كارتيل المخابز: مطالب نقابية بخلفية سياسية للضغط على قيس سعيد

تونس- أثار اعتصام أصحاب المخابز أمام مقر وزارة التجارة في تونس تساؤلات حول توقيته، خاصة أنه يأتي بعد حملة أطلقها الرئيس قيس سعيد لتفكيك اللوبيات التي تعرقل الخدمات الأساسية التي تقدم إلى المواطنين، وعلى رأسها سلاسة توزيع الخبز وبالأسعار المحددة من الدولة.
وجاء التحرك الاحتجاجي لأصحاب المخابز بعد قرار وزارة التجارة وقف تزويد المخابز غير المصنفة بمادة الدقيق المدعم ليبدو وكأنه احتجاج سياسي على قرار الرئيس سعيد أكثر منه التماسا من الوزارة أن تراجع قرار حجب الدقيق.
وتوجه هذه المخابز لفئات اجتماعية قادرة على شراء الخبز بأسعار غير مدعمة، وهو ما يفسر منعها من الحصول على حصة من الدقيق المدعم كما كان يحصل في السابق دون موجب.
وترى أوساط سياسية في تونس أن التحرك يستهدف مضايقة السلطة سياسيا في وقت أزمة الخبز، بمطالب تبدو نقابية لكنها تشير إلى استفادة قطاع معين وكأنها تمارس نقابية أعراف من الباطن ضد القرار الحكومي، لكنه يحاول تأسيس كارتيل ضاغط ينتقي ما يفيده من الترتيبين.
وقال المحلل السياسي باسل ترجمان لـ”العرب”، “نشاهد اليوم بعد قرار الحكومة وقف منح هذه المخابز الطحين (الدقيق) المدعم، كيف عاد الخبز المدعم وانتهت الأزمة. هذه الممارسات التي يقوم بها أصحاب المخابز عبر منظمة ‘كونكت’ لها هدف سياسي واضح هو الضغط على الحكومة ولي ذراعها”.
وأضاف “هذه الجهات تدخل في مراهنة خاسرة لأننا نعلم أن هذا القرار لقي دعما شعبيا واسعا لأنه مس خبز المواطنين وأعاد لهم حقا من حقوقهم؛ فليس من المعقول ألا يجد المواطن خبزا مدعما ويجد أنواعا أخرى من الخبز والحلويات التي تنتجها هذه المخابز”.
وتابع “هذا الضغط لن يحقق أي نتيجة سوى أنه سيضعف مواقف هؤلاء (أصحاب المخابز غير المصنفة) أمام الرأي العام التونسي ويضعهم في أزمة تهدد عملهم في المستقبل”.
وتحرك الرئيس التونسي بقوة لمنع التلاعب بملف الخبز لأهميته لدى الناس، وتسببه في انتفاضات سابقة منها انتفاضة الخبر في يناير 1984.
وأثبت نجاح التحركات الحكومية في احتواء الأزمة توقعاتها بأن الأزمة مفتعلة، وأن هناك جهات تريد توظيفها في إحراج الرئيس سعيد، ولذلك كثيرا ما تحدث عن اللوبيات والمحتكرين والمعرقلين وحث على تطهير الإدارة لأنه مقتنع بوجود من يتحرك لإرباكه وإفشال مسار 25 يوليو.
يشار إلى أن المجمع المهني للمخابز العصرية (نقابة كونكت) سبق أن دعا إلى إضرابات عن توزيع الخبز للضغط على السلطات المعنية من أجل زيادة كميات الدقيق ورفع الأسعار في وقت تكابد فيه الحكومة لتوفير الدقيق في الأسواق بشكل يحافظ على سلاسة توزيع الخبز وبالأسعار نفسها، وهي تعرف أن أي زيادة يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات.
وما يعطي مشروعية لشك السلطات في أن هناك أبعادا سياسية لتحرك أصحاب المخابز، هو أن نقابات أخرى سبق أن وظفت مطالب القطاعات التي تنتمي إليها في الضغط سياسيا على السلطة، آخرها نقابة التعليم الأساسي التي رفضت تسليم نتائج الامتحانات للأولياء في مسعى لزيادة الغضب الشعبي على الحكومة، لكن وزارة التربية أفشلت هذا المخطط.
وفي نهاية يوليو أكد قيس سعيّد أن “هناك خبزا واحدا لكل التونسيين وينتهي الأمر”.
وتابع في مقطع فيديو نشرته الرئاسة “من يريد بيع الخبز غير المصنف اليوم انتهى يجب اتخاذ إجراءات لتوفير الخبز لكل التونسيين”.
وأضاف “لماذا هناك خبز مصنف وخبز غير مصنف؟ الهدف اليوم هو ضرب التونسيين في قوتهم ومعاشهم… هو استهداف السلم الاجتماعي، والعملية مقصودة”.
وشارك في الاعتصام الذي شهدته تونس العاصمة الاثنين نحو 200 خباز وصاحب محل حلويات وعاملون في المخابز للتنديد بقرار إغلاق 1500 مخبز ومنعه من التزود بالدقيق المدعم.
وقال رئيس “المجمع المهني للمخابز العصرية” في نقابة “كونكت” محمد الجمالي “نعتصم لأننا ممنوعون من صناعة الخبز… كل المشاركين في الاعتصام مخابزهم مغلقة منذ أسبوع ولا تنشط”.
ومساء عاد الجمالي ليؤكد أن وزيرة التجارة كلثوم بن رجب وعدت بالتوصل إلى حل للمشكلة خلال أسبوع، مشيرا إلى بوادر إيجابية لاستئناف المخابز غير المصنفة لنشاطها دون صنع “الباقات” والاكتفاء فقط بنوعيات محددة من الخبز غير المدعم فضلا عن الحلويات.
وإثر التصريحات التي أدلى بها الرئيس سعيّد واعتبر فيها أن هناك تلاعبًا بالدقيق الذي تدعمه الدولة ويوزع على المخابز، منعت وزارة التجارة 1500 مخبز من الحصول على الدقيق المدعم.
ينشط في تونس 3737 مخبزا مصنفا يستفيد من الدقيق المدعم من قبل الحكومة و1443 مخبزا غير مصنف يستفيد من حصة مدعمة من الدقيق أقل من المخابز الأخرى.
وتبيع المخابز غير المصنفة أساسا الحلويات وكمية محددة من الخبز بأسعار أعلى من تلك التي تبيعها المخابز المصنفة. وتصنع المخابز التونسية يوميا نحو 10 ملايين قطعة خبز ويستهلك التونسيون تسعة ملايين، بحسب نقابات.
وخلال الأشهر القليلة الماضية نقصت كميات التزود بالدقيق وظهرت طوابير انتظار طويلة وفي أغلب الأحيان تنفد الكميات منذ الصباح.
ويؤكد العديد من خبراء الاقتصاد أن “أزمة الخبز” ناجمة في الواقع عن نقص المعروض في السوق من الدقيق المدعم من قبل الدولة.
وتواجه الدولة التونسية المثقلة بالديون العديد من المشاكل المالية ولا تتمكن أحيانا من سداد ثمن مشترياتها من الخارج.
ويوضح الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان أن “أصل المشكلة يظل نقص إمدادات الحبوب من الخارج. بالإضافة إلى ذلك إذا فقدت مادة الدقيق من السوق مرة واحدة فقط، يتدخل المضاربون ويزيدون الأزمة سوءًا”.