كاتبة أردنية تعيد كتابة التاريخ من خلال "أوراق الأجداد"

الكاتبة تؤكد على أهمية ما تمنحه الكتابة الإبداعية للمؤرخ من مفاتيح التدريب العقلي عند دراسة التاريخ وكتابته، لأن الأدب إبداع مفتوح حر وجميل.
السبت 2023/12/30
هند أبوالشعر تبدأ بأجدادها لتقرأ التاريخ

عمان - توثق الكاتبة والمؤرخة الأكاديمية هند أبوالشعر في كتابها “أوراق الأجداد” تجربتها في تقصي وجمع أوراق الأجداد وإعادة فحصها وقراءتها وتحليل مضامينها الاجتماعية والاقتصادية كمنهج تاريخي اجتماعي، دأبت أبوالشعر عليه من أجل إعادة قراءة التاريخ الاجتماعي الأردني، وذلك من خلال تقديمها مجموعة كبيرة من دراسات تاريخ الأردن الحديث.

هذا الكتاب النوعي يعد تطبيقا عمليا للفكرة المتمثلة في التنقيب داخل التاريخ الاجتماعي والاقتصادي من خلال أوراق الأجداد، وقد نشر على حلقات في جريدة “الرأي” وعلى مدار عامين، ومن خلال زاوية الكاتبة الأسبوعية “ذاكرة الوطن” التي قدمت فيها لقرائها فرصة الاطلاع على محفوظاتهم من أوراق الأجداد التي بقي بعضها وغاب أكثرها، وهذا ما يؤكد أهمية هذا الكتاب، الذي جمعت من خلاله وثائق يومية مفصلة لم يهدف صاحبها إلى كتابة التاريخ اليومي، لكنه وثق بتلقائية لزمنه وللواقع الاقتصادي والاجتماعي والعمراني والإداري بامتياز.

وترى أبوالشعر أن الكتاب، الصادر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمان، يعتمد على تجربتها بجمع أوراق الأجداد ودراستها باعتبارها مصدرا من مصادر كتابة التاريخ المحلي، ومصدرا جديدا لإعادة كتابة تاريخنا الحديث، وتقدم من خلاله التاريخ اليومي بعيدا عن التاريخ الرسمي، وهو دعوة لكل من يحفظ أوراقا محلية دونها الأجداد بأقلام الكوبيا أو الرصاص، ولكل من يحتفظ بمذكرات يومية بخط الأجداد أن يقدمها لتحفظ في مراكز التوثيق، ليتيح للمختصين دراستها واستعادة الزمن من مصدر لم يستخدم حتى اليوم في تفحص التاريخ وتدوينه ودراسته.

الكتاب ترصد فيه أبوالشعر محطات مهمة من تاريخ الأردن الحديث من خلال أوراق الأجداد التي وصلت إليها وقامت بدراستها
الكتاب ترصد فيه أبوالشعر محطات مهمة من تاريخ الأردن الحديث من خلال أوراق الأجداد التي وصلت إليها وقامت بدراستها

وتضيف أبوالشعر في معرض حديثها عن هذا الكتاب “مصادرنا في كتابة التاريخ المحلي ثمينة وحميمة، هذا ما يجب أن يصبح هاجسنا في البحث والتوثيق، ومن هنا لا بد من البحث عن هذه المصادر المحلية التي ضاع الكثير منها بفعل الإهمال زمنا طويلا”.

وتؤكد الكاتبة على أهمية ما تمنحه الكتابة الإبداعية للمؤرخ من مفاتيح التدريب العقلي عند دراسة التاريخ وكتابته، لأن الأدب إبداع مفتوح حر وجميل، أما كتابة التاريخ فمهمة صعبة وشاقة والتزام يؤرق صاحبه، مما يدفعها إلى طرح سؤال كبير في مقدمة كتابها حيث تقول “إن السؤال الكبير الذي يؤرقنا دوما هو علاقتنا بالتاريخ، ومخاوفنا من أن يكون تاريخنا بعيدا عن الموضوعية والمنهج العلمي، فهل كتب العرب لأنفسهم تاريخا صحيحا وعادلا؟”.

