الإلكتروني لوكالة بلومبيرغ إن “مشاركة بلاده في تحالف أوبك+ أمر مهم للغاية في ما يتعلق بضمان الاستقرار العالمي.” وأضاف أن كازاخستان “سوف تراعي مصالحها الوطنية دوما مع مراعاة التزاماتها الدولية.”
ويأتي التضارب في موقف كازاخستان خلال يومين في توقيت حساس بشكل خاص بعدما أقرت أوبك+ مؤخرا بإنتاج مبالغ فيه بمقدار 457 ألف برميل يوميا وتلتزم بتعويض ذلك بحلول يونيو 2026.
وهذا الوضع، كما ذكرت منصة أويل برايس الأميركية قد زاد التدقيق على الأعضاء الذين يتجاوز إنتاجهم حدودها المتفق عليها. وقد يؤدي تحديد أولوية كازاخستان إلى تقويض أيّ خطط للمجموعة النفطية
ووفق المنصة تصاعدت التوترات خلف الأبواب المغلقة، فقد أوردت عن مصادر مطلعة تحدثت لموقع زيرو هيدج الإلكتروني، وهو مدونة لأسواق رأس المال، إحباطا داخليا بين الأعضاء الأساسيين مثل السعودية بسبب الإفراط في إنتاج كازاخستان.
وتتمتع أوبك بتاريخ من الاشتباكات المماثلة مع دول مثل نيجيريا وأنغولا وقطر، حيث تجاوز الإنتاج الأهداف والحكومات لم تفعل سوى القليل لتقليصها على الرغم من أنه في الكثير من الأحيان مدمجة في عقودها الحق في تنظيم الإنتاج.
ونتيجة لمثل هذه التوترات، غادرت أنغولا أوبك+ في عام 2023، كما تركت قطر أوبك في عام 2018 مستشهدة بإنتاج الغاز المتزايد والاعتبارات المحلية.
وانضمت كازاخستان إلى أوبك عام 2016، عندما أسست المنظمة تحالف أوبك+ مع عدد من الدول النفطية الكبرى الأخرى، بقيادة روسيا.
وعلى مدى ما يقرب من عقد، كانت كازاخستان شريكا مشاكسا للمنظمة، فغالبا ما تجاوز إنتاجها حصتها المحددة. ويزداد هذا التحدي هذا العام مع الانتهاء من مشروع بقيمة 45 مليار دولار لتوسيع أكبر حقول النفط في البلاد.
وإذا سُمح لكازاخستان بالعمل بكامل سعتها الإنتاجية، فإن توسيع حقل تنغيز النفطي، الذي استغرق قرابة عقد من الزمن لإتمامه، يمكن أن يضيف نحو 260 ألف برميل يوميا مع حلول منتصف 2025.
وقد يبدو هذا الرقم صغيرا، لكنه يعادل نحو ربع الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط خلال العام الجاري. كما يتم تشغيل كاشاغان وكاراتشاغاناك، مشاريع كازاخستان الكبيرة الأخرى، من قبل شركات النفط الغربية.
وتمثل المشاريع الثلاثة 70 في المئة من إنتاج كازاخستان. والحقول الأخرى أكثر نضجا وهناك مخاطر بفقدانها تماما إذا بدأت في تقليل الإنتاج هناك.
وتعهدت ولاية آسيا الوسطى بالتعويض عن الإفراط في الإنتاج عن طريق الحد من إنتاج النفط الخام حتى يونيو 2026. ويتم تشغيل مشروعي كاشاغان وكاراتشاغاناك النفطيين بواسطة كونسورتيوم يشمل إيني وشل وكازمونايغاز الكازاخية.