كاتبات وفنانات سوريات: الفرح والطرافة والصدق من معايير الكتابة للطفل

الطفل يحتاج إلى نوع خاص من الرقابة المتخصصة لما يصل إليه من إبداع بعيدا عن الإسقاط الحرفي على الواقع والتركيز على الخيال.
الثلاثاء 2021/01/12
أدب الطفل يحتاج إلى روح طفولية (لوحة للفنان تحسين الزيدي)

دمشق- تمثل الكتابة لمرحلة الطفولة المبكرة تحدياً كبيراً لأنها تتطلب التعاطي بذكاء وحرفية مع هذه الفئة العمرية لمخاطبتها بحساسية في اللغة وبفنية عالية في الخيال والفكرة والنص.

ويتفق النقاد على أنه لكي يقبل الأطفال على القراءة، فإنه على من يكتب أدبا موجها لهم أن يقدم إبداعا يليق بمخيلتهم، وعملا يتصف بالجمال ما يحقق لهم الدهشة والمتعة. ولا يمكن أن يحدث هذا إلا لو كان بعيدا عن النصح والوصاية، وليست وظيفة الإبداع أن يكون ممنهجا لصالح مؤسسة تربوية أو سياسية أو اجتماعية أو دينية، بل ليس من الواجب أن تكون له وظيفة من الأصل بمعنى أن الفن من أجل الفن، والإبداع من أجل الإبداع، ولا يمكن أن يوصف العمل بالإبداع إلا لو كان حرا بلا قيود أو رقابة.

أريج بوادقجي: الكتابة للطفولة المبكرة هي من الأسلوب السهل الممتنع
أريج بوادقجي: الكتابة للطفولة المبكرة هي من الأسلوب السهل الممتنع

ومن جهة أخرى يحتاج الطفل إلى نوع خاص من الرقابة المتخصصة لما يصل إليه من إبداع بحكم كونه صغيرا لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو انتقاء ما يتناسب مع عقله وفكره أو المبادئ التي يجب أن ينشأ عليها، فهو بحاجة إلى كتب تجنب روحه وخياله وعقله ويلات الصراعات والحروب كي نبتعد به عن منطقة الخطر بما لا يفقده الشعور بالسلام والأمان.

إنها معادلة ليست سهلة. إذ أن أدب الطفل ليس أقل أهمية من الأدب الموجه للكبار، فهو اللبنة الأساسية في بناء الإنسان، وقد يتجاوز درجة الإتقان المطالب بها الكاتب للطفل نظيرتها لمن يكتب لغيره، إذ إن أدب الطفل له جمهور من نوع خاص كما سنرى في استطلاع لآراء كاتبات سوريات.

وفي هذا الصدد تشير الكاتبة السورية أريج بوادقجي رئيس تحرير مجلة شامة الموجهة لمرحلة الطفولة المبكرة إلى أن التعامل مع شريحة الأطفال موضوع حساس جدا، لأن الطفل بهذا العمر يمر بمرحلة التكوين المعرفي واللغوي والجمالي. معتبرة أن الكتابة للطفولة المبكرة هي من الأسلوب السهل الممتنع.

وتعتبر بوادقجي أن بناء الطفل معرفياً ولغوياً وجمالياً يحمل تحديات كبيرة تتمثل باختيار الفكرة المناسبة ولاسيما المدهشة والمبهرة بعيدا عن الإسقاط الحرفي على الواقع والتركيز على الخيال، لأن القصص الخيالية تجذب الطفل وتجعله يحلق في عالم جميل عن طريق توظيفه بشكل هادف.

ولأن الطفل كائن بصري كما ترى بوادقجي فإن القصة الموجهة له يجب أن تعتمد على الرسم كحامل أساسي، وعلى الكاتب أن يتخيل القصة عندما يكتبها ويضمّنها كائنات مدهشة ولطيفة ومحببة حتى تكون عند رسمها جميلة وجذابة، وأن يعتمد لغة تفاعلية قائمة على الأسئلة والأجوبة والحوارات والنهايات المفتوحة، بعيدا عن الوصف والسرد والحشو.

ولم تخف بوادقجي وجود ضعف في التوجه إلى هذه المرحلة العمرية جراء قلة المطبوعات والإصدارات المخصصة للأطفال في سوريا وفي العالم العربي عموما، واعتماد دور النشر على إصدار الألعاب التعليمية فقط دون القصص، مؤكدة على ضرورة إطلاق مشروع وطني يرعى الطفولة المبكرة.

أروى شيخاني: توظيف الخيال بشكل صحيح يغني الطفل ولا يبعده عن الواقع
أروى شيخاني: توظيف الخيال بشكل صحيح يغني الطفل ولا يبعده عن الواقع

بدورها تتحدث الكاتبة أروى شيخاني عن التحدي الكبير الذي تنطوي عليه الكتابة للطفل في هذه المرحلة العمرية من خلال صعوبة التوجه إليه برسالة بسيطة يستطيع فهمها مع توظيف الخيال بشكل صحيح يغني الطفل ولا يبعده عن الواقع.

وتشير شيخاني إلى أنها تستقي أفكار قصصها الموجهة إلى هذه المرحلة من الواقع لأنه المساحة الأغنى بالأفكار مع تقديم معلومة صحيحة وتبسيطها ليفهمها الطفل، والتركيز على وجود عنصري الفرح والطرافة في القصة مع ضرورة أن يتمتع الكاتب بروح طفولية يسخرها للتعبير عما بداخل الأطفال، ويجيب عن تساؤلاتهم ويجذبهم نحو عالم الكتاب لكونه يقدم لهم محاكاة ممتعة ويحفز خيالهم.

وللرسم أهمية كبيرة في عالم الطفولة المبكرة، وهذا ما تؤكد عليه الرسامة رند غسان الدبس، التي تحدثت عن أهمية أن تكون الرسومات جذابة للطفل بألوانها وشخصياتها، بحيث تكون نافذة يرى من خلالها العالم، وأن تكون مبهرة حتى تجاري ما تقدمه التكنولوجيا الحديثة.

وتوضح الدبس أن الأطفال ينجذبون للألوان الملفتة الواضحة القوية، لذلك يجب على الرسام توظيف الألوان بعناية، والدمج باستخدام أكثر من مادة كالخشب والأكريليك والكولاج وتقديمها بطريقة مفرحة.

وتجد الدبس أن عالم الرسم للأطفال يشكل لها مساحتها الخاصة، حيث ترى نفسها فيها مبيّنة أنه عندما تعبر رسوماتها عن الطفل وتحقق له السعادة، فذلك يعني لها الكثير لأنه صادق لا يجامل وهو أصدق حكم عن العمل الفني.

14