كارثة كورونا ترسم ملامح جديدة للكرة العربية

توقف الأنشطة الرياضية فرصة سانحة لترتيب الأوراق وتصحيح مسار كرة القدم في الوطن العربي.
الخميس 2020/03/26
المنافسات العربية تحتاج إلى التسويق

يعيش العالم بأسره حالة تخبط كبيرة بسبب أزمة كورونا، مما أثر بشكل واضح على كرة القدم، وبالفعل هناك العديد من البطولات قد تأثرت سلبا. ومع تعليق المنافسات حول العالم، دخلت أندية واتحادات كرة القدم في دوامة مالية وجماهيرية تاريخية.

تونس - بات الساهرون على عالم كرة القدم في الوطن العربي بصفة خاصة وفي العالم بصفة عامة، أمام ضرورة الاشتغال على استغلال عامل الوقت المتوفر لديهم الآن مع توقف الأنشطة الرياضية من أجل وضع خارطة جديدة لتغيير مسار اللعبة نحو الأفضل. 

ومازالت تداعيات انتشار فايروس كورونا تسيطر على الكرة العالمية والعربية، حيث قررت تقريبا جل الاتحادات تمديد فترة توقف النشاط الرياضي حرصا على سلامة الجميع. ورغم الخسائر الكبيرة للأندية جراء هذا التجميد إلا أن هناك من استفاد من هذا الأمر. وستكون فترة التوقف الحالية فرصة من أجل ترتيب الأوراق.

 فكارثة كورونا أجبرت الجميع على المدى القصير على تغيير سلوكهم، فكيف يمكن استغلال ذلك التغيير عند انتهاء الأزمة؟ الأمر يتعلق أيضا بكرة القدم، هل سيفكر القائمون على دواليب اللعبة بوضوح أكبر في الأمور الخاطئة في اللعبة؟ وربما كان الجميع بحاجة إلى أزمة كبيرة مثل تلك التي نمر بها لإحداث التغيير.

وتعاني كرة القدم من توقف غير مسبوق في منافساتها حول العالم، ليرسم ذلك خارطة أزمة حقيقية قد يبدأ تأثيرها بالظهور لاحقا. ومع تعليق المنافسات، دخلت أندية واتحادات كرة القدم في دوامة خطيرة، ظهرت علاماتها الآن. من أولى علامات الأزمة الكروية، بدء الأندية العربية الكبرى التشاور فيما إذا كانت ستخفّض رواتب لاعبيها، على خلفية توقف البطولات والأزمات المالية الخانقة. ولا شك في أن العديد من الأندية أجرت اتصالات في ما بينها، لبحث تداعيات الملف.

تغييرات ضخمة

إن عودة كرة القدم العربية للدوران بعد أسابيع أو أشهر قد تشهد تغييرات ضخمة أبرزها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي كذلك. فكرة القدم تعكس المجتمع، منذ أسبوعين كانت هناك أحاديث، بشأن تغيير نظام دوري أبطال أوروبا لخدمة الأندية الغنية، والآن يجب على تلك الأندية إظهار المزيد من التضامن تجاه المجتمع.

ومن المتوقع أن تنسج الاتحادات العربية على هذا المنوال وتفسح المجال أمام كبار الأندية لتكون قدوة لغيرها في تكريس التضامن الاجتماعي في هذا الظرف الطارئ.

وضرب الاتحاد التونسي لكرة القدم المثال في هذا المنحى، وتمكّن من صرف مليون دينار لمختلف الأندية التونسية؛ قصد مساعدتها على تخطي الأزمة المالية بسبب توقف النشاط. وقال الاتحاد في بيان “مساهمة من الجامعة في مساعدة الأندية على مجابهة بعض المصاريف على إثر إيقاف النشاط الرياضي، قرر المكتب الجامعي صرف مليون دينار كتسبقة لمختلف الجمعيات على حساب عائداتها من الجامعة”.