 وتعود لترصد في المقدمة المهمة حركية التاريخ وتحاول مساءلة المنهج الذي كتب به ومحاكمة كل ما نتج عن هذا الرصد من وعي بمراحله السابقة وصولا إلى المرحلة العثمانية وليس انتهاء بأوراق أجدادنا خلال المئوية الماضية وكيف تم تناولها.

في هذا الكتاب الذي ترصد فيه أبوالشعر محطات مهمة من تاريخ الأردن الحديث تقرأ بوعي لافت العديد من أوراق الأجداد التي وصلت إليها، ومنها: “أوراق الأجداد (سليم أبوالشعر)، أوراق حسن المحمد الغرايبة (أبوجميل)، أوراق عبدالقادر أحمد التل (1874 – 1962)، أوراق عارف بيك التل، أوراق أقدم مهاجر أردني إلى أميركا عام 1913، سلمان عبده النمري (1881 – 1977)، أوراق صالح المصطفى التل، “شخصيات علقت بذاكرة رجل في التسعين”.

وتنسج من خلال هذه القراءة الأدبية قبل التاريخية ملامح سيرة وحياة لتؤكد من جديد على أهمية القراءة الواعية والفاحصة لهذه الأوراق وغيرها، مقدمة من خلال ذلك مدرسة بحثية متكاملة ومهمة للباحثين في هذا المجال.

تقول أبوالشعر في مفتتح إحدى القراءات في أوراق حسن المحمد الغرايبة (أبوجميل) “من خلال هذه الأوراق استطعت أن أعرف حسن المحمد الغرايبة الرجل البسيط من حوارة، لم يكن في موقع السلطة، أو من أصحاب الثروة الكبيرة، أو ممن أدار مؤسسات، لكنه بما كتبه على أوراق أرخ لزمن الثلاثينات في قرية حوارة المتاخمة لإربد، فهل كان يخطر ببال حسن المحمد الغرايبة وهو يكتب أسعار الخضار التي اشتراها من دكان بحوارة، أو وهو يدون أعداد الأغنام والماعز التي يملكها، أنني وبعد أكثر من تسعين عاما سأعرف الناس بما كتب، وأجعلها مصدرا لدراسة في التاريخ الاجتماعي؟”.

وتضيف “إن يوميات حسن المحمد الغرايبة ستصبح جزءا من ذاكرة القراء، ليعرفوا متى اشترى في أحد أيام من عام 1946 من سوق إربد، وما الذي اشتراه، وكم دفع، وما العملة التي استخدمها، ومتى مات الثور الأسود في داره، ولماذا مات؟ هل كان لموت الثور علاقة بوباء ما؟ وكيف كان الناس يداوون مواشيهم، وهل كانت الدولة مسؤولة عن توفير العناية الكافية لمربي المواشي؟ وكم كان سعر الثور آنذاك؟ هل ينفصل كل هذا عن تاريخ المرحلة الاقتصادي والاجتماعي؟”.

ومن الجدير ذكره أن هند أبوالشعر كاتبة وأكاديمية ومؤرخة أردنية، تكتب القصة القصيرة والنصوص والمقالات الصحفية والدراسات التاريخية. وهي أستاذة جامعية، شاركت في العديد من المؤتمرات والندوات التاريخية والأدبية في الأردن والبلاد العربية، وأشرفت على العديد من الرسائل الجامعية وشاركت في العشرات من المناقشات لرسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات الأردنية والعربية.

لها 86 كتابا منشورا بين القصص والدراسات التاريخية والكتب الوثائقية، حصلت على وسام الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للتميز والإبداع عام 2016، وحصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 2021 عن مجمل أعمالها في حقل العلوم الاجتماعية وتاريخ الأردن.

12