"كارل ماركس في العراق" رواية تحاكي واقعا غير واضح الملامح

أحداث الرواية تدور بين محبي الماركسية وصراعات تقرير المصير في ظل الصراع الطبقي والأممي.
الثلاثاء 2018/09/25
خصوصية عراقية

ابتسام حبيب العجيلي

يحاكي الكاتب العراقي فرات المحسن في روايته "كارل ماركس في العراق" صورة من الجدل الدائر بين مريدي نظرية كارل ماركس "فضل القيمة" حيث يجتزئ صورة من هذا الجدل بين مريدي المبادئ الماركسية وما يدور في مجتمعاتنا العربية.

ويختار الكاتب في روايته، التي نشرت في 314 صفحة من القطع المتوسط، رواد الفكر الماركسي في العراق، ليحاوروا ماركس نفسه، تحديدا وبوعي عن حقائق نظرية "فضل القيمة" ومرونتها العالية ومحاكاتها للخاص والعام في ظل ظروف معينة.

والكتاب هو مزيج ممتع وملهم يثير الفضول لاكتشاف ما يصبو إليه الكاتب، الذي بعث الحياة في عروق النظرية الماركسية وجسدها حية ترزق بشخصية الفيلسوف ماركس بذاته وزج بها في حلة العراق الحديثة.

وتدور أحداث الرواية بين محبي الماركسية وصراعات تقرير المصير في ظل الصراع الطبقي والأممي. وسردت باللغة الأم الفصحى، وتألقت بلسان خصوصية اللهجة العراقية العامية، فكان الملتقى بينهما تارة تصادم يفض بعقلانية وجدارة وحكمة بعض الشخصيات المثقفة وتارة بفكاهة شعبية غالبة.

وبالرغم من الأحداث المأساوية، التي دارت بين الفرقاء، إلا أن فكاهة المواقف وفهلوة الشخصيات كانت تمد بالابتسامة. والنسيج والتداخل في الرواية لونّه الكاتب بحرفية لغوية عالية الخصوصية ومعرفة اجتماعية، احترافية، تاريخية وسياسية مدروسة. 

والتناول لواقع الحال العراقي جسد اشكال المواجهة الصريحة بين أبناء البلد، بات فريدا من نوعه لما يضم في دهاليزه من غرابة وتناقضات، ومواجهة مقصودة، وبتمعن، نجدها تحاكي الماضي المجيد وتمس الحاضر، بل وجسدت تنوع الشخصيات المذكورة، ووضحت، نسبياً عن الواقع العراقي، أسباب وتنوع هذا التناقض.

الرؤية التي يتناولها الكاتب توضح أن التناقض هو الراعي الأول لعدم النضوج الكامل لشخصيات الأفراد، سواء الافتراضية في الرواية أو الموجودة على أرض الواقع. وبرز هذا الخلل في السلوك الشخصي من خلال تعامل الشخصيات فيما بينها ومن خلال حاضرها وطريقة تناولها للموضوعات وبالأسلوب الذي جسده الكاتب بتناوله الموضوعات بجدارة، من خلال إبراز نقاط القصور الواضح في الحوار الغير بناء بين شخصيات الرواية وردود أفعالهم التي ما تنتهي عادة، بتبادل الاتهامات وفقدان الثقة الأخلاقية بين المتحاورين.

ويبدو للقارئ كأن هذه الحوارات غير مكتملة الجوانب الفكرية والنظرية، مما تؤدي دائما الى خلافات معلقة تارة، وتجري تسويتها من أجل المصالح، تارة أخرى وتضاف إلى رصيد العقد الاجتماعي المتوارث. 

المفاجأة في هذه الرواية كانت عبارة عن نقطة تحول فاجأت القارىء وأخذت بالرواية إلى منحى آخر، ونقطة التحول هذه حين اكتشف الخاطفون الحقيقة الموثقة بموت كارل ماركس، المدونة تاريخيا منذ عقود طويلة.

هذه الحبكة الدرامية بلورة فنتازيا مكتوبة بذكاء بل ومستوحاة من واقع عراقي غير واضح الملامح ضاعت فيه السلطة واستشرت فيه كتل وعصابات.  رواية تعكس وبكل ثقة ساحة عراقية فتحت على مصراعيها لتستضيف مرغمةً كل شذوذ سياسي أفرزته أجندة سياسات دول أخرى.

رواية "كارل ماركس في العراق" من الممكن القول إنها كانت ممتعة ومفيدة جدا من حيث التناول الجديد الذي جمع بين نظرية عالمية وبلاد النهرين ضمن إطار جديد جمع الهوية العربية الأم، وعلاقتها بالخصوصية العراقية.   

*كاتبة عراقية مقيمة في أستوكهولم