وأضاف البيان “20 ألف دينار لكل فريق بالرابطة المحترفة الأولى، و10 آلاف دينار لكل فريق بالرابطة المحترفة الثانية، و5 آلاف دينار لكل  فريق برابطة الهواة مستوى أول، و2.5 ألف دينار لكل فريق برابطة الهواة مستوى ثان، بالإضافة إلى 180 ألف دينار لأندية الرابطات الجهوية وكرة القدم النسائية”.

وتخطط الأندية الكبرى منذ الآن لتغيير معايير سوق الانتقالات، إذ لن يضمن أحد إبرام أو حتى تنفيذ العقود خلال فترة الوباء، حيث سيكون من المؤكد أن تتقلص المداخيل والاستثمارات.

ولا شك أن الأمر سيمس أسعار اللاعبين التي تعرضت لتضخم غير مبرر خلال السنوات الأخيرة، حيث سيصير إنفاق مبلغ خيالي لضم لاعب مهما كانت نجوميته مشهدا من الماضي، وستتغير القصة ولن يكون هناك المزيد من التعاقدات من هذا القبيل.

وستكون الأسابيع المقبلة حافلة بالنسبة إلى الأندية، حيث ستحاول اتخاذ قرارات كبيرة في مواجهة التأثير المالي الضخم. وتستعد الأندية للإعلان عن حزمة من القرارات التي تقضي بتقليل رواتب أطقم العاملين بالنوادي واللاعبين. لكن في نهاية المطاف، فإن إجراء التغييرات في عقود نجوم النادي من ذوي الرواتب العالية قد يكون الحل الأمثل.

وكانت جل الفرق تعاني بشكل كبير خلال فترة ما قبل بداية الموسم الجاري، بسبب متطلبات الميزانيات. ونهاية شهر يونيو هي الموعد الطبيعي لانتهاء عقود عدد كبير من اللاعبين، ولكن في حال قرار استكمال الموسم لما بعد يوليو، فقد تقع الأندية في أزمة حقيقية بينها وبين نجومها الذين تنتهي عقودهم. وقد تلجأ الأندية لتمديد العقود لفترة قصيرة، حتى انتهاء الموسم أو أنها ستضطرّ للتخلي عن نجومها في الموعد المحدد بالصيف.

ومن أبرز علامات أزمة كرة القدم الحالية تعليق مسابقات البطولات حول العالم، مما يعني أن هوية الأبطال، والمتأهلين للأدوار الحاسمة، والنازلين إلى مستويات أدنى، ستظل عالقة، مما يعني أن الاتحادات أمام معضلة غير مسبوقة، في تحديد مصير هذا الموسم. فالقرارات التي ستتخذها اتحادات الكرة ستحدد شكل الموسم المقبل كذلك، من حيث هوية المشاركين والمتأهلين في جميع المسابقات.

تضحيات مرتقبة

من التغييرات المطلوب إجراؤها، كيفية معاملة اللعبة للجماهير، أولا ترسيخ مفهوم اللعب دون جماهير، عند عودة كرة القدم أو محاولة إعادتها. كذلك من المنتظر أن يظهر اللاعبون استعدادهم لتقديم التضحيات برواتبهم.

عودة كرة القدم العربية للدوران بعد أسابيع أو أشهر قد تشهد تغييرات ضخمة أبرزها على المستوى المالي

ومن المرجح أيضا أن يتم تطبيق نظام جديد من قبل العديد من الأندية على الموظفين، وذلك في أنحاء العالم العربي. وربما تلجأ الأندية الأصغر إلى التفكير بنفس الإجراء.

ولم تتخل الأندية عن أملها في استئناف الموسم الجاري، في المقابل يجب أن تستعد لقبول احتمال عدم استئناف النشاط. ومن الواضح أن هذه الأزمة سيكون لها تأُثير سلبي كبير على صناعة كرة القدم وصناعة الرياضة ككل، النوادي ملزمة بالاستعداد لمواجهة جميع السيناريوهات المحتملة.

22