كائنات طفيلية

يزخر العالم الافتراضي بكائنات “طفيلية” أكثر من ضارة، بل هي فتاكة، مهمتها التهجم على الآخرين وإطلاق سمومها عليهم، حتى من دون سبب أو سابق معرفة، وتتخذ من السباب والشتائم وسيلة لإشباع شهيتها من الانتقام تماما كما تتغذى الطفيليات على حساب كائنات أخرى حية. ومع هذا الواقع يصبح الكلام المتفائل السابق عن أن فيسبوك وتويتر طفلان سيكبران ويتعلمان التهذيب والسلوك والكياسة التعبيرية، فاقدا لأهميته.
وتُخترق اليوم حياة الناس الشخصية بكل سهولة من “الطفيليين”، ويجد الكثيرون أنفسهم في مواقف يشعرون فيها بأنه يتم الحكم عليهم بقسوة من جانب أشخاص لا يعرفونهم، ولم يلتقوهم أبدا. فلماذا يحدث الذي يحدث عندما يطرق أحدهم باب حسابك بقوة، من دون أن تكون لديك فرصة الرد والقدرة على ذلك!
وعادة ما تؤثر الأحكام المسبقة السلبية، بشكل أقوى بكثير من الأحكام الإيجابية. وسبب ذلك أننا كبشر نتذكر التعليقات السلبية أكثر من الإيجابية، والنتيجة هي دوامة من التفكير السلبي التي قد تصيبنا بالأرق والقلق وتفقدنا حتى الثقة بالنفس.
وتوجد الكثير من القصص المتداولة على ألسنة أصحابها ممن أصبحت لديهم مواقع التواصل الاجتماعي مرادفا للمشاعر السلبية، ومعظم التعليقات والتدوينات ما هي إلا اختصار لمشاعر الضيق والانزعاج من الكائنات “الطفيلية”. فالتنمر الذي تتعرض له النساء، والتهديد بالانتقام وتعريف الأشخاص لأنفسهم بما يحقدون على الآخرين، واقع قائم ومستمر في العالم الافتراضي، من دون أن يكون هناك أمل قريب في إيقاف كل هذا الحال الذي يقسم المجتمعات ويشتتها.
وأصبح البعض يشعر بالخوف والخطر إزاء شرحه لفكرة ما، وكثيرا ما يؤدي مجرد التعبير عن الرأي في موضوع سياسي أو اجتماعي أو ديني، إلى مهرجان تديره كائنات “طفيلية” متعطشة، تتحين اللحظة التي تتحرر فيها من قيود القوانين ومبادئ الأخلاق لتنكل بالآخر بكل وحشية.
عبر الكاتب الروسي أنطون تشيخوف ببلاغة عن هذا الأمر بقوله “لدينا جميعا عدد كبير جدا من العجلات والبراغي والصمامات للحكم على بعضنا البعض بناءً على الانطباع الأول أو مؤشر واحد أو مؤشرين. أنا لا أفهمك، أنت لا تفهمني ولا نفهم أنفسنا”. وهذا هو واقع الحال عندما يتحدى كائن متطفل، وجد له مساحة وشهرة ومتابعة على تويتر، طبيبا في معلومات طبية أو مختصا في العلوم الاقتصادية، بل إنني حضرت واحدة من المساحات الصوتية عن الحضارات القديمة وجدت فيها أدعياء يزعمون بكل صلافة أنهم علماء آثار ومنقبون وجهابذة في اللغات السومرية والآرامية والمسمارية.
إن واقع الحال بوجود تلك الكائنات الضارة، أكثر بكثير من جدال أو حوار بغض النظر عن فائدته، بل هو واقع يزيد من مساحة الجهل والفساد والظلم والتنمر في المجتمعات.