كاتبات وكتّاب في المهجر محاصرون خارج اللغات داخل اللامكان

أدباء يحاولون تبديل الشفرة بين الثقافات عبر "الزواج القسري".
الأربعاء 2023/09/27
كيف يقرأ أدب المهاجرين

يواجه الكتاب الذين يعيشون في البلدان التي يهاجرون إليها، أو هم أبناء مهاجرين، الكثير من التصنيفات الجائرة والتي تحصرهم في صور نمطية، مثل أدباء المهجر، بينما يتوه الكثير منهم بين لغته الأم ولغة البلد الذي يعيش فيه. ازدواجية استفاد منها بعضهم وكانت عائقا أمام البعض الآخر لتطوير تجربته.

ناتاليا كيمبر باكشي

البعض يكتب بلغتِه الأم، بينما اعتمد آخرون لغة البلد الذي استقروا فيه. ما يجمع بين كتاب الجيل الثاني من أصول مهاجرة هو رفض تصنيف أعمالهم على أنها “أدب المهاجرين والمهاجرات”.

“في أوقات انعدام اليقين بسبب الأزمات والاحتجاجات والتغييرات الاجتماعية، من المهم أن نقبل على العالم بتعاطف وأن نستمع ونشارك في حوار بناء”، هذا ما كتبته الهيئة المنظمة لأيام سولوتورن الأدبية التي احتضنتها سويسرا في كتيب النسخة الحالية.

الشعور بالمرارة

المنفى والهجرة مرتبطان حتميا بموضوع اللغة، سواء كانت لغة أجنبية يحاول المرء اكتسابها، أو اللغة الأم للمرء

ركزت كل مناقشات هذا المنتدى السويسري للأدباء والأديبات بالفعل في شهر مايو، على الأزمات والتغييرات الاجتماعية والهجرة كنتيجة لكل ذلك. تحدث بهزاد كريم خاني، المولود في إيران، وغوز أصيل ساحل العاج والمولود في باريس، عن الأزمات والمصائر الصعبة للمهاجرات والمهاجرين الذين يعيشون في برلين.

 تتحدث سيرة خاني عن نفسها، فقد أدين عدة مرات بحيازة غير قانونية للقنب والاعتداء الجسيم، وعاش في مقطورة لمدة ثلاث سنوات، وكان يدير حانة. أما غوز فقد عمل في الماضي كحارس شخصي، من بين أمور أخرى عمل فيها. تقول الكاتبة الألمانية إيلكه هايدينرايش إن بهزاد كريم خاني في روايته الأولى “كلب، ذئب وابن آوى”، والتي حظيت بثناء النقاد، يصف “الظروفَ التي ساهمنا في خلقها”.

تتناول الرواية موضوع النضال من أجل الكرامة والاعتراف بالذات البشرية في حي نويكولن ببرلين، وذلك بعد الفرار من طهران في تسعينات القرن الماضي. السؤال الرئيسي الذي يشغل بال خاني هو: ما الذي يحدد شخصية الإنسان: الطبيعة أم الحضارة؟

فكر الكتاب والكاتبات من يوغوسلافيا السابقة، وهم فيوليتا أليكسيتش وأولغا سيرافيموفسكي ميلينكوفيتش وجوران فولوفيتش، في معنى أن تكون مهاجرا من الجيل الثالث، وفي كيفية الحفاظ على هوية وطنية صحية، والتغلب على الشعور بالمرارة الوطنية.

وتحدث غوران فولوفيتش عن الصراع بين الأجيال وحقيقة أن الجيل الأول من المهاجرين والمهاجرات أراد طوال حياته “العودة إلى الوطن”، وكان لديه ذلك الشعور بأن الوجود في بلد المهجر مؤقت فقط.

pp

وبين أنه كممثل للجيل الثاني، تجد نفسك في موقع وسيط بين هنا وهناك، بين الماضي والحاضر. وكسبيل للخروج من هذا الوضع، قدمت فيوليتا أليكسيتش رمزا للتفاهم بين الأجيال من خلال نصها “إسبرانتو” المكتوب بلغة أمل جديدة.

يكتب الثلاثة باللغة الألمانية، ويصرون على أن نصوصهم جزء من الأدب الناطق باللغة الألمانية لا أدب المهجر، كما كان عليه الحال سابقا. تحدث الكاتبان البيلاروسيان ألهيرد باشارفيتش وجوليا سيمافيجيفا، وكلاهما من أصول مهاجرة، عن الخط الفاصل بين الهجرة والمنفى، وكيفية تعريفهما.

ويحكي ألهيرد باشارفيتش في روايته “كلاب أوروبا” قصصا من بيلاروسيا تجري في الحاضر أو ​​في المستقبل القريب. وقد قام هو نفسه بترجمة روايته الصادرة عام 2017 إلى الروسية، وكان ضمن قائمة المرشحين لأكبر جائزة أدبية روسية.

في ربيع عام 2021، صادر نظام ألكسندر لوكاشينكو النسخة الجديدة البيلاروسية للرواية وتم تصنيفها على أنها “معادية للدولة”. ومنذ ديسمبر 2020، يعيش باشارفيتش في المنفى مع جوليا سيمافيجيفا.

بالنسبة إلى باشارفيتش، من المهم ألا يتم حصرك كمؤلف في كيان ضيق الأفق من بلد يوجد فيه إما ضحايا أو شهود عيان. وفي بلد يتحدث فيه الروسية مفكرا في الآن ذاته في بيلاروسيا، يبحث باشارفيتش عن فرصة للتعبير عن نفسه. ويجدها في “لغة غير ملوثة، لغة جديدة تماما، اسمها ‘بالبوتا‘ (لغة اخترعها ألهيرد باشارفيتش نفسه)”.

كائن في اللامكان

أيام سولوتورن الأدبية نقاش أدبي مهم
أيام سولوتورن الأدبية نقاش أدبي مهم

نشرت جوليا سيمافيجيفا يومياتها “أيام في بيلاروسيا” (Dagar i Belarus) عام 2020، راصدة في الرواية الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس لوكاشينكو. ومنذ ذلك الحين، أصبحت حياتها في بيلاروسيا مستحيلة. وبينما اخترع باشارفيتش لغة جديدة، تتحدث جوليا عن تجربتها بلغة المجاز الأدبي القوي في ديوان شعري عنوانه “حجر الخوف”، “لقد تلقيته كإرث/ خوفي-/ بقايا العائلة،/ حجر كريم/ يمرر/ من جيل إلى جيل”. ماذا يمكنك أن تفعل بـ”حجر الخوف” الذي توارثته الأجيال، والذي يحمي من الخطر، لكنه في نفس الوقت ثقل يمنعك من التنفس والحياة؟

أما الكاتبة الإيرانية بيغاه أحمدي، والتي ناقشت أشكال المنفى مع جوليا سيمافيجيفا، فقد تحدثت عن المنفى باعتباره وضعا بين مستحيلين: استحالة اللغة الأم واللغة الجديدة، الوطن والمكان الجديد. أن تكون في المنفى يعني أن تكون في اللامكان.

المنفى والهجرة مرتبطان حتميا بموضوع اللغة، سواء كانت لغة أجنبية يحاول المرء اكتسابها، أو اللغة الأم للمرء والتي يستعملها كلغة أجنبية في بلد جديد، أو لغة تؤدي إلى الخروج من المنفى داخل الوطن نفسه.

أدب المهاجرين والمهاجرات نوقش مرارا وتكرارا بشكل نقدي باعتباره متحيزا للعرق ويختزل صاحبه في صورة معينة

كانت حلقة النقاش حول موضوع اللغة بين الكاتبتين مينا هافا وشبريزا جاشاري من جمهورية يوغوسلافيا السابقة والكاتب الهندي رالف ثرايل بعنوان “اللغة تظهر الحقائق”.

تحدثوا جميعا عن “زواجهم القسري” من اللغة الألمانية وصورهم الذاتية ككتّاب في البلدان الناطقة بالألمانية لا يريدون أن يكونوا فيها جزءا من “أدب المهاجرين”.

الكلمة الأساسية للاعتراف بهم هي “تبديل الشفرة” بين الثقافات. اللغة الألمانية الجميلة اللافتة للنظر التي يتحدثون بها جميعا هي تعبير عن مدى رغبتهم في الانتماء، لأنهم أجادوا امتلاكَها.

تزعم مينا هافا، مؤلفة رواية “من أجل سيكا”، وهي قصة تتناول موضوع الهجرة، أن الأدب واللغة هما مكانان للعنف حيث يمكن للمؤلفة أن تتصرف بمفردها وحسبَ اختيارها.

من ناحية أخرى، تحدث رالف ثرايل عن اللغة كشكل من أشكال الشجب والرفض لأن المرء يخجل من لغته. أنت تبني سجنكَ بلغتك، ولكنك لست حرا فيه.

وتمت مناقشة مفهوم أدب المهاجرين والمهاجرات مرارا وتكرارا بشكل نقدي باعتباره متحيزا للعرق، ويختزل صاحبه في صورة معينة. هل من الممكن قراءة نص أجنبي لمؤلف أجنبي بهدف اكتساب المعرفة والمعلومات حول بلد آخر، بلد هو في الغالب أقل تطورا من سويسرا؟ أليس هذا شكلا آخر من أشكال الاستعمار، يفهم بالمعنى الواسع للكلمة على أنه نوع من الاستيلاء على ثقافة الأجنبي؟ هذه الأسئلة التي لم تكن هناك إجابات عنها بادئ الأمر في منتدى سولوتورن الأدبي.

13